< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/07/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد بسيرة المتشرعة:

     سيرة المتشرعة ثابتة، لكن لم يثبت كونها كمتشرعة، والأصل عدم الحجية.

     سيرة العقلاء دليل على حجية الخبر.

     اشكال دلالة الآيات الناهية عن العمل بالظن على النهي عن السيرة العقلائية في العمل بخبر الواحد.

ونعود إلى سيرة المتشرعة: وقلنا ان سيرة المتشرعة بلا شك ثابتة والذي ينكرها مكابر، فالكتاب الفقهي بلا اخبار يستنكر عليه، بل من المتسالم عليه العمل بخبر الواحد، وذكرنا ان السيرة تارة تكون تأسيسيّة وأخرى ارشاد إلى ما عند الناس، فلنقل بتعبير اصح انه استعمال ما عند الناس، لان كلمة ارشاد او امضاء قد تؤدي إلى بعض المغالطات.

فبناء على ما قدّمنا لم يعلم أن عمل المتشرعة بخبر الواحد بما هم متشرعة وليس كونهم عقلاء، - وهو الذي ينفعنا في المقام – فسيرة المتشرعة كمتشرعة حجّة بلا اشكال، بل اقوى من الاجماع اللفظي العملي، عمل ناشئ عن فتوى، وعليه كبرويا سيرة المتشرعة حجّة.

وفي مسألتنا هل العقلاء يعملون بالأخبار كمتشرعّة او كعقلاء، والذي ينفعنا في المقام ان نثبت انهم يعملون بالخبر الواحد كمتشرعة، فلو شككنا - كما ضربنا في مثال حلاقة اللحية التي كانت محل ابتلاء عند المتشرعة، وكان من جملة الادلّة على الحرمة سيرة المتشرعة، لكن هل ترك اللحية كان من باب انهم متشرعة او انها كان الناس قديما كذلك؟

في أيامنا عاد ترك اللحية من جديد عند المسلمين المتدينين وغيرهم من بقيّة الأديان وغيرهم حتى من الملحدين والكفار- إذن نحن بحاجة إلى اثبات انهم عملوا كمتشرعة، ومع الشك لا يثبت موضوع الحجيّة وهو كونهم متشرعّة، بل الأمر ظاهر على العكس وانه من باب سيرة العقلاء فإن العقلاء على مرّ العصور يعملون بخبر الثقة أو الموثوق في جميع أمورهم، سواء كانوا مسلمين أو من أهل الكتاب أو ملحدين، أو مشركين من غيرهم، أو عباد اصنام وأوثان، والنبي (ص) والمعصومين (ع) استعملوا ما عند الناس، وهو سيرتهم على العمل بخبر الثقة أو الموثوق.

ولو تنزلنا وشككنا في كون عمل المتشرعة من باب أنهم متشرعة أو من باب كونهم عقلاء، فالأصل كما ذكرنا وهو عدم الحجيّة، فنقول ان سيرة العقلاء ثابتة، وانهم يعملون من باب أنهم عقلاء. وبهذا نستكشف أن استعمال الشارع هو استعمال لما عند العقلاء. ولو لم يرض الشارع بذلك لكان عليه أن يبيّن، ولو بين لوصل إلينا، فإن العمل بأخبار الآحاد منتشر جدا بين العقلاء، ومحل ابتلاء واسع جدا، بل لعلّه الخبز اليومي، ومع ذلك لم تصل ولا رواية واحدة في النهي عن العمل بخبر الثقة.

لاحظ أن القياس الباطل قد صدر النص ببطلانه، الذي يعمل به كثير من الناس قد ورد فيه حوالي خمسماية رواية في ابطاله، مع انه أقل ابتلاء من الخبر.

قد يقال: ان الشارع بيّن عدم الجواز بالعمل بالخبر الواحد، فإن الآيات الناهية عن العمل بغير علم بالظن تكفي في النهي عن العمل بخبر الواحد، مثل قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً﴾ [1] وغير ذلك من الآيات. فان خبر الواحد لا يفيد إلا الظن، والآيات كافية للردع عن هذه السيرة. إذن الردع الشرعي موجود.

والجواب: ثلاثة أوجه: الاول: نقضي، والثاني: حلّي بالورود، والثالث: حلّي بالحكومة.

اما الاول: بعدم ردع الشارع عن العمل بهذه السيرة العقلائية - أي سيرة العمل بخبر الثقة- إذ أن الفقهاء والعلماء والمتشرعة قد ثبت عملهم بذلك، ولو ردع الشارع عنها لانقضت السيرة، ولانقطع العمل بها بعد زمن الشارع وزمان المعصومين (ع). وهذا ليس استدلالا بالاجماع على حجيّة الخبر، بل هو نقض لدليل ردع الآيات بواقع الحال، بتعبير آخر: ان واقع الحال هو العمل بالخبر فإذن الآيات لا تشمله، وهي تشمل الظنون الأخرى وخرج خبر الواحد والباقي يبقى تحت عموم المنع.

واما الجواب الثاني: فالسيرة بعد اعتبارها ترفع موضوع الآيات، وهذا هو الورود وهو رفع الموضوع تعبدا.

وبيانه: إن المراد بالآيات - ولعلّه هو الظاهر - حث الناس على تحصيل المؤمن من العقاب [2] ، فهي إرشاد إلى حكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل، ثم يعلمهم كيف يدفع الضرر، وذلك بتحصيل المؤمّن من العقاب. بعبارة اخرى: ادلّة خبر الواحد والامارات واردة على ادلة الاصول العمليّة العقليّة كتحصيل المؤمن من العقاب، فتأتي السيرة لقول ان العمل بالسيرة امر عقلائي فاحتمال العقاب غير موجود، فانت امين من العقاب، فالسيرة رفعت موضوع الاحتياط من اساسه تعبدا، والتعبد هو في دليل الحجيّة فيرتفع الموضوع، وهذا هو الورود، والتعبد في دليل الحجيّة.

إذن ان المراد بالآيات - ولعلّه هو الظاهر - حث الناس على تحصيل المؤمن من العقاب فهي إرشاد إلى حكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل، ثم يعلِّمهم كيف يدفع الضرر، وذلك بتحصيل المؤمّن من العقاب. ثم يأتي دليل حجيّة الخبر ليقول أن خبر الواحد حجّة، فهو معذّر ومؤمّن من العقاب ولو لم يكن علما وقطعا ويقينا، فيرفع موضوع حكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل، فيكون من باب رفع الحكم برفع موضوعه تعبدا بالسيرة الثابتة عقلائيا وليس وجدانا، وهذا هو الورود وهو رفع الموضوع تخصصا أي انه ليس من افراد العام، وليس تخصيصا. فلا تكون الآيات ناهية عن العمل بالخبر، بعبارة اخرى: خرجت الآيات عن النهي عن العمل بالخبر.


[2] تذكير في بيان الورود: قلنا بان الاصول العقليّة كالاحتياط وموضوعه مؤمن من العقاب، فحين يأتي دليل على حجيّة أمر ظني يكون مؤمنا من العقاب، فارتفع موضوع وجوب الاحتياط، وكذا في البراءة العقلية موضوعها قبح العقاب بلا بيان حين يأتي خبر حجة ويكون بيانا فيرتفع موضوع قبح العقاب، وكذا في اصالة التخيير وهي إذا دار الامر بين محذورين ويأتي موضوع حجية احد الطرفين رافعا لدوران الامر ويصبح حجّة في احد الطرفين وينتفي موضوع التخيير.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo