< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد بسيرة المتشرعة:

 

     كلام صاحب الكفاية (ره) في الجواب على كون الآيات الناهية عن العمل بالظن رادعة عن العمل بالسيرة بالعمل بخبر الواحد: اولا: الآيات خاصة بالأصول العقائدية، ثانيا: نأخذ بالقدر المتيقن منها وهو النهي عن العمل بالظن غير المعتبر، او الانصراف إليه.

     نقد كلام صاحب الكفاية (ره): لا نسلّم اختصاصها بالاصول.

     والقدر المتيقن لا يعمل به مع اصالة الاطلاق او العموم.

     الانصراف حجة على مدّعيه.

     نعم إن قوله تعالى: ﴿ان الظن لا يغني من الحق شيئا﴾ الحق يشمل القطع ويشمل العمل بخبر الثقة عقلائيا.

نعود لكلام صاحب الكفاية (ره): إن قلت: يكفي في الردع الآيات الناهية، والروايات المانعة عن اتباع غير العلم، وناهيك قوله تعالى: ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم﴾ وقوله تعالى: ﴿وإن الظن لا يغني من الحق شيئا﴾

قلت: لا يكاد يكفي تلك الآيات في ذلك، فإنه - مضافا إلى أنها وردت إرشادا إلى عدم كفاية الظن في أصول الدين، ولو سلم فإنما المتيقن منها لولا أنه المنصرف إليه إطلاقها هو خصوص الظن الذي لم يقم على اعتباره حجة. [1]

مؤدى كلامه: انه ليس هناك لا حكومة ولا ورود، بل هناك من قوله تعالى: ﴿إن الظن لا يغني من الحق شيئا﴾ عند اطلاقه انصراف إلى الظن غير المعتبر، اما الظن المعتبر فانه يغني من الحق عقلائيا، فلا يكون مشمولا للآية فهو غير منهي عنه فيكون حجّة. وبهذا يرتفع التنافي بين الآيات الناهية عن العمل بالظن وبين السيرة العقلائي بالعمل بالخبر.

بيان كلامه (ره) : ان المراد من "(ولا تقف ما ليس لك به علم)، وقوله تعالى: ﴿وإن الظن لا يغني من الحق شيئا﴾، مراده من الحق فقط في الاصول العقائدية اما في غيرها فلا بأس، أي ان الآية ليست ناظرة للفروع اصلا، اما دليل ان الفروع يجب ان تكون على نحو القطع أو لا يجب فهو من خارج هذا الآيات.

ثانيا: انه لو سلّم انها تشمل الاصول والفروع باطلاقها، وهذا الأمر موجود حتى في الحياة العامّة، فلو ظننت ان فلان سارق فيجب ان نثبت كونه سارقا لاثبات حكم السارق عليه عقلائيا، بعبارة اخرى: عند العقلاء يجب اثبات الموضوع بنحو الاطمئنان، ومجرد الظن لا يكفي، ولذلك لا يترتب الأثر بمجرد الظن، وعندما يقال: الاحكام تابعة لعناوينها يجب إثبات العنوان.

وقوله: "ولو سلم فإنما المتيقن منها لولا أنه المنصرف إليه إطلاقها هو خصوص الظن الذي لم يقم على اعتباره حجة"، فإذا لم نقل انه منصرف فهو المتيقن وهو خصوص الظن غير المعتبر، ومع عدم وجود القدر المتيقن فهو المنصرف اليه.

ملخص جوابه (ره): ان الآيات الناهية عن العمل بالظن إما خاصّة بالظن في الاصول العقائدية فلا تشمل الفروع، وإما ان القدر المتيقّن هو الظنون غير المعتبرة، وإما ان المنصرف إليه هو الظنون غير المعتبرة.

تعليقا نقد كلام صاحب الكفاية (ره):

يقول الفقير إلى رحمة ربه والسداد: إن اطلاق الآيات يشمل الاصول والفروع. هذا اولا.

ثانيا: إذا قلنا بشمول الآية للفروع باطلاقها فلا يوجد قدر متيقن ولا انصراف إلى خصوص الظن الذي لم يقم على اعتباره دليل. فالقدر المتيقن انما يعمل فيه في حال عدم وجود اطلاق أو عموم. فمعنى اصالة الاطلاق انه عند الشك يشمل الحكم الأمر المشكوك، وكذا في اصالة العموم تكون عند الشك ان هذا العام يشمل الفرد أو لا، فاقول بالعموم. مثلا: ﴿اوفوا بالعقود﴾ فشككت في وجوب الوفاء بأحد العقود، مثلا: الشك في صحة الزواج المدني، الزواج المدني عقد واشك في شموله، فاقول انه بالعموم يشمله. ومثلا: سندات الخزينة اشك في صحتها، بالعموم اقول ان هذا عقد فيشملها وذلك عند الشك، فلا معنى بالاخذ بالقدر المتيقّن، فأخذ به عندما لا يكون هناك اطلاق ولا عموم.[2]

نعم اختصاص الآيات بخصوص الظن غير المعتبر هو من باب الحكومة كما بيّنا، فانه بعد توسيع المراد من العلم إلى ما يشمل الظن المعتبر على نحو الحكومة، الذي هو ليست قبيحا عند العقلاء، تكون الآيات خاصّة بالظنون غير المعتبرة.

أما الانصراف فعهدته على مدّعيه، فالانصراف إلى خصوص الظن المعتبر يحتاج إلى دليل.

إلا ان يقال: ان قوله تعالى: ﴿إن الظن لا يغني من الحق شيئا﴾ ان العمل بخبر الواحد عند العقلاء حق فيكون ذيل الآية دليبل على تخصيص الظن، أو على ان المراد من الظن هو خصوص غير المعتبر فلم يعد هناك انصراف بل تخصيص، وذلك من قبيل الإيلاء في قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾[3] ف "عزموا الطلاق" يدل على ان الإيلاء لا يكون إلا بالزواج الدائم ولا يشمل الإيلاء الزواج المنقطع. فمن نفس الآية هناك قرينة على ان المراد من الإيلاء هو خصوص الزواج الدائم.

وهكذا في مسألتنا ﴿إن الظن لا يغني من الحق شيئا﴾ الشاملة هنا للحق العقلائي لانه يخاطب العقلاء ويستدل عليهم بما عندهم بوجدانهم وفطرتهم، وبالتالي ان العمل بخبر الثقة ليس عملا بغير الحق عند الناس وهو، ليس مستنكرا ولا قبيحا، بل هو ممدوح، النتيجة ان المراد من الظن هو الظن غير المعتبر.

الجواب الثاني في عدم العمل بالسيرة العقلائية: هو الاصل العملي وهو استصحاب بقاء الحجيّة.

وبيانه: العمل بخبر الثقة السيرة عقلائية ثابتة قبل نزول الآيات الناهية عن العمل بغير علم، فإذا شككنا في كون الآيات رادعة عن العمل بالخبر ومع انتفاء الامارات تصل النوبة إلى الاصل العملي وهو استصحاب حجيتها السابقة لليقين الثابت بالعمل بالسيرة العقلائية.

وفيه: اولا: ان الاستصحاب أمر ظني بذاته، فتشمله الآيات ايضا لانه عمل بغير علم، وهو ظن، فالآيات تنفي حتى حجيّة الاستصحاب. فلا معنى ان نستدل على حجية الاستصحاب بالاستصحاب ايضا فيتسلسل الامر.

وثانيا: إذا كان دليل الاستصحاب هو الاخبار كصحيحة زرارة، فإذا كانت الصحيحة ثابتة بالاستصحاب، والاستصحاب انما يثبت بها، فيلزم الدور، لتوقف حجية الاستصحاب على نفسه.

 


[2] تذكير بمنهجية الاستنباط: في الشبهة المفهومية: نطرق أولا باب الشارع لبيان المفهوم، فان لم نجد فنطرق باب العرف، فان لم نجد نأخذ بالقدر المتيقّن، فان لم نجد عاد الدليل مجملا ونعود إلى دليل آخر. وسابقا ضربنا امثله كثيرة على ذلك منها في الأمور الشرعية كلمة "بكر" و " الثيّب" في المرأة التي لم تعد بكرا، هل هي لخصوص التي افتضت بكارتها بعقد شرعي؟. او " انها التي افتضت بكارتها لكن بالوطء وليس بآلة حادة؟ فإذا كان ذلك بزنى تبقى بكرا؟، أو التي عقد عليها شرعا وافتضت بكارتها مطلقا ولو بغير الوطء. وبعضهم يقول انه لا علاقة للبكارة وعدمها فبمجرد الدخول تصبح ثيبا؟. وبعضهم من يقول انه من عقد عليها. حينئذ إذا بقي المعنى مبهما فلا اطلاق فيها حينئذ ونأخذ بالقدر المتيقّن وهو ان الثيّب هي التي افتضت بكارتها بدخول وبوطء شرعي، والباقي يبقى تحت الأصول اللفظية والعمليّة. هذا إذا بقي الابهام على حاله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo