< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/06/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد:

     من الآيات التي استدل بها على حجيّة خبر الواحد آية الذكر، ومورد النزول، وجواب الاستدلال.

     ومن الآيات آية الأذن، مورد النزول.

     الجواب على الاستدلال، وان الآية ليست في مقام تأسيس لحجيّة خبر الواحد.

 

نعود للآية المباركة ومدى دلالتها على حجيّة خبر الواحد، وكيفية الاستدلال بها:

نقول إن وجوب السؤال يدّل على وجوب القبول بالملازمة العقليّة، وإلا لزم كون وجوب السؤال لغوا، وهو نفس الاستدلال بالآية السابقة، وهو استدلال من القدماء أيضا. [1]

وفيه: أولا: إن الآية ليست في مقام بيان تأسيس حجيّة خبر الواحد، لا من قريب ولا من بعيد، بأي من الدلالات الثلاث التأسيسية أو غيرها، سواء كانت من الدلالات المفهوميّة أو البيّنة وغير البيّنة بالمعنى الاعم كدلالة الاقتضاء والتنبيه والاشارة.[2]

ثانيا: إن الآية في مقام بيان وجوب تحصيل العلم، بدليل قوله تعالى في ذيل الآية: ﴿إن كنتم لا تعلمون﴾، وليست في مقام الجعل والتأسيس والتعبد بالخبر.

ثالثا: الآية ليست في مقام الجعل والتشريع، بل إن الله تعالى يدلهم على طرق تحصيل العلم.

ورابعا: لو كان المسؤول عنه هو النبوّة، وهي من أصول الدين، فلا تشمل خبر الواحد، لأن أصول الدين لا تثبت بخبر الواحد الظني، بل تحتاج إلى علم وقطع واطمئنان.

ومن الآيات التي استدل بها آية الأذن، قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [3] مورد النزول: ورد في تفسير علي بن إبراهيم القمي أنها نزلت في عبد الله بن نفيل، فإنه كان يسمع كلام النبيّ (ص) وينقله للمنافقين، حتى أوقف الله نبيّه على هذه النميمة، فقد كان ابن نفيل ينمّ، فأحضره رسول الله (ص) وسأله عنها، فحلف أنه لم يكن شيء من النميمة عليه، فقبل منه النبي (ص) فأخذ هذا الرجل يطعن عليه (ص) ويقول: أنه أذن يقبل كل ما يسمع، أخبره الله أني أنمّ عليه، وأخبرته أني لم أفعل فقبل، فردّ عليه سبحانه بقوله: ﴿قل أذن خير لكم﴾.

كيفيّة الاستدلال: أن الله مدح نبيّه بتصديقه للمؤمنين، وهذا يعني الأخذ بخبر المؤمن ولو كان ظنيا.

وفيه: أولا: لا ملازمة بين إظهار القبول، بل حتى والتصديق، وبين وجوب العمل بمضمون الخبر وهي حجيّة الخبر، لأن المراد من التصديق عدم التكذيب، وليس المراد ترتيب الأثر على ما سمع أي العمل.

وثانيا: أن الآية في بيان أخلاق النبي (ص) العالية جدا وهو تطبيق لقوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [4] .

فلأن من الأخلاق عدم مواجهة الناس وعدم جرح مشاعره بقوله: "إنك كاذب" فإن اللغة الدبلوماسية العالمية وما يتعلمونه حاليا بعضها محرّم وهو النفاق والكذب، ولكن بعضها جيد، فبدل أن تقول لمن يخاطبك: " أنت كاذب" قل له: " إني لا أستطيع تصديقك". ومن الأخلاق عدم جرح الآخرين بكلمات قاسية قد تكون سببا لنفورهم، ومن الأخلاق التغافل ومداراة الناس التي ورد فيها أنها نصف الدين.

وقد ورد في الحديث: " كذب سمعك وبصرك عن أخيك، فإن شهد عندك خمسون قسامة أنه قال قولا، وقال لم أقله فصدّقه وكذّبهم" ومن الواضح أن المراد التغافل لا اعتقاد ما قال، بقرينة كذّب سمعك وبصرك، فإن الرؤية البصرية والسمع يؤديان إلى اليقين، ولا معنى لإعطاء حجيّة واعتبار للخبر مع وجود اليقين والقطع.

ولذا نقول: إن الآية الكريمة دعوة للتسامح. فلا معنى أن تكون الرواية في مقام حجيّة خبر الواحد.

وقد استشهد الشيخ الأنصاري (ره) بأن المراد إظهار تصديقه وعدم تكذيبه باختلاف حرف التعدية بالباء وبالام في قوله تعالى: ﴿يؤمن بالله، ويؤمن للمؤمنين﴾ مما يدل على اختلاف الموضوع والمراد والمعنى من الايمان في المقامين.

وقد أجابه السيد الخوئي (ره): وفيه أن الإيمان بمعنى التصديق القلبي، فإن كان متعلقا بوجوب شيء تكون تعديته

بالباء، كما في قوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ [5] وإن كان متعلّقا بقول شخص كانت تعديته بالام، كما في قوله سبحانه: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ [6] ، وحينئذ تدل التعدية بالإضافة إلى المؤمنين على إرادة تصديق قولهم، فلا شهادة للسياق فيما ذكر.

لا يقال: على هذا، لا يناسب تعديته بالباء في الجملة الأولى، لان المصدّق به فيها هو قوله تعالى واخباره عن نميمة عبد الله بن نفيل على ما تقدّم.

فانه يقال: لما كانت لفظة "الله" علما لذات الواجب المستجمع لجميع صفات الكمال فالتصديق بوجوده مستلزم للتصديق بقوله، فجعل المصدق به ذات الواجب إشارة إلى ان الايمان بوجوده تعالى مستلزم للإيمان بقوله. ولو كانت التعدية باللام كما في الجملة الثانية لم يستفد فها إلا التصديق بقوله فقط. وكيف كان فلا دلالة للآية على حجيّة الخبر. [7]

قلنا أنه لا دليل للآية على حجيّة الخبر ولا نستفيد حتى بدلالة الإشارة، البين بالمعنى الأعم أو غير البيّن. [8]

إلى هنا نكون قد انتهينا من الاستدلال بالآيات، وسنبحث الاستدلال بالأخبار.

 


[1] تذكير: ان كتاب "المعالم" هو كتاب يجمع القديم في علم الأصول في مقدمته الأصولية التي بيّن فيها آراءه الأصولية في مختلف المسائل وبنى عليه الفقه (ره).
[2] استطراد: هناك مسألة مهمّة لم تبيّن جيدا في علم الأصول وهي الفرق بين التأسيس والاستعمال ذكرناها سابقا في مباحث الالفاظ، الشارع او المشرع عندما يستعمل الالفاظ العربيّة انما يستعمل ما هو عند الناس، كاستعمال لفظ البيع والنكاح وغير ذلك وليس له حقيقة لغويّة. فعندما نقول ان الآية تدل على حجيّة خبر الواحد هذا تأسيس للحجيّة وجعل، لكن هنا ليس هناك أي تأسيس وجعل، بل هو استعمال ما عند عامة البشر وما عند الناس، سواء كانت لفظية أو مادية أو أمور اعتبارية أو انتزاعيّة. وقلنا مرارا ان علم الأصول سهل وصعب موجود عند الناس في حياتهم، فالشارع المقدس عندما استعمل ما عند الناس من الالفاظ والمعاني لم يؤسس شيئا جديدا، وقد عبّر الاصوليون عن هذا الاستعمال انه كاشف عن الاعتبار والحجيّة. ولهذا التفريق ثمرة كبيرة في علم الأصول، وملخصها اننا عندما نشك في أمر ما هل نرجع إلى ما عند الناس أو إلى اطلاق الروايات؟، لذلك انا في باب التعارض إذا قلنا ان حجيّة خبر الواحد ان الشارع استعمل ما عند الناس، فاننا نرجع لهم أيضا عند التعارض مثلا انهم يعملون بأفقههما وبأوثقهما او بالمشهور، الناس يعملون بالأرجح، فإذن المرجحات الموجودة في الروايات تطبيق لما عند الناس وليس هناك شيء مجعول وتأسيس جديد، وخصوصا في المعاملات.
[8] تذكيرا بما سبق: وقلنا سابقا أن الفرق بين المفاهيم والدلالات الأخرى، أنه في مفهوم الشرط والوصف وغيرها هي مدلولة بالدلالة الالتزامية بالمعنى الأخص، أما الدلالات الأخرى كالاقتضاء والتنبيه والاشارة أو الدلالات الغير بيّنة هي مدلولة بالدلالة الالتزامية بالمعنى الاعم، ويمكن أن يستفاد منها باللازم العقلي أو للازم الشرعي بحيث تكون حجّة حتى لو دلّت باللوازم كما في دلالة الإشارة الدالة باللزوم الغير بيّنة كليا كما في قوله تعالى: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً﴾ و ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ بالجمع بين الآيتين المختلفتين يكون اقل الحمل ستة اشهر كما هو مروي، هذه دلالة اشارة دلالة التزاميّة غير بيّنة إلا باعمال الفكر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo