< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/06/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد:

 

     الإيرادات على آية النفر بناء على كونه دليلا على حجيّة خبر الواحد.

     الايراد الأول: الإنذار وظيفة الواعظ والمفتي دون الراوي، وجوابه.

     الردّ على الجواب.

     الايراد الثاني: الحذر المأمور به ليس مطلقا لانه ليس ملحوظا، فلا تتمّ مقدمات الحكمة، فيقتصر حينئذ على القدر المتيقّن وهو حجيّة الخبر المفيد للعلم دون غيره.

     جوابه بان الحذر مطلق أيضا، لان المترتب على الشيء يترتب عليه قيوده أيضا، فإذا كان مطلقا فكذلك يكون الأثر مطلقا.

 

نلاحظ ان الاستدلال بآية النفر فيه ترتبيات، يدور حول ثبوت وجوب الحذر لثبوت وجوب الانذار، ووجوب الانذار يثبت لوجوب التفقه، وثبوت وجوب التفقّه ثابت لوجوب النفر. هناك عدّة مترتبات على عدّة أمور.

وفي هذا الاستدلال نظر سنبيّنه لاحقا.

لكن، رغم أن الاستدلال بالآية أوضح منه في بقيّة الآيات كآية النبأ وآية الكتمان، إذا قلنا ان الدليل على حجيّة خبر الواحد هو النص القرآني، فافضل آية للدلالة على ذلك هي آية النفر بناء على المقدمات الخمسة التي ذكرناها وأهمها أن تكون واردة مورد التشريع وجعل الحجيّة، ومع ذلك وردت عدّة إيرادات على ذلك، نورد بعضها، ومن أراد التوسع فعليه بالتقريرات المطوّلة.

الايراد الأول: إن الانذار وظيفة الواعظ والمفتي لا وظيفة الناقل والراوي، إذ أن الواعظ قد ينذر مباشرة، كما لو قال: "عباد الله أتقوا الله"، وكقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾[1] ، وقد ينذر باللوازم كما لو قال: "الخمر والكذب حرام"، وقال: "عدم الالتزام بما فيه مصالح الناس حرام"، الذي يلزمه عقلا العقاب.

أما الراوي فلا يلزم من روايته الانذار، فقد يروي ما فيه الانذار مباشرة أم غير مباشرة، وقد لا يروي ذلك بأن نقل رواية بلفظها قد لا يفهم معناها ومع ذلك إذا كان ثقة فيكون نقله حجّة، وقد يكون مضمونها غير إنذاري، فالنقل شيء والانذار شيء آخر، وقد ورد في الحديث: "رب حامل فقه غير فقيه"، وبالتالي فرق بين الرواية وبين الوعظ والافتاء، فلا تدلّ الآية على حجيّة خبر الواحد.

أجاب بعضهم على هذا الإيراد كالسيد الخوئي (ره) قال: "بعدم الفصل بين الروايات وفي حجيّة الرواية بين ما كان مضمونها فيه إنذار وبين ما لم يكن فيه انذار. أي لا فصل في حجيّة الرواية بحسب المضامين إذا كان مضمونها انذاريا مباشرة أو غير مباشرة، باللازم أو غير اللازم، بالواسطة أو غير الواسطة، فلا صحة للفصل بان يقال: إذا كان مضمون الرواية انذاريا يكون حجة، وإذا لم يكن انذاريا لا يكون حجّة. عدم الفصل هذا بعضهم قطع به، فبنظره الرواية رواية، والحجّة حجّة، والثقة ثقة، والوثاقة وثاقة، والاطمئنان اطمئنان، فلا فرق. إذا ثبتت حجيّة الرواية في خصوص الرواية التي فيها انذار ايضا تثبت في الرواية التي لا انذار فيها لعدم الفصل.

نقول: لكن الانصاف أن الفصل ممكن، إذ لا مانع للشارع من أن يعتبر الخبر الظني حجّة في خصوص ما فيه إنذار دون غيره، فالقول بالفصل ممكن، لذلك فصلوا بين ما كان مضمونها شرعيا وما كان غير شرعي. فالحجيّة امر اعتباري لذا استطيع ان اقول: ان الرواية ان كان مضمونها شرعيا فهي حجّة دون غيرها، فان ذلك يرجع إلى اعتبار المعتبر.

الاعتبار مسألة شخصيّة يستطيع المعتبر ان يفصّل كما يريد مثلا: "خبر الواحد حجّة في خصوص الانذار" ولا اشكال في ذلك. فالقول بعدم الفصل جزما لا نسلّم به.

نعم يستدرك السيد الخوئي (ره) بقوله: "هذا - أي القول بعدم الفصل- على تقدير كون الآية نازلة في مقام التشريع وجعل الحجيّة للخبر. وأما بناء على كونها كاشفة عن حجية الخبر السابقة على نزول الآية - أي ليست في مقام الجعل التشريع-، وأنها سبقت على نحو تكون الحجيّة مفروغا عنها قبل نزولها، كما هو الظاهر، فلا نحتاج إلى التمسك بعدم القول بالفصل، إذ الآية على هذا التقدير كاشفة عن حجيّة الخبر على الاطلاق".

فعند العقلاء الخبر حجّة مطلقا، سواء كان مضمونه شرعيا أم غير شرعي، مسألة عقائديّة أو غير عقائدية، وسواء كانت في الموضوعات أو في الاحكام، لان خبر الواحد عند العقلاء حجّة في الموضوعات، فلا يفرق العقلاء في الخبر، بين افراده بحسب المتعلّق، فالخبر حجّة عند الناس، لكن لا مانع للشارع ان يتدخل في تفاصيل الحجيّة. فإذن حجيّة الخبر سابقة على نزول الآية، فالآية لا علاقة لها، فلا نحتاج إلى عدم القول بالفصل، وانما نحتاج للقول بالفصل لو كانت الآية في مقام الجعل والتشريع، وهي ليست كذلك.

ولعمري إنه كلام متين، إذ ان المرحلة الاولى التي ينبغي أن يحقق فيها هي: هل الآية نزلت في مقام التشريع، أو نزلت في مقام الكشف عن واقع خارجي أقرّه الشارع وعمل به واستعمله؟.

ولهذه المسألة ثمرة كبيرة، ومن ثمارها ذهبنا اليه في باب التعارض فقد اخترنا الترجيح العقلائي، النظر لما عليه العقلاء، إذ النص القرآني والروايات كلها تطبيق للواقع الخارجي. فإذا كان المرجع هو العقلاء وهم يعملون بذلك نرجع اليهم في الفروع، وكذلك الامر هنا في مسألتنا.

الإيراد الثاني: إن الحذر الموجود في الآية هو فائدة من فوائد الانذار، وليس مقصودا بذاته من الآية، بل المقصود هو الانذار فإذا تمّت مقدمات الحكمة في الانذار لانه في مقام بيان، فانها لا تتم في وجوب الحذر، لانه ليس في مقام بيان وجوب الحذر، فلا يتمّ الاطلاق في الحذر، فنقتصر في الحذر حينئذ عند الاجمال على القدر المتيقّن منه، وهو الحذر في خصوص حصول العلم من الخبر، فلا تشمل مقامنا وهو حجية الخبر الظنيّ. فتكون الآية دليلا على الحذر عند العلم فقط، ويكون الخبر حجّة إذا افاد العلم والقطع، اما في مسألتنا فالخبر ظني فلا ينفعنا فلا يجب الحذر.

وفيه: أن الأصل إذا شككنا ان الشارع في مقام البيان أو في مقام الاهمال، الاصل في بيانات الشارع هو أن يكون في مقام البيان، مطلقا ايضا وهو الحذر. وقلنا اننا نفرق بين المولى العادي والشارع المقدّس، فالشارع شأنه التشريع، والاصل ان يكون في مقام البيان ويريد بيان تمام المراد، إذ ليس من الحكمة عدم بيان تمتم المراد وتمام ما يؤدي الغرض من دون قرينة على غير ذلك من الإهمال والاجمال، فهو رأس الحكماء، ولا حق له ان يطالب بشيء لم يبيّنه فلا أكون مسؤولا. وعليه فلما كان الحذر مترتبا على الانذار، فإذا كان الانذار مطلقا فالحذر مطلق، وما ترتب على شيء يأخذ حكمه وشروطه، فيكون الحذر في مقام بيان يعني تمّت مقدمات الحكمة، فصار الحذر كالانذار فيشمل عند حصول العلم وعند الظن، ولا نقتصر حينئذ على خصوص حصول العلم فتكون دليلا على حجّة خبر الواحد.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo