< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/06/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد من الأخبار:

     نأخذ بالقدر المتيقن من الروايات للقطع بحصوله، وهو حجيّة خبر الثقة العدل.

     من القدر المتيقن ننتقل إلى الاستدلال على حجيّة خبر الثقة أو خبر العدل.

     الاستدلال بالإجماع على حجيّة خبر الواحد، ويمكن تقريره على اشكال:

     1- الاجماع المنقول، 2- الاجماع المدركي، 3- الاجماع التقديري، 4- الاجماع العملي سيرة العلماء، 5- الاجماع العملي سيرة المتشرعة.

 

بعد التذكير بان التواتر الاجمالي مسألة مبنائية في تحققه، ويبتني في تحققه وعدمه على كلا التعريفين بعد ان كان كلاهما مقطوع الصدور.

وكيف نستدل بالروايات نقول: المحقق هنا هو القطع بصدور بعض الاخبار إجمالا، التي قسمناها إلى اربعة طوائف في حجيّة الخبر، وقلنا ان الطائفة الرابعة لا تدل على حجيّة الخبر على نحو الاحتمال، نعم من الثلاثة الباقية نقطع بصدور بعض الاخبار، ودعوى القطع ليست مجازفة، وفي هذه الحالة نأخذ بالقدر المتيقن من مضامينها، وهو خبر الواحد العدل الثقة، لانه احيانا قد يكون ثقة وليس عدلا من قبيل الفطحية والواقفة، أو يكون غير متديّن ويرتكب بعض المحرمات كمخالفته للحقوق العامة للناس الذي هو حرام شرعا، أما من ناحية الكذب فهو لا يكذب، كما يمكن ان يكون عدلا وليس ثقة فيما لو كان كثر السهو والخطأ والاشتباه مثلا.

وقلنا سابقا أن إثبات العدالة الشرعية أسهل بكثير من اثبات الوثاقة، فالعدالة الشرعية تثبت بحسن الظاهر وبقول: "اللهم لا نعلم منه إلا خيرا"، أما الوثاقة عندي فهي أمر وجودي لا تثبت إلا بالتأكد والامتحان والاطمئنان فلا يكفي حسن الظاهر، فالثقة أنما أخَذَ هذا الوصف لشدة التلبس به كالحداد والخشاب واللبان، سمي لكثرة التلبس بالحديد أو الخشب وغير ذلك من الامثلة، فالوثاقة تكشف عن ملكة نكتشفها من خلال الممارسة. في هذه الحالة نأخذ بالقدر المتيقن وهو حجيّة خصوص خبر الثقة العادل الذي يشمل الامامي، لا الثقة فقط لانه ليس متواترا، ولا العادل فقط ايضا لانه ليس متواترا، فالمتواتر هو الاخذ بخبر الثقة العادل، ولا كونه إماميا ثقة غير عادل. [1]

ففي الاحاديث الثلاثة: "خذ باعدلهما" و " افيونس بن عبد الرحمن ثقة نأخذ معالم ديننا عنه" و "لا عذر لاحد فيما يرويه ثقاتنا". فان القاسم المشترك والقدر المتيقّن هو الامامي الثقة العدل، إذ قد يكون الراوي عدلا من دون وثاقة، كما لو كان كثير السهو والخطأ والشك، إذ يكفي في العدالة أننا لا نعلم منه إلا خيرا. وقد يكون الراوي ثقة يرتكب بعض المحرّمات. هذا في العدالة الشرعية اما في العدالة اللغوية فهي تشمل كل الصفات.

ثم إنه من إثبات حجيّة الخبر الصحيح الثقة ننتقل بواسطته إلى اثبات خبر الثقة، فمثلا: الخبر الصحيح: افيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني؟ قال نعم". رواه عدل ثقة، فببركة هذا الخبر اثبت حجيّة خبر كل ثقة، فمن هذا الضيق ننتقل إلى الاوسع فصار كل عدل حجّة وكل ثقة حجّة.

أقول: هذا كلام متين جدا بناءا على ان هذه الروايات في مقام الجعل والتأسيس لحجيّة خبر الواحد.

لكن هذا أول الكلام، وقلنا انه توجد نظرتان: الاولى: ان هذه الروايات والآيات في مقام الجعل والتأسيس فصارت هي الدليل. الثانية: ان هذه الآيات والروايات ليست في مقام الجعل والتأسيس، فالامام يتكلم بما عند الناس، وكذلك الله عز وجل يتكلم بما عند الناس في القرآن والحديث القدسي بالفاظهم، واستعمل ما عندهم، وهذا الاستعمال لا يعني جعلا وتأسيسا.

ولهذا الكلام ثمرة كبيرة في استنباط الكثير من الأحكام، مثلا: عندي الوكالة غير قابلة للعزل صحيحة بناء على هذا المبنى وأن كانوا يقولون بعدم صحة الوكالة للعزل، أنا أستعمل ما هو عند الناس فارجع في كل شرط أو جزء أو مانع أو قاطع أو رافع مشكوك إلى ما عند الناس، ولذا استنبط اصلا لفظيا هو العنوان العام، وقد قلنا انه ليس هناك حقيقة شرعية لا في العبادات ولا في المعاملات، كلها عبارة عن حقائق لغويّة تدخل الشارع في الاجزاء والشرائط. اما النقل فيحتاج إلى دليل، والاصل عدم النقل.

ألا ترى أن الشارع المقدّس إستعمل ما عند العقلاء، ولذا نلاحظ أن حجيّة خبر الثقة كأنه مفروغا عنه بين الناس، لاحظ رواية توثيق يونس السابقة حيث السؤال فيها عن التشخيص وليس عن اصل حجية الثقة، وليس فيها أي جعل.

فلو كانت في مقام الجعل لكان ما ذكره صاحب الكفاية (ره) وغيره متين، إلا أننا نكرر اننا لا نرى أنها واردة في مقام جعل ولا كشف عن تشريع حجيّة خبر الواحد الظني. هي استعمال ما عند الناس تماما كما في قوله تعالى: "الحمد لله رب العالمين" في القرآن الله استعمل ما عند الناس، كيف وضعت كلمة "الحمد" استعملها الشارع، ولذلك عندما اريد ان افهم معنى "الحمد" ان كانت اللام عهدية او لام عموم أو استغراق ارجع إلى فهم الناس، إلى الظهور عند الناس نعم سمّاه الاصوليون امضاء أو كشفا ولكنه في الحقيقة ليس كذلك لان الشارع لم يقصد الامضاء أو الكشف، بل استعمله، وهذا لا يؤدي إلى جعل وتأسيس شرعي.

قلنا ان هذا ثمرته كبيرة في كل المشكوكات فنبني على ما عند الناس إلا ما خرج بدليل.

الدليل الثالث على حجية خبر الواحد الظني الاجماع:

والمراد هنا الاجماع التعبدي، أي الذي يثبت رأي المعصوم (ع) تعبدا، وليس الاتفاق أو التسالم أو عدم الخلاف.

ويمكن تقرير الاجماع المدعى على حجية خبر الواحد بعدة أشكال:

أ- الاجماع المنقول، هو ما نقله الشيخ الطوسي (ره) المذكور في العدّة.

ب- الاجماع المدركي الذي قال به العلماء عدا الشريف المرتضى علم الهدى (ره) واتباعه من نقلهم الاجماع على عدم حجيّة خبر الواحد.

ج- الاجماع القولي التقديري وهو ما يمكن أن يقول به حتى السيد المرتضى (ره) واتباعه، بدعوى أن من قال بعدم حجيّة خبر الواحد كالسيد واتباعه انما ذهب إلى ذلك لاعتقاده انفتاح باب العلم والقطع واليقين بالأحكام الشرعيّة، وذلك لقربه من عصر المعصوم، فلا حاجة لأن يذهب إلى الحجية خبر الواحد، لكن لو كان في زمننا الذي انسد فيه باب العلم لقالوا بحجيّة خبر الواحد جزما. إذن على تقدير انسداد باب العلم وعدم انفتاحه عملنا بخبر الواحد.

د- الاجماع العملي للعلماء أي سيرة العلماء الفقهاء على العمل بالأخبار التي بين أيدينا، ولم يخالف أحد منهم في ذلك، ألا ترى أنه لا يخلو كتاب فقهي من الاستدلال بالأخبار في معظم المسائل الشرعية والأحكام الفقهية.

ه- الاجماع العملي للمتشرعة، أي سيرة المتشرعة والاصحاب والمتدينين على العمل بالأخبار من لدن زمن المعصومين (ع) إلى يومنا هذا.

والانصاف أن هذه الوجوه جميعا جديرة بالاهتمام، وهي ثابتة اجمالا، إلا أنها لا تدلّ على جعل لحجية خبر الواحد.

 


[1] استيضاح احد الطلبة الافاضل: وهو انه مع القطع بصدور بعض الروايات ونقطع بكذب بعض الروايات، ففي الرواية التي نشك في كذبها نبني على صحتها إلا ان يكون هناك دليل على كذبها أو مخالفتها للكتاب، وذلك كالشبهة الغير محصورة.الجواب: ان هذا القياس لا يصح لأن المقتضي غير موجود، فالأصل في الرواية المشكوكة عدم الحجيّة وعدم الصدورر، والصدور هو الذي يحتاج إلى دليل وكذا الحجية، فلا يكفي ان نقول انه لا مانع من صدورها، أو حجيتها بل لا بد من دليل على اثبات ذلك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo