< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/06/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد:

     الحكومة لا تكون إلا من الانتقال من الموضوع الادعائي الاغتباري إلى الحكم، ودون العكس.

     ثبوت صفة أو حكم لموضوع لا يعني توسيع موضوع آخر ليشمله.

     مثل: إذا قلت زيد كثيف الشعر لا يعني ذلك اني وسعت مفهوم الاسد ليشمل كثيف الشعر.

     الحكومة لا تكون إلا بالانتقال من الموضوع إلى الحكم دون العكس.

 

إذن النتيجة: انه إذا لم تكن الدلالة لا من باب الحكومة ولا من باب التخصيص، إذن الآية ليس لها علاقة بحجيّة خبر الواحد، بل تكون دالة على وجوب التبيّن بمعنى تحصيل العلم، سواء كان من خبر عادل او من خبر فاسق.

نعود انه بعد ما تمّ الاشكال على الحكومة وقلنا انها انتقال من توسيع الموضوع او تضييقه إلى الأثر، او هو اثبات الأثر بلسان اثبات موضوعه. بينما في مسألتنا العكس وهو اثبات الموضوع بعد اثبات الأثر، أي من الأثر عدم وجوب التبين بخبر العادل يعني ان العلم اصبح أوسع من الموضوع له، فالعلم اصبح يشمل الوجداني والاعتباري.

إذن المسألة ليست من باب الحكومة والتخصيص محال لانه يلزم من ﴿ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين﴾ لان العمل بغير العلم يؤدي إلى مفسدة، ولا معنى ان يقول: "لا تظلموا ولا تفسدوا إلا في هذا الموضع. وقلنا ان العام على قسمين: قسم يمكن تخصيصه، وقسم آب عن التخصيص. وهذا من القسم الآبي عن التخصيص.

والانصاف ان كل هذا الكلام علمي دقيق متين، لكن لنا عليه جواب سنبيّنه.

فالالتفات إلى ان الحكومة هي انتقال من توسيع الموضوع إلى اثبات الأثر من قبيل: " الطواف صلاة" وسعنا موضوع الصلاة ليشمل الطواف لتثبت الأثار كالطهارة الحدثية والطهارة الخبثيّة وغير ذلك، في الحكومة انتقال من الموضوع إلى الحكم وليس انتقالا من الحكم إلى الموضوع.

ذكرنا كل هذا التفصيل لاجل بيان كل هذه النظرات والنكات المهمّة الدقيقة، فيها امعان نظر علمي، لكننا لا نسلّم بذلك:

أولا: لان معنى الجهالة هو السفاهة والحماقة وليس بمعنى الجهل مقابل العلم كما هو ليس ببعيد.

وثانيا: إن معنى الحكومة هو توسيع موضوع الحكم أو تضييقه، سواء كان بالذات أم بالعرض، وسواء كان بنحو الإن أي الانتقال من المعلول إلى العلّة أم بنحو اللم انتقال من العلّة إلى المعلول، وسواء كان بالدلالة المطابقيّة أم بالدلالة الالتزاميّة، النتيجة حصل توسيع الموضوع وصارت حكومة.

فانه بعدما استفدنا من المفهوم عدم وجوب التبيّن في خبر العادل، نستكشف من ذلك أن خبر العادل قد إعتُبر علما للملازمة بينهما، من قبيل: أني أريد أن أثبت وجوب الطهارة الحدثية للطواف، فلا فرق بين ان أقول: يطلب الطهارة الحدثية في الطواف. وبين ان أقول: الطواف صلاة، والصلاة يجب فيها الطهارة الحدثية، إذن وجبت الطهارة الحدثية للطواف. والنتيجة واحدة وهي وجوب الطهارة الحدثية في الطواف.

أي سواء انتقلنا من الأثر إلى الموضوع، أم من الموضوع إلى الأثر فالنتيجة واحدة، فما الفرق بينهما؟

هل تنحصر الحكومة بالانتقال من التوسعة إلى الأثر كانحصار؟ الجواب: لا يوجد. لذلك لا فرق في كيفيّة الانتقال. فهذه حكومة وإن كان الاستكشاف غير مباشر، أي بالعرض لا باذات، بنحو إن لان وبنحو اللم، وما الضير في ذلك؟

وتطبيقا على مسألتنا: وهنا أيضا تمّ توسيع العلم ليشمل خبر الواحد المظنون، أي الظن الناشئ من خبر الواحد. أي أصبحت الدلالة والتقديم من باب الحكومة وإن كان بشكل غير مباشر.

وبهذا يكون المفهوم خارجا عن عموم التعليل بالاعتبار والتعبد، ويبقى المفهوم بلا معارض فنعمل بالمفهوم.

إلا أن يقال: إن الأثر وهو عدم وجوب التبيّن في خبر العادل لا يلزمه بالضرورة توسيع مفهوم العلم، ليشمل الظن المعتبر بخبر العادل، هل هو منحصر ولا بد منه؟ فلا يعني إذا اشترك اثنان في الحكم يعني انهما اصبحا مشتركين في المفهوم ولو ادعاءا، من قبيل إذا قلت أن فلان شعره طويل وشجاع، وابخر الفم، هل يعني ذلك اني اعتبرته اسدا، هو يشبه الأسد في وصف أو في حكم، لكن ليس كل شبه معناه توسيع أو تضييق. التوسعة والتضيّق ادعاء بان الأسد يشمل الكل، وقلنا ان نظرية الحكومة تشبه نظرية السكاكي انها حقيقة ادعائيّة وليس هناك مجاز، وهي على نحو الحقيقة الادعائية، أي ان الصفة وضعت ادعاءا للإثنين معا ثم حمله، فليس هناك مجاز أصلا.

إذن قالوا ان العلم موضوع للقطع حقيقة، واما ادعاءا فقد تمّ توسيع الموضوع له إلى الظن الناشئ من خبر الواحد، ثم رتبت الآثار، اما الانتقال من الآثار التوسيع الادعائي كما عند السكاكي، أو اعتبارا عندنا، فليس ثابتا إذ قد لا يكون هناك أدعاء أصلا، فالشارع لم يدّع ان العلم أوسع، فمفهوم الآية: "خبر العادل لا تتبيّن". أي أراد ان يبيّن هذا الحكم فقط من دون ادعء التوسعة.

 

لذلك انصافا الاشكال في محلّه، وهو بان الحكومة توسعة أو تضييق لا تكون إلا من الموضوع إلى الحكم. [1] اما العكس فليس حكومة.

فإذن الأثر هو عدم وجوب التبيّن في خبر العادل ولا يلزمه في الضرورة توسيع مفهوم العلم، ونقول ان التوسعة يمكن ان تكون بالذاتي أو بالعرضي، مباشرة أو غير مباشرة، فاحتاج إلى دليل، إذ قد يكون المفهوم هو مجرّد ترتب الأثر وهو عدم وجوب التبيّن في خبر العادل، والشارع يقف مراده عند هذه النقطة وهي انه يجب ان تتبيّن في خبر الفاسق، والتنزيل منزلة العلم في خبر العادل يحتاج إلى دليل آخر، لانه إذا نزل منزلة العلم لا ينحصر في هذا الأثر وهو عدم وجوب التبيّن بل تترتب الآثار الأخرى أيضا.

الثمرة بين الحكومة والتخصيص:

مثلا: اذا استنبط ان " الطواف صلاة" فلا اثبت فقط الطهارة الحدثيّة والخبثية بل أيضا تثبت بعض الأمور الاخرى الثابتة للصلاة مثل عدم جواز القهقهة وعدم جواز قطع الصلاة يثبت عدم جواز قطع الطواف، كل هذه منشؤها الحكومة لانه تمّ التوسيع. وقلنا في الحكومة هناك ثلاثة اقوال: قول: مشهور بثبوت جميع الاحكام، وقول: بثبوت خصوص القدر المتيقّن الذي لوحظ في الحكومة كالطهارة الحدثية، وقول: بثبوت اللوازم بالمعنى الأخص، أي ما يثبت في الصلاة من احكام يثبت في الطواف، أي ماذا يثبت من الانسباقات الذهنيّة. ونحن نذهب إلى القول الأخير.

نعم قد يكون لسان الدليل ظاهرا في مطلق الاحكام، مثلا: "الفقاع خمر استصغره الناس" هذه حكومة، وأي حكومة فيها ثلاثة اقوال، وهذا الدليل بالذات، "الا ان الله احل فيهم ... " الاستثناء يدل على ان المراد مطلق الآثار، فالمسألة أصبحت خاصة بهذا الدليل وليس مطلق الحكومة. ومثال اخر: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" نفى ماهية الصلاة، لكن عندنا ادلّة أخرى على صحة الصلاة.

والنتيجة: أولا: إن تشخيص ان مسألتنا او غيرها من باب الحكومة او من باب التخصيص له ثمرات.

وثانيا: لدينا مبحثان: الأول: خاص بكل مسألة على حدّة.

والثاني: في حال عدم وجود قرائن خاصّة فماذا يقتضي الأمر إذا دار بين الحكومة أو التخصيص؟

 


[1] ردّ استيضاح احد الطلبة الافاضل: إذا علمنا من دليل انه هناك حكومة وجاءت رواية يفهم منها التخصيص " فعلى ماذا نحمل ؟ الجواب: في الحكومة ضيّق معنى الربا في مثال: "لا ربا بين الوالد وولده" وورد ايضا: " وحرّم الربا" فعلى ماذا نحمل: على الحكومة أم على التخصيص؟ نأخذ كل مسألة وحدها فان لم نستظهر ايا منهما ذهبنا إلى الحكومة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo