< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد:

 

     من الآيات التي استدل بها على حجيّة خبر الواحد آية الكتمان.

     مورد النزول.

     كيفية الاستدلال، وجوابه.

     من الآيات التي استدلوا بها على حجيّة خبر الواحد آية الذكر.

     مورد نزولها والمراد منها.

     كيفية الاستدلال، وهو كما في آية الكتمان: وجواب السؤال يلزمه وجوب القبول.

 

ومن الآيات التي استدل بها على حجيّة خبر الواحد آية الكتمان:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ﴾ [1]

مورد نزول الآية:

في تفسير مجمع البيان للطبرسي: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون). النزول: المعني بالآية اليهود والنصارى، مثل كعب بن الأشرف وكعب بن أسد وابن صوريا وزيد بن التابوه، وغيرهم من علماء النصارى، الذين كتموا أمر محمد ونبوته، وهم يجدونه مكتوبا في التوراة والإنجيل مثبتا فيهما، عن ابن عباس ومجاهد والحسن قتادة وأكثر أهل العلم.

وقيل: إنه متناول لكل من كتم ما أنزل الله، وهو اختيار البلخي، وهو الأقوى لأنه أعم فيدخل فيه أولئك، وغيرهم. [2]

فمورد النزول لا يخصص الوارد فهي أعم.

وفي تفسير الميزان: في تفسير العياشي: عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام قال: قلت له: أخبرني عن قول الله عز وجل: إن الذين يكتمون الآية، قال: نحن نعنى بها – والله المستعان- إن الواحد منا إذا صارت إليه لم يكن له أو لم يسعه إلا أن يبين للناس من يكون بعده. وعن الباقر عليه السلام: في الآية، قال: يعني بذلك نحن، والله المستعان.

وعن محمد بن مسلم قال عليه السلام: هم أهل الكتاب.

وفي بعض الروايات عن علي عليه السلام: تفسيره بالعلماء إذا فسدوا.

وفي المجمع عن النبي في الآية، قال: من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجم يوم القيمة بلجام من نار، وهو قوله: أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون. [3]

وفي تفسير السيوطي: روى جلال الدين السيوطي عن ابن عباس، أن عددا من المسلمين أمثال "معاذ بن جبل" و "سعد بن معاذ" و "خارجة بن زيد" سألوا أحبار اليهود عن مسائل في التوراة قد ترتبط بظهور النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأبى الأحبار أن يجيبوا وكتموا ما عندهم من علم. [4]

أقول: كل هذه الروايات مخدوشة السند، فنرجع إلى ظهور الآية، الذي يظهر كتمان الحق مما انزل الله، ولا مانع في كون ما ذكر تطبيقا لهذا الكلّي الظاهر.

وكيفية الاستدلال بها: إن حرمة الكتمان يلزمها ان يعمل بها، وهو قبول خبر المخبر، وإلا كانت لغوا.

ولذا حكموا بحجيّة اخبار المرأة عن كونها حاملا تمسكا بقوله تعالى: ﴿وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾[5] ، فلو لم يكن قبول خبرها واجبا يصبح كلامها لغوا محضا. وهذا معنى حجية الخبر المظنون.

أذن الاستدلال بالآية هو بالدلالة الالتزامية.

وفيه: انه من المحتمل ان يكون المراد هو تحصيل العلم باخبار جماعة، فان العموم في " الذين يكتمون" استغراقي، أي المطلوب ان يخبر كل شخص بما تبيّن له انه الحق، فيتكوّن من مجموعة الاخبارات ما يؤدي إلى العلم، فلا تكون الآية آمرة بالتعبد بخبر الواحد الظنّي، فهنا الدليل بالأخذ بالعلم.

وبهذا يفترق الأمر عن إخبار الحبلى، فإن الحبلى شخص واحد وخبرها خبر واحد، لا يؤدي إلى القطع بل إلى الظن.

ويدلّ على أن الغرض من حرمة الكتمان في الآية هو حصول العلم من تراكم الشهادات والبينات، أن مورد الآية هو نبوة نبينا محمد (ص)، والنبوة من أصول الدين، ولا شك أن أصول الدين لا تثبت بخبر الواحد.

فلو كانت الآية واردة مورد حجيّة خبر الواحد لخرج المورد عن المقام، وخروج المورد عن الوارد أمر قبيح. وذكرنا انه لا يخرج عنه ايضا فلا استطيع أن أقول: "اكرم العلماء" واطبقها على زيد غير العالم. ومع الاحتمال يبطل الاستدلال.

من الآيات التي استدلوا بها: آية الذكر: يقول تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بالبينات والزبر﴾ [6]

الفرق بين الذِكر والذُكر: الذُكر من التذكر، والذِكر من القول والتلفظ، ولذا الظاهر أن المراد من الذِكر هم أهل العلم، نظرا إلى أن الذِكر هو السبب المؤدي إلى العلم، فحسن أن يقع موقعه، هذا من جهة اللغة.

اختلفت الروايات والتفاسير في تشخيص هذا الكلّي، فقيل ان المراد بأهل الذكر هم أهل الكتاب كما عن ابن عباس ومجاهد، أي فاسألوا أهل التوراة والانجيل.

وفيه: أن هؤلاء سيهدونهم إلى دينهم، فلا معنى لتحويلهم إليهم، كما ورد في بعض الروايات.

وقيل: إن المراد هم أهل القرآن.

وفيه: أنه لا معنى لتحويل الكفار إلى أهل القرآن فهم يكفرون به وبمحمد (ص).

وقيل: هم محمد (ص) وأهله وهم أهل بينه، كما هو مروي في الكافي باسناده عن عبد الرحمن بن كثير. وفي قوله تعالى: "ذكرا رسولا" وانه الذكر هنا رسول الله (ص).

وفيه: أنه قد نزلت آية أخرى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ [7] فكيف يكون محمد (ص) ذكر لنفسه فالوارد هو القرآن الكريم وليس الرسول (ص).

والذي أراه: أن المراد هو المعنى اللغوي، بمعنى اسألوا من إذا سألتموهم يدلونكم إن كنتم لا تعلمون، وهو التعبير القرآني، ويختلف التشخيص بحسب المسؤول عنه، فإذا كان السؤال عن الاحكام فاسألوا الفقهاء وهم أهل البيت (ع)، وإذا كان السؤال عن النبوّة واوصافها في الكتب السماوية فاسألوا من تعتقدون أنهم يعلمون، فعوام اليهود يسألون أحبارهم، وليرجعوا إلى التوراة.

فالمعنى اللغوي ظاهر وواضح في كل من هم أهل العلم، فالمعنى واحد وتطبيقه متعدد، والتخصيص يحتاج إلى دليل.

ونعود للآية المباركة ومدى دلالتها على حجيّة خبر الواحد، وكيفية الاستدلال لها:

إن وجوب السؤال يدّل على وجوب القبول بالملازمة، وإلا لزم كون وجوب السؤال لغوا، وهو نفس الاستدلال بالآية السابقة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo