< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/07/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد بسيرة المتشرعة:

 

     الجواب الثالث: بان الأمر يدور بين التخصيص والنسخ، والتخصيص أولى.

     النتيجة: إن العمدة في الدليل على حجية خبر الواحد هو سيرة العقلاء.

     استثناءات وتوضيحات:

     العمل بالخبر يشمل ما كان حسيا او قريبا من الحس دون ما كان حدسيا.

     نقطع بعدم حجية ما خالف القرآن والسنّة القطعيّة وحكم العقل الفطري.

     معنى المخالفة.

 

التذكير بان السيرة لا تكون مردوعة بالآيات لاستصحاب عمل الناس بالسيرة العقلائية في حجيّة خبر الواحد، فنزلت الآيات واشك انها تردع أو لا تردع فاستصحب السيرة العقلائية بالعمل بالخبر.

وفيه: اولا: انه اصل عمليي، وثانيا: ان الاستصحاب امر ظني، والآية تمنع العمل بالظنون، ومن جملة الظنون الاستصحاب، وثالثا: إذا كان دليل الاستصحاب هو الأخبار فيلزم الدور، فالاستصحاب دليله الاخبار، والاخبار دليلها الاستصحاب، فالاستصحاب هو الذي جعلنا نعمل بخبر الواحد قبل نزول الآيات، فهذا أمر دائر.

- الجواب الثالث في العمل بالسيرة العقلائية: أن الأمر يدور بين النسخ والتخصيص، والتخصيص أولى. فتكون السيرة العقلائية بالعمل بخبر الواحد مخصصة للآيات الناهية عن العمل بالظن، لان الظنون تشمل الخبر وغيره. أي ان الخاص نزل قبل العام، وقلنا في بحث العام والخاص ان هذا الأمر يدور بين النسخ والتخصيص، وقلنا بكل اشكال العام والخاص ان التخصيص اولى من النسخ.

بعبارة اوضح: السيرة العقلائية متقدمة على الآيات، فالسيرة خاص، والآيات عام مؤداه: " كل ظن لا يجوز العمل به"، لأن السيرة هي العمل بالخبر غير العلمي، والايات عام يشمل الخبر غير العلمي وغيره من غير العلميات. فصار عندنا خاص ورد قبل العام، وإذا تقدّم الخاص على العام، دار أمره بين النسخ والتخصيص، والنسخ يقتضي الأخذ بالعام لان الناسخ يأتي بعد المنسوخ، وهو الآيات فلا يجوز العمل بالخبر، والتخصيص يقتضي الأخذ بالخبر فيجوز العمل به.

وقد بيّنا في بحث دوران الأمر بين النسخ والتخصيص أن الظاهر هو التخصيص إلا إذا دل دليل على النسخ، لانه هو المتعيّن، فالخاص يصلح قرينة على المراد من العام، فلا بد من الالتزام بكون السيرة مخصصة للعمومات.

وفيه: إن دوران الأمر بين التخصيص والنسخ إنما يكون بعد تمامية حجيّة الخاص، وتمامية حجيّة العام.

اما في مقامنا فإن حجية الخبر لم تثبت بعد، إذ لا نزال نشك في ذلك، أي أننا لا نزال في مقام البحث عن حجيّة الخبر.

وهذا الكلام يمكن ان يردّ، بان السيرة العقلائية موجودة فالمقتضي موجود.

والنتيجة: إن الدليل والعمدة والاساس في حجية خبر الواحد الظني هو سيرة العقلاء التي عمل بها الجميع، ولم يصدر نهي واحد عنها، رغم الابتلاء الكثير بل اليومي بها. وعمل الشارع بهذه السيرة كان استعمالا لما عند الناس إذ ليس من الحكمة أن يجعل الشارع أمرا موجودا شائعا بين الناس، فهو تكلّف لا داعي له، بل هو قريب من تحصيل الحاصل، فإن للناس حينئذ أن يقولوا للرسول (ص): ما اتيتنا بشيء غير ما عندنا، فما هي ميزتك لتكون نبيا مرسلا؟!.

ثمرة البحث في دليل حجيّة الخبر:

الثمرة قد تكون في الفروع، فاصل الحجية تامّ، لكن عند الاختلاف في بعض التفاصيل نحتاج لبحث الدليل، مثلا: لو قام ظن بخلاف الخبر فهل يبقى على الحجّة أو لا؟ أو أن الخبر خاص بالمشافهين أو لا؟ أو ان الاخذ بخبر العدل أو بخبر الثقة؟ أو الاخذ بخبر العدل الثقة؟ عند التعارض ماذا نفعل؟. حل هذا التفاصيل يكون بالرجوع إلى دليل أصل الحجيّة.

فمثلا: هل الحجّة خبر العدل أو خبر الثقة؟ فالواقفة والفطحية وابناء العامّة ليسوا عدولا وإن كان بعضهم ثقات؟، فالمخبر قد يكون ثقة وليس عدلا، وقد يكون عدلا وليس ثقة لما كثر منه السهو والنسيان والخطأ. وذكرنا سابقا الفرق بين العدل اللغوي الذي يشمل الثقة، والعدل الشرعي الذي يكفي فيه " انه لا نعلم منه إلا خيرا". وذكرنا مرارا ان الوثاقة المطلوبة بالاخبار امر غير عادي فبقدر ما كان المحتمل مهمّا تصبح الوثاقة المطلوبة اشدّ، ففي ايداع عشرة دنانير مثلا توضع امانة عند شخص لمجرّد انه مصلي في المسجد تجعلها امانة عنده، اما في المقابل الآف الدنانير تحتاج للثقة المعروف، وطبعا الاحكام الشرعية ليست أقل أهمية من الاموال من الذهب والفضّة.

ولذلك عندما نشك نرجع إلى اصل دليل الحجيّة، فان كان الدليل هو الآية القرآنية آية النبأ وهي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [1]

بمفهومها قالوا ان العدل لا يجب فيه التبين فهو حجّة، فصار خبر العدل يجب الاخذ به، أما إن كانت سيرة العقلاء، والسيرة تعمل بخبر الثقة كما عند السيد الخوئي (ره) والميرزا النائيني (ره) فيكون خبر الثقة هو الحجّة، لذلك في هي البحث عن أصل دليل الحجيّة ثمرات مهمّة.

النتيجة: ان دليل حجية الخبر هو سيرة العقلاء، والشارع عمل بهذه السيرة وقلنا انه استعمال لما عند الناس.

قد يقال: لا مانع من ان يستعمله ويجعله.

فانه يقال: كان موجودا عند الناس فليس من الحكمة ان يؤسس الشارع شيئا موجودا عن الناس، تحصيل حاصل لشيء موجود عن الناس فلا داعي له، أي لا دافع لجعله.

الاستثناءات من حجية الخبر أو توضيحات:

الاستثناء الاول: حجية الخبر تختص بما كان مدلوله حسيا، ولا تشمل ما كان مدلوله حدسيا.

وهذه هي سيرة العقلاء، فإنه لا شك في أن أدلة حجية خير الثقة أو العدل أو الممدوح - بحسب اختلاف الدليل- لا تشمل الخبر الحدسي [2] المبني على النظر والاستنباط، وإنما تختص بالخبر الحسّي المستند إلى الاحساس بالمدلول، أو ما هو بحكم الحسّي أو القريب من الحس، كالشجاعة والوثاقة والامانة والكرم، أمور لا ترى لكن تدرك من بعض الآثار فتكون هذه الصفات قريبة جدا من الحس، فالعقلاء يعملون بنقلها، وعلى هذا لا يكون قول المجتهد حجّة على المجتهد الآخر بلحاظ أدلة حجية خبر الثقة، لأن إخباره بالحكم الشرعي ليس حسيا، بل هو حدسيّ اجتهادي.

فمثلا: الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (ره) كان ثقة ومجتهدا، فيكون نقله حجّة علينا لأنه نقل محدّث إمامي عدل ثقة ممدوح، ولذا أخذت مروياته سواء كانت في التهذيب أو الاستبصار أو غيرها بعين الاعتبار، أما فتاواه فقد نوقشت لأنها ليست حجة علينا. وقد قلنا سابقا: نقل الشيخ الطوسي (ره) حجة علينا، أما إجتهاده وحدسه فهو حجة عليه لا علينا.

الاستثناء الثاني: الخبر المخالف للكتاب الكريم والسنّة النبوية القطعيّة، وللكليات العقليّة الوجدانية الفطرية التي لا يختلف عقلان في الحكم بها، مثل الواحد نصف الاثنين، ساقطة عن الاعتبار والحجيّة، للقطع بعدم حجيته، إذ لا يعقل أن يقول المعصوم (ع) خلاف قول الله عز وجل، وقد ورد في ذلك احاديث كثيرة مثل: "ما خالف قول ربنا لم نقله، زخرف باطل، إضرب به عرض الجدار" وهكذا.

ولذا فهذه الروايات المخالفة لما ذكر لا بد من أحد أمرين: إما تأويلها إن أمكن ذلك وكانت في معرض التأويل، وإما طرحها عرض الجدار.

ومعنى المخالفة للكليات العقليّة: هو مخالفة ما كان وجدانيا فطريا، يحكم به كل بشر ولو كان وحده مثل: النقيضان لا يجتمعان، والكل أكبر من الجزء، والواحد نصف الاثنين.

والعام يخالف الخاص لكنه في العرف ليس مخالفة،بل هو تخصيص، وكذا في الحاكم والمحكوم، ففي العرف اللغوي هو حكومة وورود ومطلق ومقيّد ومجمل ومبيّن، كذلك كل هذه الامور وامثالها ليست مخالفة. مثلا: في قوله تعالى: ﴿اوفوا بالعقود﴾ ثم ورد ان نكاح الشغار باطل لا يجب الوفاء به، هذا من باب العام والخاص وليس من التخالف والتانفي العرفي.

إذن معنى الخلاف هو انه ما يعتبر في عرف الناس واللغة خلاف، اما ما ذكر موجود تحت العناوين التي ذكرناها، نعم للوهلة الاولى وفي بدو الأمر توجد مخالفة بين العام والخاص لكن العرف اللغوي يقدّم الخاص على العام، والمقيّد على المطلق، ويقدم القرينة على ذي القرينة، فهذا لا يعتبر مخالفة.

كذلك ما يتراءى أنه علّة فليس ذلك خلافا. مثلا: يشترط في حلية الذبيحة قطع الأوداج الأربعة، وقد وردت روايات في تحريم قطع الرأس بأكمله يتضمن قطع الأوداج الأربعة فلماذا لا يجوز؟!

وقد يظن البعض أن هذا حكم عقلي فطري لان الظاهر أن الكل يتضمّن الجزء فلماذا يحرم، لكن الأمر ليس كذلك، بل للحرمة ملاك لم يكن معروفا في ذلك الزمن[3] .


[2] وذكرنا مثالا على ذلك: ذكر فلان ان زيدا قد نبتت لحيته، تارة ترى أن اللحية نبتت هذا إخبار عن حس، وتارة من قرائن ولم يره، مثلا: ان عمره قريب من البلوغ وبحسب العادة قد تكون نبتت لحيته. سؤال احد الطلبة: ان العقلاء يعملون برأي الخبير وهو رأي. الجواب: النقل شيء والرجوع إلى اهل الخبرة شيء آخر.
[3] بيّن سماحتة السيد الاستاذ في اثناء الدرس ما يمكن ان يكون ملاكا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo