< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/07/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد بسيرة المتشرعة:

 

     الجواب الثالث: تقديم دليل السيرة العقلائية على الآيات الناهية عن العمل بغير علم من باب الحكومة.

     امكان اجتماع الحكومة والورود في نفس الدليلين.

     جواب صاحب الكفاية (ره) على كون الآيات الناهية عن العمل بالظن رادعة عن العمل بالسيرة.

واما الجواب الثالث: فقد يقال إن السيرة العقلائية الظنية حاكمة على الآيات الناهية عن العمل بالظن وذلك بتوسيع مفهوم العلم إلى ما يشمل الظن المعتبر.

فالآيات لسانها ان كل ما كان من غير علم لا يجوز العمل به، وتأتي السيرة لتقول ان الظن الناشئ من خبر الواحد ليس حكم ظن، بل هو علم اعتبارا، من قبيل "الطواف صلاة" و " المؤمن عالم أكرمه" أي اعتبره عالما وأكرمه، أكون قد وسعت دائرة موضوع "غير العلم"، وهذه حكومة أي دليل حاكم على دليل آخر ناظر لموضوعه يوسعه او يضيقه.

وكمثال آخر: "الفقاع خمر استصغره الناس" وسع دائرة الخمر. وقلنا ان توسع الحكم هو عبارة عن ما ذكره السكاكي في بحث المجاز حيث انكر وجد المجاز في الكلمة [1] وقال انه حقيقة ادعائية، فالاسد مثلا حقيقة في الحيوان المفترس، وأدعي ان الاسد حقيقة في الحيوان المفترس وغيره الذي هو الرجل الشجاع او كثيف الشعر وغير ذلك من الصفات.

ولعلّل التعبير بالحكومة بدأ من الشيخ محمد حسن النجفي صاحب الجواهر (ره)، ثم تلقفها الشيخ الانصاري (ره) وركزها وجعلها بابا بذاته: الحكومة والورود. الحكومة عبارة عن توسيع موضوع لحكم وهو حقيقة ادعائية كما عن السكاكي هو ادعاء التوسعة. والورود هو رفع الحكم.

بيان الحكومة في مسالتنا: "يحرم العمل بالظن"، الموضوع هو الظن ﴿إن الظن لا يغني من الحق شيئا﴾ و ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً﴾ [2] ثم يأتي دليل السيرة ليقول ان الظن هو علم لذلك قالوا أن السيرة حاكمة على الآيات وذلك بتوسيع مفهوم العلم إلى ما يشمل الظن المعتبر، فالسيرة حجة إلا إذا قام دليل يردع عنها، مقتضى الحجية موجود عندما يعمل المكلف بخبر الثقة والسيرة قائمة على العمل بخبر الثقة، فعند العقلاء العمل بخبر الثقة أو الموثوق -بحسب المباني- لا يعتبر عملا بغير علم، فالسيرة وسعت مفهوم الظن إلى ما يشمل العلم، فهذه هي الحكومة.

بتعبير اوضح:

فالدليل المحكوم هو: حرمة العمل بغير العلم.

والدليل الحاكم هو اعتبار العمل بخبر الثقة علما عرفا، ذلك لان العمل بالحجج العقلائية التي تقوم السيرة العقلائية على العمل بها ليس عملا بغير علم في نظر الناس والعرف والعقلاء فلا يلومونك، ولذلك سمّي علميا للإعتبار، ولم يتوقف أحد من الناس العقلاء من الصحابة والتابعين والمتشرعة من العمل بالظواهر، مع أن الظواهر ظنيّة وليس علمية قطعية، وقد قرأ هؤلاء القرآن والآيات الناهية عن العمل بغير العلم على مرأى ومسمع منهم، وهم أهل اللسان [3] ، وليس ذلك إلا لأجل أنهم لا يرون العمل بالظواهر عملا بغير علم بمقتضى قيام سيرة العقلاء على العمل بها، وحال العمل بخبر الثقة حال عملهم بالظواهر فلا يستنكر عليه كذلك العمل بخبر الواحد.

بعبارة اخرى: نزَّل العقلاء العمل بالظن منزلة العلم، ولذا سمّوها بالعلميات. وهذ هي الحكومة، أي توسيع موضوع الحكم.

إذن هناك حكومة بتوسيع الموضوع أو تضييقه، وورود احيانا في رفع الحكم بعد تضييق موضوعه في نفس الدليلين، وكل من الحكومة والورود باعتبار. والامثلة كثيرة. كما في: "لا ربا بين الوالد وولده"، فيكون: " كل ربا حرام" كموضوع وحكم، و "لا ربا بين الوالد والولد" ضيق حكم الربا، "لا ربا" تضييق هذه حكومة. الدليل الاول هو: "كل ربا حرام" هل بين الوالد وولده ربا؟ الجواب: "لا" فارتفع الحكم برفع الموضوع، فيكون هذا ورودا، ففي هذا المثال توجد حكومة ويوجد ورود.

هنا قد يقال ان تقديم دليل السيرة على دليل الآيات من باب الحكومة أو الورود مصادرة على المطلوب، فاولا يجب ان نثبت السيرة العقلائية حجّة حتى نقدمها على الآيات الناهية.

نقول: ان مقتضى الدليل الحاكم موجود، وهذا يكفي. فمقتضى الحجيّة الذي هو السيرة، والسيرة يعمل بها إلا مع الردع عنها، فالردع عن هذه السيرة هو الذي يحتاج إلى دليل. وهكذا في كل انواع الحكومة وكل انواع الورود والتخصيص والتخصص، المقتضي يكون موجودا، مثلا فإذا قدمنا العام على الخاص، نكون قد نفينا دليل الخاص، فيجب ان تكون دليلية الخاص ثابتة سلفا، وبحسب مقتضاها فتقدم حينئذ حكومة أو ورودا أو تخصيصا أو تخصصا على الدليل العام.

هنا ولا بأس بالقاء نظرة على بعض الاجوبة الأخرى ملخصا، من باب العلم وبعض الفوائد الجانبيّة ولو باختصار:

أحد الاجوبة: إذا كانت الآيات الناهية عن العمل بغير علم رادعة عن العمل بالسيرة لشمولها لها، فان السيرة لا تفيد علما، فهذا يستلزم الدور.

بيانه: إن كون الآيات رادعة يتوقف على عمومها، -" كل ما ليس بعلم لا تعمل به" هذا عموم، وإذا بقي العموم على عمومه يشمل السيرة الظنية -، ثم ان العموم متوقف على تخصيص السيرة له، وعدم التخصيص متوقف على العموم، فيدور، أي يتوقف كونها رادعة على كونها رادعة.

يقول صاحب الكفاية (ره): إن قلت: يكفي في الردع الآيات الناهية، والروايات المانعة عن اتباع غير العلم، وناهيك قوله تعالى: ( ولا تقف ما ليس لك به علم )، وقوله تعالى: ( وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ).

قلت: لا يكاد يكفي تلك الآيات في ذلك، فإنه - مضافا إلى أنها وردت إرشادا إلى عدم كفاية الظن في أصول الدين، ولو سلم فإنما المتيقن لولا أنه المنصرف إليه إطلاقها هو خصوص الظن الذي لم يقم على اعتباره حجة. [4]

نقد كلام صاحب الكفاية (ره).

 


[1] ولا باس ببيان انواع المجاز: هناك مجاز بالاسناد ومجاز بالكلمة. المجاز بالاسناد هو مجاز في اسناد المحمول إلى الموضوع، كما في المثال: "بنى فرعون الاهرام" نسبة البناء في الحقيقة والواقع إلى العمال وليس لفرعون، فاسند البناء إلى غير ما هو له بعلاقة، وغيرها من الامثلة. اما الاسناد في الكلمة هو استعمال نفس الكلمة كاستعمال كلمة فرعون في المثال في عماله. وإذا قلت: " زيد اسد" يستعمل في الرجل الشجاع، لان في الاستعمال يكون المجاز وليس في الارادة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo