< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد:

 

     ملاحظتان على دليل صاحب الكفاية (ره) على دلالة الآية على المفهوم وان لم نقل بكونها مسوقة لبيان الموضوع: الاولى: عدم التسليم بالانحصار.

     الثانية: لو سلمنا فعدم وجوب التبيّن يكون بالاصل العملي ولا يكون امارة، والكلام في كون الدليل من باب الامارة.

 

ذكرنا امس كلام صاحب الكفاية (ره) ولنا ملاحظتان عليه:

الأولى: لا نسلّم بالظهور في الانحصار، لان مفهوم الوصف لا انحصار فيه، حيث يتوقف المفهوم فيه على ظهوره في العليّة وانحصار العلّة. وادعاء الانحصار عهدته على مدّعيه.

الثانية: إن مفهوم الحصر خاص بالألفاظ، يعني انه من الامارات، وكلامنا في لفظ الآية هل يدل على المفهوم أو لا؟ واللفظ هنا لا حصر فيه، إذ لم يقل: "انما يجب التبيّن في خصوص خبر الفاسق"، ومع عدم الظهور فيه يكون الحكم في مجيء خبر العادل مجهولا ومشكوكا، ومع بقاء الشك يصبح موردا للأصول العمليّة فنحتاج إلى أصالة البراءة لنفي الوجوب، أي يكون عدم وجوب التبيّن والتثبّت من باب الأصل العملي، وهذا ليس محل الكلام، وان كان لا مانع من ان يكون الكلام على مستويين: الأول: في الأصل اللفظي، والثاني: في الأصل العملي عند الشك، والكلام هو في المستوى الاول في دلالة الآية في حجية خبر الواحد من باب الامارة في الأصول اللفظيّة على عدم وجوب التبيّن. فإذا ثبت حكم لموضوع فلا يعني أبدا أن المواضيع الأخرى يثبت لها نفس الحكم أو غيره، ومع الشك يأتي الأصل العملي البراءة أو الاستصحاب أو غيرهما من الاصول.

بعبارة أخرى: دليله يثبت عدم وجوب التبيّن من باب الأصل العملي.

النتيجة: إن الآية مسوقة لبيان الموضوع، أي أن مقتضى دلالتها على المفهوم قد انتفى.

هذا هو الوجه في انتفاء دلالتها على المفهوم وهو انتفاء المقتضي أي من الأساس دون المانع.

ثم إنه لو سلّمنا بوجود المقتضي وانها مسوقة لبيان المفهوم وليس لبيان الموضوع، لدلالتها على المفهوم، فقد يقال بوجود المانع، وحينئذ تنتفي هذه الدلالة، فالمقتضي وإن كان موجودا، لكن المانع موجود أيضا فتنتفي الدلالة لوجود الموانع.

وما يمكن تصوره من موانع:

المانع الأول: إن قوله تعالى: ﴿أن تصيبوا قوما بجهالة﴾ يعني المانع من العمل بالجهالة، فيكون دالا على منع العمل بغير العلم حتى من العادل، مهما كان الظن قويا، فالعمل بغير العلم يشمل خبر الفاسق وخبر العادل، فأن العادل قد يخطئ وقد يسهو وقد ينسى، وقد تضعف نفسه أحيانا وقد يكذب، فالعدالة ليست عصمة، العدالة ملكة وهي من الكلي المشكك يختلف قوة وضعفا من شخص لآخر، كلما قويت كلما امتنع صاحبها عن الكذب. فإذا كان التعليل: "حتى لا تصيبوا قوما بجهالة" وإذا أصيب بجهالة هذا يشمل الفاسق والعادل، حينئذ أين اصبح المفهوم، فيجب ان تتبيّن سواء كان الخبر خبر فاسق أو خبر عادل، ونحن في الآية نريد ان بيّن حجيّة خبر العادل، أي لا يجب التثبت عند خبر العادل، فالعلّة عامّة تشمل خبر الفاسق وخبر العادل، حيث ان المفهوم هو: "ان لم يأت خبر الفاسق فلا تتبيّنوا" أي إذا اتى خبر العادل فلا تتثبتوا، والعلّة –وهي: ﴿ان تصيبوا قوما بجهالة﴾- تقول انه يجب ان تتبيّن حتى في خبر العادل، فيقع التعارض والتنافي بين عموم التعليل ومفهوم الآية. قالوا اننا نقدم عموم العلّة على المفهوم.

وفيه: أولا: الاحتمال الأقوى أن المراد من الجهالة هو السفاهة والحماقة وفعل ما لا ينبغي فعله عند العقلاء، وليس المراد به الجهل مقابل العلم كما أسلفنا، وليس العمل بغير العلم مطلقا سفاهة عند العقلاء، ألا ترى أن العمل بخبر الثقة مبرّر ولا يعدّ سفاهة عند العقلاء ولو كان مخطئا؟ كما لو اخبر العادل بخبر وعملت فيه هل يعدّ سفاهة حتى لو كان مخطئا؟

اشكال على كون المراد من الجهالة هو السفاهة:

نعم، قد أشكل على أن المراد من الجهالة هو السفاهة بأن الصحابة -وهم من العقلاء- قد همّوا بغزو بني المصطلق ومحاربتهم، فلو كان ذلك سفاهة منهم لما أقدموا على ذلك، والحال أنهم من خيرة العقلاء بالنسبة إلى أهل زمانهم، فنزلت الآية ردعا لهم، مما يدّل على أن المراد هو الجهل مقابل العمل بغير العلم، فيتم المانع ولا تكون الآية تدل على حجية خبر الواحد.

السيد الخوئي (ره) يجيب على ذلك، ونحن سنبيّن كلامه (ره) ثم نبيّن ما نذهب اليه، وملخصا نقول: انه أحيانا العقل الجمعي يكون غير واع أكثر من العقل الفردي، وهذا البيان موجود في علم الاجتماع.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo