< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/06/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد:

     الفرق بين الحكومة والورود.

     تقديم ادلّة حجيّة الامارات على الاصول العمليّة العقليّة من باب الورود.

     الفرق بين الحكومة والتخصيص.

     اشكال بعض الاساطين من ان الآية من باب التخصيص، والتخصيص محال.

 

التذكير بالكلام الذي مرّ في الدرس السابق، تفصيلا، بتعارض المفهوم مع العموم التعليل، هل هو حكومة أو هو تخصيص؟

وهنا في بحثنا نأتي للموضوع ونوسعه فتكون حكومة، ثم بعد ان نوسعّه نطبق عليه دليل آخر فيرفع الحكم أو يثبته يكون الورود، ومثاله: الأصول العقليّة كأصالة البراءة العقليّة التي هي مرجعها قبح العقاب بلا بيان، والاحتياط العقلي دفع الضرر المحتمل واجب موضوعه عدم المؤمّن، وهذا ما تمسّك به بعض من قال بالاحتياط في الشبهة التحريميّة ايهما نقدّم قبح العقاب بلا بيان او دفع الضرر المحتمل؟ والتخيير العقلي موضوعه عدم المرجّح، عقلا تتخيّر.

هذه الأصول العقليّة، البراءة موضوعها عدم البيان، قبح العقاب بلا بيان، فإذا جاء خبر واحد، وخبر الواحد ليس بيانا لأنه ظنّي أي ليس هناك بيان، لان البيان هو العلم، فيقبح العقاب حينئذ وهو حكم عقلي موضوعه عدم البيان. ثم جاء دليل على ان خبر الواحد حجّة، فصار بيانا تعبدا فرفع موضوع قبح العقاب، لان العقاب يكون مع البيان كالعلم والقطع والاطمئنان، اما الامارات كخبر الواحد فليست بيانا لأنها ظنّ، وبعدما جاء دليل على اعتبار الخبر صار الخبر بيانا لكن تعبدا واعتبارا، ولما صار اعتبارا ارتفع موضوع قبح العقاب فصار خارجا تخصصا لكن تعبدا، وهو اعتبار ان الظن بحكم العلم، لكن بعد التعبد ارتفع العقاب. لذلك تكون ادلّة الامارات كحجية خبر الواحد والشهرة وغيرها تكون واردة على الأصول العمليّة. وهكذا في اصالة الاحتياط: موضوعها دفع الضرر المحتمل لعدم وجود المؤمّن ووجود التكليف واشك في الامتثال، عندما تمّت حجيّة الخبر ادفع الضرر المحتمل بها لأنها مؤمّن، فيرتفع موضوع الاحتياط، فتكون ادلّة الامارة واردة على الأصل العملي العقلي في الاحتياط، وهكذا أيضا في اصالة التخيير التي هي إذا دار الامر بين محذورين اما الحرمة او الوجوب ولا مرجّح بينهما عقلا فأتخيّر، وفي الترجيح لما تمّت حجيّة الخبر صار هناك مرجّح فارتفع موضوع التخيير فتكون ادلّة الامارات واردة وليست حاكمة. نعم الحكومة تكون في الاعتبار، بعبارة أخرى: في هذه العمليّة أي تقديم خبر الواحد على البراءة او الاحتياط او التخيير هناك حكومة وورود. الحكومة في اعتبار خبر الواحد بيانا، وورود عندما رفع قبح العقاب في البراءة العقلية لارتفاع موضوعه وهو عدم البيان.

اتصوّر بهذا البيان يتضح الفرق بين الحكومة والورود.

بعد هذا كلّه ما الفرق بين الحكومة والتخصيص؟

الفرق بين الحكومة والتخصيص:

التخصيص هو الاخراج الواقعي الحقيقي لأفراد حقيقة، والحكومة اخراج بعض الافراد تعبدا.

التخصيص في جوهره هو خروج افراد من حكم العام لوجود تزاحم في الملاكات مصالح ما قبل عالم الانشاء، والتزاحم في علم الأصول هو مقابل التعارض التزاحم في عالم الفعليّة، اما التخصيص هو تزاحم في عالم الملاكات وليس في عالم الفعلية.

ذكروا ان الاحكام تمّر بأربعة مراحل: مرحلة المصالح والملاك، ثم مرحلة الانشاء، ثم الفعليّة، ثم التنجيز.

نحن رأينا ان هناك مرحلة واحد وهي مرحلة الانشاء، اما الاقتضاء المصالح والمفاسد فهو مقدّمة للإنشاء وليس فيه أي حكم، والمصلحة تقتضي حكما ويأتي الانشاء الذي هو الحكم الذي اوجدته ولم يكن.

بعد الانشاء إذا تمّ الموضوع ولم يكن هناك مزاحم صار فعليّا كما في قوله تعالى: ولله على الناس ... هذا انشاء ويصبح فعليا إذا وجد الموضوع فلو انه لم يكن في الدنيا فرد مستطيع لا يرتفع الحكم بل يبقى موجودا، الحكم إنشاءاً موجود وفعليا غير موجود. وعند التزاحم يبقى الانشاءان احدهما يبقى على الفعليّة والأخر يبقى على التعليل. وبذلك حلينا كل مشاكل مسألة الضد بهذا التصوّر.

وتبقى المرحلة الأخيرة وهي التنجيز، والتنجيز لغة هو النهاية، نهاية المراحل، أي أصبحت مسؤولا عن الحكم بعد العلم به.

التخصيص في الاصطلاح هو ما كان التزاحم بين الملاكات في عالم الملاك وليس في عالم الفعليّة، مثلا: "اكرم كل عالم" فيجب اكرام العلماء، ويأتي فرد زيد الفاسق وهو عالم، فإذا اكرمته تشجع الناس على الفسق مع اني اريد ان اشجع على العلم، فحينئذ أقول ان مفسدة اكرام الفاسق اكثر من مصلحته فاخرج هذا الفرد الفاسق، فإذا قلنا: "اكرم العالم إلا زيدا" واكرم زيد فيه مصلحة بالعلم ومفسدة بالفسق في عالم الملاك وليس في عالم الفعليّة الذي هو باب التزاحم مقابل التعارض.

التخصيص هو تزاحم الملاكات ما قبل عالم الانشاء، فتخرج بعض الافراد الحقيقيّة من حكم العام. بعضهم نفى العام وبعضهم قال ان هناك مرادا استعماليا وبعضهم قال بالمراد جدّي، ونحن قلنا ان العام مراد استعمالي ومراد جدّي والعام نفسه، ولذلك بناء على هذا التصوّر ذهبنا إلى جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة مطلقا وان كان خلاف مشهور المتأخرين بخلاف مشهور القدماء الذين قالوا بجواز التمسك بالعام.

ففي المثال: "لا ربا بين الوالد وولده" حيث نفى الحرمة بلسان نفي موضوعها وهو الربا، هذه حكومة إذ تمّ اخراج بعض الافراد تعبدا.

اما لو قال: "لا يحرم الربا بين الوالد وولده"، فهو تخصيص، أي: "يحرم الربا إلا ما كان بين الوالد وولده".

هذا التعبيران قريبان من بعضهما لكن لهما ثمرات كبيرة.

اشكل بعض الاساطين: إن بعض الاساطين قال بأن الآية من قبيل التخصيص لا من قبيل الحكومة، ولما لم يمكن التخصيص وكان محالا، تعيّن عدم الدلالة على المفهوم، فيقدّم العام على المفهوم، فلا يكون حينئذ للآية دلالة على حجيّة خبر الواحد اصلا.

بتعبير اخر: "إن جاءكم فاسق" لها مفهوم أي ان "خبر العادل حجّة"، و "ان تصيبوا قوما بجهالة" عموم يشمل العادل والفاسق، ايهما مقدّم على الأخر؟

إذا قدمنا المفهوم خبر العادل الذي هو اخص من خبر العادل والفاسق، أي عموم التعليل، أي كانت الآية من باب التخصيص والتخصيص محال لان التعليل بالندامة لا يمكن تخصيصه إذ لا يمكن ان يقول الشارع لا تقع في الندامة إلا في هذا الموضوع، فهو عام آب عن التخصيص. ومحل ان يقول الشارع: أوقع الناس بالمفسدة إلا في هذا الموضع، ولما كان التخصيص محالا انتفى تقديم المفهوم على العموم، حينئذ العموم يصبح بلا منازع فتكون القضية خارجة كليا عن خبر الواحد وكأنها تقول: "خذ بالبيّن - العلم- فقط".

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo