< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/06/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد:

 

     موجز يربط الدرس السابق بالتالي.

     اشكالان على اصل حجيّة خبر الواحد.

     الأول: اشكال الاجماع المنقول عن السيد المرتضى (ره)، وهو خبر واحد. فيلزم ثبوت الاجماع على عدم الحجيّة، فيلزم من ثبوت الحجية عدمها.

     مختص بتعدد الوسائط، فان الواسطة في النقل ليست أثرا شرعيا ولا موضوعا لأثر شرعي.

 

إذن الحكومة حالة ادعائية وإن كان الأنسب بلحاظ قدسية الشارع ان اقول: حالة اعتبارية. لكن لتسهيل فهم المعنى على الطالب استعملنا لفظ الادعاء، فمثلا: "الطواف صلاة" قطعا الطواف ليس صلاة لكن ادعاءا وسعنا المفهوم. والاشكالات التي ذكرناها على الآية انها ليست حكومة بل تخصيص، لان الانتقال كان من الأثر إلى الموضوع وهذا ليس بحكومة، واجيب عنه بان المهم النتيجة فتوسيع الموضوع حاصل، واجبنا ان ليس كل اثر يؤدي إلى ادعاء وتدخل في مفهوم الموضوع.

فلو قلت لك: زيد شجاع، فهلا يعني ذلك اني وسّعت مفهوم الأسد ادعاء ليشمل الرجل الشجاع؟ بالطبع لا، فليس إعطاء صفة لشخص معناه اني وسعت المفهوم الآخر ليشمل هذا الشخص، أيضا فلو قلت انه يشترط في الطواف الطهارة الحدثية، هذا لا يعني ان كل طواف اصبح صلاة لانه يشترط فيها الطهارة الحدثية. فان التوسيع او التضييق أي الحكومة ادعاء واعتبار يحتاج إلى دليل خاص.

وقد وردت استدلالات عديدة بأنحاء مختلفة على كيفية دلالة الآية الكريمة على حجيّة خبر الواحد، وإيرادات عديدة أيضا سيأخذ بيانها منا وقتا واسعا نحن في اشدّ الحاجة إليه، فمن أراد الاطلاع عليها فليراجعها في مظانها فإننا لا نذهب إلى حجية خبر الواحد بدليل الآيات أو النصوص، بل بدليل السيرة العقلائية التي اقرّها الشارع وعمل بها كما سنرى لاحقا.

إشكالات على حجيّة خبر الواحد.

استشكل على القول بحجيّة خبر الواحد بإشكالين بغضّ النظر عن الدليل كالآيات والنصوص، أي هذان الاشكالان متوجهان إلى اصل الحجيّة سواء كان دليلها آية النبأ أو النفر أو الكتمان أو الحديث أو الاجماع أو السيرة العقلائية أو غيرها بعد الانتهاء من القول بالحجيّة والادلّة.

الاشكال الأول: إن القول بالحجيّة يلزمه عدمه. فإن السيد المرتضى (ره) نقل الاجماع على عدم حجيّة خبر الواحد، فإذا كان خبر الواحد حجّة ومنه خبر السيد (ره) لزم ثبوت الاجماع على عدم الحجيّة.

فيكون دليل الحجيّة مما يلزم من ثبوته عدمه. فالسيد (ره) نقل الاجماع على عدم الحجية والاجماع حجّة، فان نقله من باب الرواية أي هو خبر واحد، والنقل حجّة، هذا النقل صار حجّة فإذن ثبت الاجماع على عدم حجيّة خبر الواحد بحجيّة خبر الواحد.

الاشكال الثاني: وهو خاص بالروايات التي فيها وسائط متعددة بين الراوي والمعصوم (ع)، فمثلا: الكليني محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن ابيه، عن ابن ابي عمير، عن جميل بن دراج، عن الصادق (ع). لان حجيّة الخبر خاصّ بما كان مضمونه حكما شرعيا أو ذا أثر شرعي وليس مطلقا، وهذا هو شأن الشارع، مثلا: جاء الخبر بنجاسة الدم أو موضوعا لأثر شرعي كعلامات البلوغ الذي هو موضوع لثبوت التكاليف.

وهل تثبت الآثار الغير الشرعيّة بخر الواحد الثقة؟ مثلا وجود روايات أعمار الأنبياء وبعض الاصحاب، هذه ليست موضوعة لأثر شرعي ولا لها أثر شرعي، اثرها تاريخي فقط، مجرّد نقل تواريخ، فهل خبر الواحد حجّة فيها أو لا؟

إذن اعتبار الخبر الذي لا أثر شرعي له لغو من الشارع وخلاف الحكمة، فنقل الخبر بالواسطة كما في نقل الكليني محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، نقل محمد بن يعقوب هذا الخبر ثبوته وجداني، لكن ثبوت النقل عن علي بن إبراهيم يحتاج إلى حجيّة خبر الواحد لان حجيته اعتبارية وليست وجدانية. هذا النقل كنقل ليس حكما شرعيا ولا له أثر شرعي، وليس موضوعا لحكم ولأثر شرعي. فإذن كل ما كان مخبرا عنه بالوسائط كله انتفت شرعيته واعتباره حتى لو قلنا بحجية خبر الواحد. هذا الاشكال الأخير معناه الغاء اعتبار معظم الاخبار.

هذان الاشكالان يردان على حجية خبر الواحد من اصله، فهما كان دليل الحجيّة والاعتبار وتركت الإجابة عليهما لأخر البحث ان شاء الله.

الدليل الثاني آية النفر: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون﴾ [1]

الاستدلال: هؤلاء الذين نفروا للتفقه في الدين اشخاص سيرجعون ليخبروا قومهم، فإذن خذوا باخبارهم، وهذا يعنى ان خبر الواحد حجّة.

لكن هذه الآية ليست في وارد الاستدلال على حجّة خبر الواحد، سنذكر الاستدلال وايراد على الاستدلال لوجود الثمرات العلميّة المفيدة وان كانت جانبيّة.

مورد النزول الذي يعين في فهم المراد من الآية، عن مجمع البيان للطبرسي:

قيل: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خرج غازيا، لم يتخلف عنه إلا المنافقون والمعذرون. فلما أنزل الله تعالى عيوب المنافقين، وبين نفاقهم في غزاة تبوك، قال المؤمنون: والله لا نتخلف عن غزاة يغزوها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا سرية أبدا! [2] فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسرايا إلى الغزو، نفر المسلمون جميعا، وتركوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! وحده، فأنزل الله سبحانه (وما كان المؤمنون لينفروا) الآية، عن ابن عباس، في رواية الكلبي. [3]

استدلوا بهذه الآية على حجيّة خبر الواحد، بل السيد الخوئي (ره) يقول بل ظهورها في حجيّة خبر الواحد اظهر من آية النبأ.


[2] فائدة: ذكرنا سابقا انه ليس هناك في كل معارك الرسول (ص) أيّ غزو هجومي، اغلبها غزو دفاعي، مثلا: نمي لرسول الله (ص) أن بني المصطلق يجمعون الجموع لغزو المدينة وقد جمعوا أكثر من ثلاثة آلاف رجل في المريسيع فبنى على ذلك، وهاجمهم قبل أن يهاجموه، وهذا يدل على أن الهجوم الاستباقي الدفاعي جائز. ولذلك أقول ان المؤرخين المسلمين ظلموا الإسلام وظلموا رسول الله (ص) ولو من دون قصد عندما اصطلحوا ان الفرق بين الغزوة والسرية: الغزو ما كان فيها رسول الله، والسرية ما لم يكن فيها رسول الله، ودوّنوا في كتبهم: غزوات الرسول" بالرغم ان الغزو يستبطن معنى غير جيّد وهو النهب والسلب، يعطي معنى البداوة، والإسلام ابعد ما يكون عن البداوة، ليست هناك في عهد رسول الله (ص) أي معركة كانت عزوة هجومية، لمجرد الغزو.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo