< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/07/12

بسم الله الرحمن الرحيم

     الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد: هل إعراض المشهور يوجب وهن الرواية وسقوطها عن الحجيّة؟

     هل إعراض المشهور يوجب وهن الرواية وسقوطها عن الحجيّة؟

     دليل من قال بان الاعراض يوجب توهين الرواية.

     التحقيق.

     دليل حجية الخبر من العقل، محور الادلّة هو موافقة العلم الاجمالي بصدور الاخبار.

     محور الردود: انحلال العلم الاجمالي إلى علم تفصيلي وشك بدوي.

     الفرق بين وجوب العمل بالخبر من باب الاحتياط، وبين العمل به من باب الحجيّة.

 

نكمل الكلام في مسألة ان اعراض المشهور هل يوجب توهين وسقوط الرواية عن الاعتبار؟

ذكر ان اعتراض المشهور يسقط الرواية والدليل وجداني وهو بأن هؤلاء فقهاء وعلماء كبار اتقياء اجلاء محققين، وقد علم هؤلاء ان الرواية قوية السند ومع ذلك لم يعملوا بها، فهذا يعني ان هناك قرائن دلت على ضعفها وخفيت علينا. حتى وصل الأمر من بعضهم أنه ذهب إلى أنه كلّما ازداد الخبر صحة وقوّة ووجدنا إعراضا كلّما ازداد دلالة على السقوط.

والتحقيق: إن كان هذا الاعراض يؤدي إلى إطمئنان بعدم صحة الخبر، فلا شك في السقوط، وإلا فلا، فمقتضي الحجية موجود وهو قوّة سند الخبر، والمانع مشكوك، وقاعدة المقتضي والمانع غير تامة. [1]

في مسألتنا المقتضي موجود واشك في وجود مانع وهو ان الاعراض مانع أو لا؟ المعروف ان هذه القاعدة لا تجري ولو مع جريان اصالة المانع.

بل إن المانع هنا هو الاطمئنان بوجود القرائن الموهنة، وليس الاعراض، وهو غير موجود قطعا.

ثم ان الاطمئنان قد يحصل بالاجماع على عدم العمل بالخبر، خصوصا إذا كان الاجماع قريبا من عصر المعصوم (ع)، ولذا يجب علينا أن نأخذ كل حالة على حدة.

أما في مسألتنا مما كان الاعراض مشهورا لا اجماعيا، فلا يحصل اطمئنان بوجود قرائن مسقطة، لوجود رأي آخر مخالف للمشهور، أي يوجد رأيان: المشهور وخلافه [2] . أما بشكل عام فالمسألة مبنائية كما يفترض.

فإن قلنا بحجية خبر الثقة، أو خبر العدل، أو وجوده في الكتب المعتبرة، فالمقتضي موجود، والمانع مفقود وهو حصول الاطمئنان بحصول القرائن المسقطة. وقلنا ان قاعدة المقتضي المانع لا نعمل بها وهنا ما هو المانع؟ فليس مجرّد عمل المشهور بخلاف الخبر والاعراض عنه هو المانع وليس مجرّد الظن بالسقوط، المانع هو الاطمئنان، فليست المسألة من باب المقتضي والمانع، المسألة من باب المقتضي وقطعا نعلم ان المانع مفقود، فالمقتضي يعمل عمله وهو قوّة وصحة السند، المانع هو الاطمئنان بوجود القرائن المسقطة، هذا الاطمئنان غير موجود فالمقتضي يؤثر أثره.

اما إذا قلنا بحجية الخبر الموثوق لان العقلاء يعملون بالموثوقات وليس بخبر الثقة. فاعراض المشهور يسقط الخبر عن الاعتبار لعدم وجود الاطمئنان.

فقد يقال: إن المقتضي وهو الخبر الموثوق المطمأن به لم يتحقق مع إعراض المشهور، وبذلك لا يكون الخبر حجّة.

ثم انه لا بأس بلفت نظر الباحث: من أن الفقهاء في ذلك لم يكونوا على تواصل واسع وعلى اطلاع واسع على كل الآراء والاحاديث لتباعد المسافات مثلا واختلاف الازمنة وصعوبة الاحوال الامنيّة وغيرها، ولذا نجد بعضهم قد يعمل برواية ضعيفة، ولذا عمل العلماء –جزاهم الله خيرا- على تجميع الاحاديث في مجاميع حديثية، ونظموها، وكان انجازا ضخما كبيرا كما في كتاب وسائل الشيعة مثلا، فقد أعاننا على سهولة الاستنباط والوصول للأحاديث المعتبرة في أيامنا هذه.

إلى هنا نكون قد انتهينا من اصل الدليل على حجية خبر الواحد والاستثناءات، ولا بأس بلي العنان لبعض الأدلة الأخرى على حجيّة خبر الواحد، لما فيها من فوائد، منها:

الدليل العقلي على حجية خبر الواحد:

بعضهم استدل على حجية خبر الواحد بالعقل لا بسيرة العقلاء، بل ان العقل بحكم بحجية العمل بخبر الواحد.

استدل على حجية خبر الواحد الظني بوجوه متعددة تعرض لها صاحب الكفاية (ره) والمحقق القمّي (ره) وغيرهما، نحن سنأخذ بزبدتها لوجود فوائد جانبيّة مهمّة.

ملخص الوجوه أنه ترجع جميعها إلى أمر واحد وهو العلم الاجمالي بوجود تكاليف أو بوجود اخبار مقطوعة الصدور. فينبغي حينئذ العمل بالاحتياط في الجميع، لان العمل ببعضها لا يكون موافقا للاحتياط، فان العلم الاجمالي تجب فيه الموافقة القطعية. مثلا: اذا كان عليك دين واحد إما لزيد وإما لبكر وإما لعمور، فيجب عليك اداء الدين للجميع لتحقق الموافقة القطعية، لان العلم الاجمالي يقتضي الموافقة القطعية. وهنا يجب العمل بمجموعة احاديث قد صدر منها قسم قطعا، فإذا وافقت البعض دون الآخر يكون ترجيحا بلا مرجّح، إذن يجب ان اوافق الجميع واعمل بجميع الاخبار.

واجيب على هذا الدليل باجوبة متعددة محورها انحلال العلم الاجمالي، وأن العمل حينئذ هو باب الاحتياط لا من باب حجية الأخبار.

والفرق بين حجية الخبر، وبين وجوب العمل به من باب الاحتياط، مع اشتراكهما في وجوب العمل في ثلاثة أمور:

الاول: أنه تقدير حجية لا يجري الاصل العملي، لان أصل البراءة أو الاستصحاب لا يجري مع الاخبار، لان الاخبار امارة، والاصل لا يجري مع ثبوت الامارة.

الثاني: صحة اسناد مؤداه إلى الشارع المقدّس على تقدير حجيّة الخبر، بأن أقول: هذا حكم الشارع تعبدا. ولا يجوز اسناد مؤداه على تقدير العمل بالخبر من باب الاحتياط.

الثالث: لزوم الأخذ باللوازم على تقدير الحجيّة، لان الامارة تثبت لوازمها، وعدمه على تقدير العمل بالخبر من باب الاحتياط لانه اصل عملي.


[1] استطراد: هناك قواعد ثلاثة: قاعدة الاستصحاب، وقاعدة اليقين أو الشك الساري، وقاعدة المقتضي والمانع. فالاستصحاب هو المتيقن السابق والشك اللاحق، أجرّ المتيقن إلى زمن المشكوك. أما قاعدة اليقين فهي سريان الشك إلى اليقين السابق، لذلك سميت بقاعدة الشك الساري. أما قاعدة المقتضي والمانع فهي أن المقتضي يكون موجودا واشك في وجود المانع. هذه القواعد متشابهة ومهمّة في مقام التطبيقات. اما الاستصحاب فهناك اجماع على صحته وجريانه. اما قاعدة اليقين فالأكثر على عدم تماميتها وعدم جريانها، وكذلك قاعدة المقتضي والمانع فالأكثر على عدم تماميّتها.
[2] توضيح: لما درسنا كتاب ابن الغضائري وقلنا اننا لا نأخذ به رغم ان العلامة الحلي (ره) الفقيه بل هو من اركان الفقه أخذ بالكتاب بعد اختفاء الكتاب حوالي ثلاث مئة سنة، وعثر ابن طاووس أستاذ العلامة على نسخة منه وعمل عليه، فصار الكتاب احد الكتب الرجالية المشهورة المعروفة. لكن نسأل العلامة: ما هو الدليل على ان هذا الكتاب الحقيقي لابن الغضائري؟ ونحن تضعيفات وتوثيقات ابن الغضائري لا قيمة لها عندنا، لأننا قلنا سابقا ان من المحتمل ان يكون الكتاب من مدسوسات أعداء أهل البيت (ع).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo