< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/06/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد بالإجماع:

 

     الوجه الرابع في تصوير الاجماع: سيرة العلماء.

     جوابه عدم احراز كون عمل الجميع لكونه خبر واحد تعبدا.

     الفرق بين الاتفاق والاجماع.

     الوجه الخامس سيرة المتشرعة.

     جوابه: لم يحرز العمل بالأخبار بما انهم متشرعة، بلا الظاهر انه بما هم عقلاء.

     عند الشك في كون الحكم من باب التأسيس والجعل، او من باب الكسف وامضاء واستعمال ما عند الناس؟ الظاهر الثاني.

 

قلنا ان هناك ثلاثة أوجه لفظية لحجيّة الإجماع، ووجهان لبيان، أي الاجماع العملي، وهما سيرة العلماء وسيرة المتشرعة.

- الوجه الرابع وهو سيرة العلماء هو دليل لبي:

وللتذكير انه سميّ لبيا لأنه ليس لفظيا، ومن ثمار التفريق بينهما: ان الدليل اللفظي له اطلاق وله لسان، اما الدليل اللبي فيقتصر فيه على القدر المتيقّن. وهو يشمل الاجماع، والشهرات، والاطلاق المقامي، وفعل وتقرير المعصوم، وكل ما ليس لفظيا.

فإن العلماء وإن عملوا بالأخبار التي بين أيدينا، لكن بعضهم عمل به لأنه برأيه مقطوع الصدور، كبعض كالإخبارين مثلا ونحن لا نقول ان هناك اصوليون واخباريون، من قال أن الكتب الأربعة جميعا مقطوعة الصدور، واتكلوا على أشياء تدل على ذلك كما عند الشيخ الصدوق (ره) الذي يقول: "انه اتى بالاحاديث من كتب اليها المرجع وعليها المعوّل"، لذلك قلنا ان هناك ثلاثة مدارس في علم الحديث: مدرسة الكتب، ومدرسة السند، ومدرسة المضمون، وقلنا اننا مع مدرسة السند، واما الكتب والمضمون فهما يؤيدان أو يمنعان، لكن مقتضي الحجية هو السند.

فإذن اول الكلام ان الفقهاء جميعا قد عملوا بخبر الواحد تعبدا وبما هو خبر واحد، ذلك ان بعضها مقطوع الصدور عندهم كما ذهب إليه بعض المحدثين من القطع بصدور ما في الكتب الأربعة وبعضهم ببعضها، كما قد يفهم من نقل السيد الخوئي (ره) عن أستاذه النائيني (ره) أن الاشتغال بأسانيد الكافي حرفة العاجز. وبعضهم من باب أنها ظنية الصدور وعمل به تعبدا، وبعضهم عند الوثوق فلا داعي للكذب، فالمباني في كيفية الاخذ بالخبر تختلف فأين الاجماع العملي من الفقهاء على وجوب العمل بخبر الواحد الظني تعبدا؟

فلا نستطيع أن نقول بأن عمل كل الفقهاء بهذه الأخبار على نسق واحد وهو من باب العمل بحجيّة خبر الواحد. لذلك هذا الاجماع العلمائي، السيرة العلمائية غير تام.

- الوجه الخامس وهو سيرة المتشرعة، من أصحاب النبي (ص) والمعصومين (ع) والتابعين لهم، من الفقهاء وغيرهم إلى زمننا هذا، وإن لم يكن قابلا للإنكار، لكن نقول ان هذا الاجماع مسّلم لكنه -بالمعنى الاصطلاحي- اتفاق وليس اجماعا، والفرق بينهما في الاصطلاح الغالب ان الاتفاق هو توافق على أمر أو حكم شرعي، اما الاجماع هو الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم (ع)، وفي دروس سابقة قلنا ان هناك مراتب وفرق بين "بلا خلاف" و "اتفاقا" و "تسالما" و "بالضرورة" و "بالبديهة" و "بالضرورة الفقهيّة" إلى آخره، لكن قلنا ان مشكلة الفقهاء لم يصلوا إلى اصطلاح دقيق بينهم، بحيث يلتزمون به في اقوالهم وكتاباتهم، نعم هذه الاصطلاحات نشأت من الوضع التعييني من الاستعمال تباعا، وليس من اجتماعات او اتفاقات، فمثل كلمة بناء العقلاء استعملت في اكثر من معنى، تارة بمعنى حكم العقل، وتارة بمعنى حكم العقلاء، وتارة بمعنى السيرة العقلائيّة، والسيرة تختلف جدا عن حكم العقلاء.

لذلك أقول أن هذا الاتفاق ليس قابلا للإنكار، فإننا نعلم أن هؤلاء خصوصا من كان لقاؤه مع الامام (ع) صعبا، كما ورد في السؤال عن يونس أ هو ثقة آخذ عنه معالم ديني، فمن كان بعيد الشقة عن الامام المعصوم كان يعمل بالأخبار والوسطاء، ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [1] وخصوصا في تلك الايام كان هناك التقيّة، مثلا عبد الله بن مسكان من أصحاب الامام الصادق (ع) الخلّص الكبار الاجلاء ومن أصحاب الاجماع وكان من الأثرياء، له ثلاث روايات فقط يرويها مباشرة عن الامام (ع)، اتقاء من السلطة العباسيّة، واتقاء من عيونها، لانهم أصحاب الأموال والقوّة، لذلك كان تقيّة لا يلتقي بالإمام (ع). فأحيانا لا تستطيع ان تصل إلى المنبع اما للتقية أو لبعد المسافة بحيث يحتاج إلى سفر في الوصول إليه، أو غيرهم من أصحاب الاعذار في عدم الوصول إليه، هؤلاء جميعا كانوا يعرفون الأخبار والأحكام بطريق غير مباشر، بواسطة المخبرين، وهذا كلّه ظاهر، وقد وردت فيه روايات عديدة.

إذن اتفاق المتشرّعة مسلّم لكنه ليس اجماعا بل اتفاق.

وفيه: ان هذا العمل يحتمل فيه أمران:

     إما أن يكشف عن جعل شرعي لحجية الأخبار.

     وإما أنه مستند إلى ما عند الناس، وهو كاشف عن السيرة العقلائية والعقلاء يعملون بذلك. والظاهر هو الثاني وهو الأرجح حتى لو لم يكن قطعيا ومعلوما.

فان عمل المتشرعة ليس لانهم متشرعة بل لانهم عقلاء، فمثلا العرق الخاص يقتضي لباسا معينا أحيانا فيلبسه المعصومون (ع) كبعض افراد هذا العرف الخاص، ولا يلبسونه من انهم متشرعة، فالنبي محمد (ص) أحد أفراد العرف الخاص هو احد افراد أهل مكّة والمدينة، فيلبس مثلهم، فلا يجب اتباعه في لباسه ولا يدل على استحباب ولا على وجوب. واحيانا يكون فعله كمتشرّع، فلو شككنا ان فعله او لباسه بما انه متشرّع كلبس العمامة، التي قال بعض الفقهاء ان لبسها مستحب بذاته، او ان لبسها كعرف كان عند الناس؟ فمن أي البابين كان لبسه (ع)؟

ومثال آخر: لو شككنا ان المتشرعة يفعلون ذلك كحلق اللحية، فهل اطلاق اللحية لانهم متشرعة متدينون او لانهم كانوا جزءا من البيئة في زمنهم؟. فلو شككنا فالأصل ما هو؟

فهي فرع مسألة: لو شككنا في أمر أنه إرشادي إلى حكم عقلي أو تأسيسي لجعل شرعي فما هو الأصل؟

مثلا: الكذب قبيح عقلا، ووردت أيضا روايات بالتحريم. هل الكذب صار محرما من باب الروايات أو من باب القبح العقلي؟

فالمسألة مبنائية، وتظهر الثمرة عند الشك، إذا شككنا ان نوعا ما من الكذب حلال أو حرام؟

مثلا المضمون في الضمان الاجتماعي في بلادنا يجري معاملات لشخص آخر على ضمانه كذبا، او ان الطبيب يفيد بان الشخص مريض كذبا لداعي خدمته في أمر ما، والامثلة كثير.

إذا قلنا أن الكذب محرّم من باب الروايات والنصوص المطلقة، عند الشك نرجع إلى الاطلاق الذي يؤدي إلى ان هذا النوع من الكذب المشكوك حراما.

وإذا كان الكذب محرما من باب القبح العقلائي الذي يؤدي إلى تحريم، فنقتصر على القدر المتيقّن، والمشكوك حينئذ يكون مورد اصالة البراءة. لذلك يجب أن نعود لأصل الدليل.

الثمرة من بحث ادلة الحجية: قلنا ان خبر الواحد حجّة اجمالا ولا شك في ذلك، فقد يقال: إذا كان الأمر كذلك فلماذا نبحث عن ادلّة الحجيّة؟

فانه يقال: اننا نبحث عن سبب الحجيّة أو الدليل، أولا: كبحث علمي، ثانيا: حتى نرجع إلى المستند عن الشك. فلو شككنا ان خبر الواحد في العقائديات نرجع إلى المستند. فعند الشكوك ينفع الأساس والجذر.

ونعود إلى مسألتنا: فهل الأصل التأسيس او الارشاد؟

بعضهم يقول ان الأصل هو التأسيس لانه من شأن الشارع، لكن الظاهر عندي أن الأصل الإرشادية، أو عدم التأسيس والجعل، الذي يشمل الارشاد والكشف، والاستعمال، لأن التأسيس بحاجة إلى داع لذلك، ومع وجود الحكم عند العقلاء فلا داعي للحكيم لتأسيس حكم آخر يماثله فهو من باب تحصيل الحاصل، هذا بالإضافة إلى أصالة عدم الجعل والتأسيس، وانما عبرت بالاستعمال لان الشارع أحيانا لا يقصد الكشف ما عند الناس، ولا يقصد الامضاء لما عند الناس. نعم احيانا في بعض الفروع هناك امضاء، فكلمة امضاء قد توحي بالجعل، ففرق بين الامضاء والاستعمال، الامضاء تأسيس وكشف عن ملاك جعلي.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo