< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/06/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد بالإجماع:

 

     بيان الوجه الأول وهو الاجماع المنقول، والاشكال عليه.

     بيان الوجه الثاني وهو الاجماع المدركي، والاشكال عليه.

     بيان الوجه الثالث وهو الاجماع التقديري، والاشكال عليه.

 

لقد صورنا الاجماع على خمسة أوجه، ثلاثة منها اجماعات لفظية، واثنان اجماعان عمليان.

ونقول: الانصاف أن هذه الوجوه جميعا جديرة بالاهتمام، وهي ثابتة، إلا انها لا تدلّ على جعل لحجية خبر الواحد.

بيانه: اما الوجه الأول: أي الاجماع المنقول خصوصا عن الشيخ الطوسي (ره) نقله باللفظ في كتابه "العدّة"، والشريف المرتضى (ره) أيضا نقل الاجماع على عدم حجية خبر الواحد، وكلاهما متعاصران!!.

أولا الاجماع كإجماع قلنا مرارا أن فيه في النفس شيء لانه لم يثبت دليل واضح معتبر على حجيّته، وكما قال الشيخ الانصاري (ره): "هم أصل له وهو أصل لهم"، فالاتفاق على رأي لا يجعل الاجماع دليلا، لأجل توجيه حجية الاجماع قالوا انه يكشف عن رأي المعصوم (ع)، ثم اختلفوا في كيفية الكشف منهم من قال بقاعدة اللطف، ومنهم من قال بغيرها، وهكذا.

لذلك أصل الإجماع حتى المحصّل هناك اشكال في حجيّته، فما بالك بالإجماع المنقول؟

وحجية الاجماع المنقول انما تكون لكونه من افراد خبر الواحد، فكيف استدل على حجية خبر الواحد بخبر الواحد؟ فهذا دور. فإذا كان حجية الخبر اول الكلام فإذن خبر الشيخ الطوسي (ره) أول الكلام، نعم نقله صحيح في حجية الخبر الواحد.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فان الاجماع المنقول لو تمّ فلا يدل على الكشف عن رأي الامام (ع) إلا في حالة واحد وهي إذا كان الناقل والمنقول إليه على نفس المبنى، مثلا: إذا كان كلاهما يبنيان على ان كشف الاجماع عن رأي المعصوم على قاعدة اللطف ويكفي في الكشف حينئذ الاتفاق عن أهل عصر واحد. ولكن الاستدلال بقاعدة اللطف في أيامنا هذه قلّ من يستدل بها ويقول بان الاجماع يكشف عن رأي المعصوم بقاعدة اللطف، إذن بالنسبة لنا لا ينفع بشيء، نعم ينفع بشيء واحد وهو انه يدل على اتفاق مجموعة من العلماء في عصر واحد على حكم واحد، أي في احد العصور الطائفة أجمعت على حجية خبر الواحد، أي قسم من العلماء اجمع، وهذا لا يكفي عند المعظم، نعم يمكن ان نكمله بقسم آخر بحيث يؤدي المجموع إلى اطمئنان وكشف عن رأي المعصوم.

وهذا الكلام بالنسبة إلى من يقول بحجية الاجماع بالجملة، اما بالنسبة لنا فقد وصلنا من الناحية النظرية إلى ان الاجماع ليس حجّة، لكن من الناحية العمليّة ومن حيث الاستنباط من الصعب مخالفة الاجماع، وكيف من لا يقول بحجية الاجماع من أساسه كالشيخ الانصاري (ره) الذي ذكر في رسائله في بداية بحث الاجماع "انهم هم اصل له وهو اصل له" ثم حاول في نهاية كلامه ان يثبت حجية الاجماع واعتقد انه سبب المحاولة هو وجودنا في بحر واسع وليس من السهل ان نخرج منه.

وأما الوجه الثاني: وهو الاجماع المدركي، فإن اجماع العلماء قد يكون مدركه الآيات أو غيرها من الأدلّة، فنعود حينئذ إلى المدرك، ولا يكون الاجماع المدركي حجّة. لكن أحيانا إذا حصل الاطمئنان من خلاله برأي المعصوم (ع) تصبح المسألة شخصيّة كما نقل السيد الخوئي (ره) عن بعض الاساطين المتأخرين أنه يقطع بالحكم من اتفاق ثلاثة من العلماء وهم: الشيخ الانصاري والسيد الشيرازي الكبير والميرزا محمد تقي الشيرازي (رحمهم الله)، هذا يكشف عنده عن رأي المعصوم قطعا. هذا نوع من القناعة الشخصية والحدس الشخصي لديه، وهو ليس حجة علينا.

وأما الوجه الثالث: وهو الاجماع التقديري، بتعبيرنا وذلك لتوضيح الفكرة، أي أن القول بحجية الخبر هو على تقدير انسداد باب العلم فنرجع للأخبار، مثلا لعلّ باب العلم عند الشريف المرتضى (ره) كان مفتوحا باعتبار قربه نسبيا من عصر المعصوم، فلماذا نذهب للظنيات كخبر الواحد؟ فلعل الشريف المرتضى (ره) لو كان في زمننا الذي انسد فيه باب العلم بالأحكام الفرعيّة لقال بحجية خبر الواحد.

وهذا سميناه الاجماع التقديري فعلى تقدير انسداد باب العلم فلا بد للفقهاء والعلماء ان يقولوا بحجيّة الخبر.

وبالتالي اصبح من باب دليل الانسداد الصغير أي يكون ضمن الاخبار، اما دليل الانسداد الكبير يكون في كل الاسباب من الشهرات والاخبار والإجماعات وغيرها.

وملخص الاجماع التقديري: إننا نعلم بوجود تكاليف مطلوب التزامها قطعا، وهي موجودة في ضمن الادلّة الكثيرة بين أيدينا، كالأخبار والإجماعات والشهرات والظنون الأخرى، وهذا العلم الإجمالي بالتكاليف ينحل إلى علم تفصيلي بوجود التكاليف بالأخبار ويكون حجّة عليّ، وشك بدوي في وجودها في غيرها والاصل فيه البراءة لان الشك فيها شك في التكليف.

وللتذكير الشك البدوي لا يكون مقترنا بعلم، اما الشبهة المحصورة فهي شك مقرون بعلم، فيها علم اجمالي بأحد الطرفين وشك بالأطراف بخصوصها.

وكمثال معروف: لو كان عندي عشر شياه ونزا عليها شخص فحرم أكل المنزو عليه، ومع عدم العلم بعددها ووجود القدر المتيقن منها انها ثلاثة بعينها، فيكون عندي علم تفصيلي بهذه الثلاثة، وفي السبعة الباقية شك بدوي، فانحل العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي بالثلاثة ويكون حجّة عليّ في حرمتها وهو منجز، وشك بدوي في الباقي، فتأتي احكام العلم التفصيلي واحكام الشك البدوي وفيه كل شيء لك حلال.

وفي بحثنا نفس الشيء نعلم ان هناك احكاما كثيرة، ونقطع بان هذه الاحكام موجودة في الاخبار، وهل توجد احكام أيضا في غير الاخبار؟

هنا ضمن الاخبار يوجد العلم التفصيلي فهو أن جميع التكاليف نقطع بوجودها ضمن هذه الاخبار التي بين أيدينا.

واما الشك البدوي فهو في الشك في وجود تكاليف أخرى في غير الاخبار، وحينئذ نعمل بالقدر المتيقن، وهو في العلم التفصيلي فتكون حجّة، وتجري البراءة في الشك البدوي، أو اصالة عدم الحجيّة.

وخارج هذه الاخبار في الشهرات والظنون الأخرى هل توجد تكاليف او لا؟

الجواب لا نعلم فيكون من باب الانسداد الصغير.

وفيه أن هذا لو تمّ، أي انحلال العلم الاجمالي:

أولا: هذا يؤدّي إلى وجوب الاحتياط عقلا بالعمل بالأخبار لا بحجية العمل بالأخبار، فيكون العمل بالخبر من باب الوظيفة العمليّة والاصل العملي، لا من باب الكشف التعبدي عن الواقع وكونه أمارة. وشتان ما بين الأصل والامارة.

وثانيا: على تقدير الانسداد، فقد يلتزم به الشريف المرتضى (ره) واتباعه، من باب الظن المطلق كصاحب القوانين القمّي أي دليل الانسداد الكبير، لا من باب حجية الخبر بالخصوص.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo