< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/05/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد:

 

     اشكال على دلالة الآية على حجيّة خبر العادل بكون الآية واردة لبيان الموضوع، فلا مفهوم لها، وبيانه.

     الجواب: إن كان موضوع الآية هو مطلق النبأ وكان الشرط شرط للحكم، فالآية لها مفهوم.

     وإن كان موضوع الآية هو مجيء خبر الفاسق وإن الشرط قيد للموضوع، كما هو الظاهر فلا مفهوم لها وتكون مسوقة لبيان الموضوع.

إشكال على دلالة الآية:

نكمل الكلام في توجيه آية النبأ على عدم الدلالة. لانها وردت في مقام بيان الموضوع، إي مسوقة لبيان الموضوع فلا دلالة لها على المفهوم، من قبيل: "إن رزقت ولدا فاختنه"، فان الختان عند انتفاء الولد منتف بانتفاء موضوعه، فلا مفهوم للجملة.

وكمثال قوله تعالى: ﴿وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [1] فمع انتفاء إرادة التحصن ينتفي الإكراه، فلا دلالة على المفهوم.

واجيب عن هذا الاشكال: إن الميزان في جعل القضيّة المشروطة لبيان الموضوع أو لبيان المفهوم، هو انه في القضية المشروطة لبيان الموضوع يكون انتفاء الجزاء عند انتفاء الموضوع عقلا، وإلا تكون لبيان المفهوم.

بعضهم ذهب ان الآية لبيان الموضوع لان:﴿ان جائكم فاسق بنبأ فتبيّنوا﴾ فإن "لم يأتكم لا تتبيّنوا" لا يوجد خبر حتى نتبيّنه.

الموضوع هو مجيء الفاسق بالخبر فان لم يأت الفاسق بالخبر لم يجب التبيّن لانه فرع وجود الخبر، هكذا وجهوا ان الآية واردة ومسوقة لبيان الموضوع، بعبارة اخرى: الآية ليس فيها مقتض الدلالة على المفهوم، فهي من أساسها ليست واردة هذا المورد، فانتفاء وجوب التبيّن عن الخبر عند انتفاء مجيء الفاسق به انما هو انتفاء موضوعه، لا للمفهوم، إذ مع عدم مجيء الفاسق بالخبر لا خبر هناك لنتساءل" هل يجب التبيّن أو لا يجب؟

فإذا كان موضوع القضيّة هو النبأ، ومجيء الفاسق به شرط لوجوب التبيّن عنه وليس جزءا من الموضوع، فكأنه قال: ﴿النبأ إن جاءكم به فاسق فتبيّنوا﴾، وهنا مع انتفاء خبر الفاسق لا ينتفي أصل الموضوع وهو النبأ، بل ينتفي شرطه وهو كونه الجائي به فاسق، فيكون للآية مفهوم.

وهذا التوجيه لمن ذهب أن الآية واردة ومسوقة لبيان المفهوم وليس لبيان الموضوع.

وبعبارة اخرى وتلخيصا للكثير من الصفحات: أنه إذا قلنا أن الموضوع هو التالي: "النبأ إن جائكم به فاسق فتبيّنوا" حينئذ الآية تكون واردة ومسوقة لبيان المفهوم، لأنه إذا انتفى الفاسق يبقى الموضوع وهو النبأ وهناك عادل، فإذا أتى به عادل فلا تتبيّنوا.

أما إذا قلنا أنها واردة ومسوقة لبيان الموضوع، تصبح الموضوع مجيء خبر الفاسق والحكم هو وجوب التبيّن وقد ينتفي المجيء كليا، فإذا لم يأت لا وجود لخبر. إذن النبأ الذي هو الموضوع مشروط، أو أن مجيء النبأ ووجود الخبر؟

إذن هناك تصويران للآية: إذا قلنا: "أن النبأ إذا أتاكم به فاسق فتبيّنوا" تكون هذه القضية مسوقة لبيان المفهوم، فإما أن يأتي به فاسق أو عادل. وإذا قلنا: " أن مجيء النبأ هو الموضوع، فإذا انتفى مجيء الفاسف ينتفي النبأ كليا فلا حاجة للتبيّن.

بعبارة اخرى: إن الشرط: "ان جاءكم فاسق" لا يخلو من احد امرين:

فاما ان يكون قيدا للموضوع، فيكون موضوع وجوب التبيّن هو خبر الفاسق وحينئذ بانتفاء الفاسق ينتفي الموضوع، فتكون القضيّة مسوقة لبيان الموضوع ولا مفهوم لها.

واما ان يكون قيدا للحكم، فيكون الموضوع هو مطلق النبأ، وحينئذ يمكون للقضية مفهوم.

ثم إن السيد الخوئي (ره) بعد أن قدّم مقدمة في كلام طويل في التفريق بين القضية التي تكون مسوقة لبيان الموضوع والقضية التي تكون مسوقة لبيان المفهوم، بعد التفريق بين مثالين، ملخّصه: " مثل: "إذا جاءك زيد فأكرمه" ... وبين: "إن رزقت ولدا فاختنه"، وقال: إنه إذا كان الموضوع مركبا من أمرين، أحدهما ينتفي عقلا عند انتفاء الجزاء والآخر ينتفي تعبدا،

ثم يقول: "إذا عرفت ذلك ظهر لك أن الشرط في الآية المباركة - بحسب التحليل- مركب من جزأين" النبأ، وكون الآتي به فاسقا، ويكون أحدهما وهو النبأ موضوعا للحكم المذكور في الجزاء لتوقفه عليه عقلا، فلا مفهوم للقضيّة بالنسبة إليه، والجزء الآخر وهو كون الآتي به فاسقا مما لا يتوقف عليه الجزاء عقلا، فتدل القضيّة على المفهوم بالنسبة إليه، ومفاده عدم وجوب التبيّن عنه عند انتفاء كون الآتي به فاسقا، وهو المطلوب. [2]

يقول الفقير إلى رحمة ربّد والسداد:

الموضوع إن كان النبأ فكلام السيد الخوئي (ره) متين.

أما إذا كان الموضوع هو مجيء الخبر فكأن الآية تقول: "الخبر الجائي إن كان من أتى به فاسقا فتبيّنوا"، أصبحت القضيّة مسوقة لبيان الموضوع بنفس البيان الذي ذكره السيد الخوئي (ره): من إنتفاء موضوع وجوب التبيّن عقلا لانتفاء مجيء الخبر، إذ لا معنى لأن يقال: لا يجب التبيّن عند عدم مجيء الخبر.

ونكرر انه إذا كان الموضوع هو مطلق النبأ، سلمنا وآمنا، فإذا كان الموضوع مركبا من جزأين كما بين السيد الخوئي (ره) أي (نبأ وأتى به فاسق)، فبمجرّد ان لا يأتي به الفاسق ينتفي الموضوع، لانه إذا انتفى الجزء انتفى الكل.

والظاهر هو الثاني أي انها مسوقة لبيان الموضوع، وبيانه:

إن الشارع المقدّس ما أراد من الآية بيان حجيّة خبر الواحد العادل، ولا بيان كيفية النبأ واستثناء منه الفاسق، ولا التثبت مطلقا وعدم التثبت، لا بالدلالة المطابقية ولا بالدلالة التضمنيّة ولا بالدلالة الالتزاميّة، ونعلم أن المفهوم هو من باب الدلالة الالتزامية بالمعنى الأخص، أي بمجرّد تصور الملزوم ينتقل الذهن مباشرة إلى اللازم، ولا نجد في أنفسنا هذا الانتقال وبان العادل لا يجب أن نتبيّن خبره، نعم يمكن الانتقال بدلالة الاشارة كما سنبيّنه بعد قليل، بل كل ما أراده الشارع المقدّس بيان الواقعة التي حصلت واراد بيانها وتربية المؤمنين على عدم الأخذ بخبر الفاسق إلا بعد التثبت والتبيّن، أما خبر العادل فلم ينظر إليه المولى عز وجل، ويدّل على ذلك لحن الخطاب، حيث إنه برّر وجوب التثبت كي لا تصبحوا نادمين على ردّ فعلكم القبيح عقلائيا، حيث وصفه بالجهالة -أي السفاهة-، واين هذا من إرادة عدم وجوب التبيّن عند خبر العادل، فهو غير ناظر إلى ذلك أصلا.

اما دلالة الاشارة فتحتاج إلى كون الشارع يريد ذلك وان لم يكن في مقام بيانها وقصدها، لكنه تحتاج إلى دليل، وتحتاج إلى كونها ليست مسوقة لبيان الموضوع، وهذا أوّل الكلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo