< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/06/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد:

 

     الآية من قبيل التخصيص لا الحكومة، لان الحكومة انتقال من توسيع الموضوع او تضييقه إلى الأثر، وفي مسألتنا العكس.

     مع انتفاء الحكومة والتخصيص يبقى العام: "ان تصيبوا قوما بجهالة" على عمومه في شموله لخبر الفاسق والعادل، فلا تدل الآية على حجيّة خبر الواحد.

 

نعود لاشكال بعض الاساطين: إن بعض الاساطين قال بأن الآية من قبيل التخصيص لا من قبيل الحكومة، ولما لم يمكن التخصيص وكان محالا، تعيّن عدم الدلالة على المفهوم، فيقدّم العام على المفهوم، فلا يكون حينئذ للآية دلالة على حجيّة خبر الواحد اصلا.

بتعبير آخر: ﴿ان جاءكم فاسق﴾ لها مفهوم أي ان "خبر العادل حجّة"، و ﴿ان تصيبوا قوما بجهالة﴾ عموم يشمل العادل والفاسق، ايهما مقدّم على الأخر؟

إذا قدمنا المفهوم خبر العادل الذي هو اخص من خبر العادل والفاسق، أي عموم التعليل، أي كانت الآية من باب التخصيص، والتخصيص محال لان التعليل بالندامة لا يمكن تخصيصه إذ لا يمكن ان يقول الشارع لا تقع في الندامة إلا في هذا الموضوع، فهو عام آب عن التخصيص. ومحال ان يقول الشارع: أوقع الناس بالمفسدة إلا في هذا الموضع، ولما كان التخصيص محالا انتفى تقديم المفهوم على العموم، حينئذ العموم يصبح بلا منازع فتكون القضية خارجة كليا عن خبر الواحد وكأنها تقول: "خذ بالبيّن - العلم- فقط".

بيانه المطلب: إن الآية بيّنت بمفهومها جواز العمل بخبر العادل حتى وإن أمكن خطؤه، هذا من البداية، أي كأنها قالت: "يجوز العمل بخبر العادل فإنه ليس من العمل بالجهل". بعبارة أخرى: "لا يجوز العمل بالجهل إلا بخبر العادل" وهذا من باب التخصيص. لكن التعليل يأبى التخصيص، إذ لا يُعقل أن يقال: " أصيبوا الناس بالجهل ولو ندمتم إلا في هذا الموضع" فهو من العمومات الآبية عن التخصيص.

فالعمومات على قسمين: القسم الأكبر يتحمّل التخصيص، حتى قيل: "ما من عام إلا وقد خص"، وهناك قسم آخر يأبى عن التخصيص عُبّر عنه أحيانا بانه "نص في العموم" من قبيل ما ورد في باب التعارض في قول الأمام (ع): "ما خالف قول ربنا لم نقله، زخرف، باطل، اضرب به عرض الجدار" وهذا عام. وهل يمكن ان يقال: ان هذا القول يخالف قول ربنا ومع ذلك قلناه؟! هذا محال فلا يستطيع ان يقول: " ما خالف قول ربنا لم نقله إلا هذا القول" هذا محال.

ومع عدم امكان التخصيص تعيّن نفي المفهوم، لان المفهوم مقدّم على العام أما حكومة أو تخصيصا، فإذا كانت الحكومة منفيّة والتخصيص محالا، فلا تدلّ الآية على المفهوم، ومع انتفاء المفهوم يبقى العام على عمومه أي: "ان تصيبوا قوما بجهالة" تبقى عامّة، "فتبيّنوا" تشمل الجاهل والعادل. فتكون الآية دالة على وجوب العمل بالعلم وعدم جواز العمل بالجهل.

الانصاف انها نظرة دقيقة ولكن!!

والجواب: إن الآية وردت في مقام الردع عن العمل بخبر الفاسق، وليست في مقام بيان عموم عدم الجواز العمل بالجهل الذي هو بمعنى السفاهة، فالآية ليس لها مفهوم. فالمقام هو نهي عن حالة انفعالية مسببة عن العمل بالجهل، فلا يوجد عام ولا خاص.

إشكال آخر: على كون المفهوم مقدما على التعليل من باب الحكومة:

إن التقديم من باب التخصيص لا الحكومة، والحكومة هي اثبات حكم بلسان اثبات موضوعه، مثلا: "الطواف صلاة" نريد ان نثبت احكام الصلاة للطواف، لكن لا مباشرة إذ لم أقل: "الطواف يجب فيه الطهارة الحدثية والخبثيّة، ويجب فيه الستر وغير ذلك من الاحكام" بل قلت: "ان الطواف صلاة" فقط، أي ان احكام الصلاة نطبقها على الطواف. إذن هي اثبات احكام موضوع حاكم لأمر آخر، لتوسيع موضوع المحكوم فنثبت الاحكام له.

وبيانه: إن الحكومة كما تقدّم هي اثبات حكم بلسان إثبات موضوعه، أو نفي حكم بلسان نفي موضوعه. ولنوضح بالمثال:

في الحكومة: العام هو: "كل ربا حرام" المستنتج من قوله تعالى: ﴿وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾[1] والحاكم "لا ربا بين الوالد وولده". والمراد نفي الحرمة عن الربا بين الوالد وولده، فيكون نفيا للحكم بلسان نفي الموضوع.

اما في التخصيص: العام "كل ربا حرام". الخاص: ان يرد: "إلا بين الوالد وولده" إذا كان المخصص متصلا، أو يرد بعد ذلك: "لا يحرم الربا بين الوالد وولده" إذا كان المخصص منفصلا.

بعد هذا البيان للحكومة والتخصيص نقول: من ميزات الحكومة أن الدليل الحاكم يكون ناظرا لموضوع الدليل المحكوم موسعا له أو مضيقا لأجل اثبات أثر، والتوسيع والتضييق تدخل في المفاهيم أي المرادات، سواء كانت من الشارع أو من الانسان العادي الحكيم وهذا التدخل لا يكون بدون غاية وهدف إلا إذا كان سفيها.

وبعد هذه التوسعة أو التضييق يترتب الأثر وهو الحكم، وهذه هي الحكومة. أما لو كان أمر بالعكس، أي من الأثر استنتجنا التوسيع والتضييق ليستكشف منه توسيع الحكم أي العلم لما يشمل العلم الوجداني والعلم الاعتباري الذي هو الظن المعتبر كالخبر المعتبر، فهذا ليس من باب الحكومة. [2]

وفي بحثنا: ﴿ان جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا﴾ أي "إذا اتاكم عادل فلا تتبيّنوا" وهذا هو الأثر، وهو عدم وجوب التبيّن عند العادل، استنتجنا منها توسيع مفهوم العالم ليشمل خبر العادل الظني. فمن اثر عدم وجوب التبيّن انتقلت إلى توسيع معنى العلم، اصبح العلم يشمل ما كان قطعيا وما كان ظنيا إذا كان المخبر به عادلا، أي اني انتقلت من الأثر إلى الموضوع، وهذا ليس حكومة، الحكومة هي ان انتقل من الموضوع إلى الأثر.

ومقامنا من قبيل الثاني أي ليس من باب الحكومة، لأنه انتقال من الأثر إلى ذي الأثر، فقوله تعالى: "إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا" بيان لحكم وهو وجوب التبيّن من خبر لا يفيد العلم، فالشارع وسع مفهوم العلم من خصوص القطع إلى ما يشمل الظن المعتبر وهذا ليس حكومة، فننتقل إلى عدم وجوب التبيّن في خبر العادل، وهو حكم وأثر أنتقل منه إلى حجيّة خبر العادل، وهو تتميم الكشف، ونحن لا نقول بالسببية ولا بالمصلحة السلوكيّة بل بالطريقية المحضة، كما هو الصحيح والمختار عندنا، أي أن الخبر أصبح علما اعتباريا، وهذا بنحو الإن، أي انتقال من المعلول إلى العلّة. فتوسيع العلم إلى ما يشمل خبر العادل المظنون ناتج عن أثره وهو عدم وجوب التبيّن عنه. وهذا ليس من الحكومة في شيء. ولذا كان لا بد من الذهاب إلى أنه من التخصيص لا من الحكومة. والتخصيص محال، فيكون الإمران منتفيين، الحكومة والتخصيص. فينتفي التقديم حينئذ، ويبقى العموم "ان تصيبوا قوما بجهالة" على عمومه، فالآية لا دليل لها على حجيّة خبر الواحد.

 


[2] استطراد تقريب الفكرة: عند الشيخ الانصاري (ره) الذي استنتج ان الاحكام الوضعيّة مستنتجة ومنتزعة من الاحكام التكليفيّة التي هي الاساس، ولنا اشكال تفصيلي على ذلك: أولا هناك احكام وضعيّة ناظرة إلى الاحكام التكليفيّة. الشارع المقدّس يريد ان ينظم احكاما من قبيل احكام جواز النظر والوطء، ووجوب النفقة، والارث للمرأة الأجنبيّة. الشارع جعل عنوانا ووضعا اسمه زواج وهو حكم وضعي كما يقال وجعله مصبا لينظم ويرتب هذه الاحكام المتناثرة، وهذا ليس فقط عند الشارع المقدس بل عليه كل المجتمعات. الموضوع يكون مصبا للأحكام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo