< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/05/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد:

     الاستدلال بالآية بأمرين: بمفهوم الوصف ومفهوم الشرط.

     ثلاثة أمور لتحقق مفهوم الوصف:

     الظهور في العلّة، وهو غير مسلّم، نعم في اشعار.

     الظهور في الانحصار وهو غير مسلّم.

     عدم وجود واسطة وثالث بين الفاسق والعادل ونحن نقول بالواسطة.

وعلى أية حال، فقد استدل بالآية على حجيّة خبر الواحد بأمرين: بمفهوم الوصف وبمفهوم الشرط. "الفاسق" وصف و "إن" شرط.

هذا الاستدلال قديم وسطر فيه العدّدة من الصفحات وسنلخّصه بسطور.

أما مفهوم الوصف فهو يتوقف على ثبوت أمور:

اولا: الظهور في العليّة.

ثانيا: الظهور في انحصار العلّة.

ثالثا: في مسألتنا نحتاج لعدم وجود واسطة بين الفاسق والعادل.

     أما الظهور في العلّيّة فهو غير تام كما ذكرنا في مفهوم الوصف ولا مزيد عليه، نعم فيه اشعار في العليّة قد لا يصل حد الظهور ليكون حجّة، وقد بيّنا ذلك في مبحث مفهوم الوصف.[1]

نعم، القيد لا يكون لغوا، والأصل في القيود الاحترازية، نعم قد يكون القيد ليس احترازيا قد يكون ذمّا أو مدحا، مثلا: "اللهم صلي على محمد وآل محمد الطيبين" وليس المقصود تقييد آل محمد بالطيبين، بل هو مدح آل محمد، وفي الذمّ: "اللهم العن بني أمية الفاسقين الظالمين" هذا نعت وبيان ذمّي وليس نعتا احترازيا. نعم لو شككنا أنه احترازي أو توضيحي أو بياني الاصل الاحترازيّة.

فقد تكون العلّة أمرا آخر غير الوصف ولا اريد اظهارها وقد تكون بلازمها، يتحد معه في المصاديق الخارجيّة، فمثلا لو قلت لك: " أكرم ابناء عمّك" فقد يكون علّة الإكرام هو كونهم من أهل العلم وأنهم العلماء الوحيدون في البلدة، لكن تقييد الاكرام بأبناء العمّ وليس بالعلّة كان لغاية خاصّة.

     أما الانحصار في العلّة: فبعد استظهار العليّة، لا بد من ظهوره في انحصار العلّة بالوصف للذهاب إلى المفهوم، لانه إذا كان هناك علّة اخرى للحكم فمجرد ان ثبتت العلّة الآخرى لموضوع آخر ثبت الحكم أو لنفس الموضوع ايضا ثبت الحكم، أو عند انتفاء الموضوع الأول ايضا ثبت الحكم. حينئذ ينتفي مفهوم الوصف.

إذن مع تعدد وجوب "الاكرام" في قولنا: " اكرم العالم العادل" قد توجد علّة اخرى لوجوب إكرام العالم، كالتشجيع على العلم ولو مع الفسق. والانصاف أن الوصف لا ظهور له في الانحصار أبدا، بل ولا إشارة في ذلك.

     أما عدم وجود ثالث أو واسطة بين العادل والفاسق: فهذا تابع لمعنى الفاسق. وهذا تابع للتعريفات.

مثلا السيد الخوئي (ره) قال: هو فعل الواجبات وترك المحرمات، وقال بعضهم: هو تجنّب الكبائر ولا مشكلة في الصغائر وهي لا تخدش بالعدالة، وبعضهم قال: ان العدالة ملكة. ونحن نذهب إلى الأخير ونقول ان العدالة والفسق ملكتان، امران وجوديان، ولهما مراتب، فالعدالة ملكة تمنع صاحبها عن ارتكاب المحرّم على ان لا تصل إلى حدّ مقام العصمة، لذلك هي كالكلي المشكك لها مراتب.

فإن كان الفاسق أمرا عدميا، أي هو عدم العادل، فلا يوجد ثالث، لانهما صارا أمرين وجوديا وعدميا، وهو ما ينبغي أن يذهب إليه من قال بأن العدالة الشرعيّة هي فعل الواجبات وترك المحرّمات، فهنا أمران: وجودي وعدمي.

وفي بحث صيغة الأمر ذكروا مسألة قديمة وهي: هل النهي يدلّ على الكف عن الفعل أي مع القصد أو على ترك الفعل؟

معظمهم كان يقول ان صيغ الأمر تدل على طلب الترك، لكن قلنا انه هو طلب الكف والدليل على ذلك التبادر، فلو ان رجلا مسجونا أو في بلد مسلم كإيران حاليا وأراد أن يشرب الخمر، وفي البلد ممنوع من شرب الخمر فلم يشرب، هل تستطيع أن تقول أنه قد امتثل؟ نعم يقال أنه ترك، ولا يقال انه امتثل، الامتثال قرار مسألة نفسيّة، وليس مجرّد الترك امتثال، وان اشتهر عند الاصوليين أن النهي طلب الترك. مع التأمل نرى ان الامتثال يحتاج إلى قرار نفسي إلى ارادة وطاعة.

فرق بين الامتثال ومجرّد الترك، في الامتثال له أجر، أما مجرّد الترك فلا أجر له ولا ثواب وان ترك ولم يفعل.

فالعدالة والفسق أمران: وجودي وعدمي، وعند ذلك إذا وجب التبيّن في خبر الفاسق، فانه لا يجب في خبر العادل، وإلا أصبح قيد الفسق لغوا، وبهذا يتمّ الاستدلال بالآية على حجيّة خبر الواحد العادل.

وإن كانت العدالة أمرا وجوديا وهو أن العادل من لديه ملكة ترك المحرمات وفعل الواجبات فن قصد، أي ان الملكة صفة نفسانية تمنعه المحرمات وتدفعه إلى فعل الواجبات فهي كلّي مشكك يختلف قوّة وضعفا بحسب الاشخاص ومدى تربيتهم لانفسهم، من دون الوصول إلى حدّ العصمة، أي هي صفة يمكن ان تنهزم في بعض حالات ضعف النفس البشرية امام الاغراءات والارهاب، فان الآية تدّل على عدم وجوب التبيّن حتى مع عدم ثبوت العدالة، أي ينتفي وجوب التبيّن في حالتي ثبوت العدالة وعدمها.

 


[1] الشريف المرتضى (ره) كان يقول بمفهوم الوصف ولا يقول بمفهوم الشرط وهذا غريب منه، والسبب أنه يشعر عندما أقول: "اكرم الرجل العادل" انه لو لم يكن للعدالة مدخليّة عليّة في الحكم لما قيّده. عبّرنا ان هذا اشعار بالعليّة لكنه لا يصل لمرحلة الظهور خصوصا انه قد يكون لازم العلّة وليس علّة، مثلا إذا قلت: "اكرم العلماء في البلدة" ولم يكن المقصود نفس العلماء بل المقصود تقي واحد في البلدة، فتكون علّة الاكرام كونه تقيا. ويقال ان الشريف المرتضى (ره) انما قال بعدم حجيّة خبر الواحد حتى يستطيع التهرّب من الروايات الكاذبة المخالفة للكتاب والسنّة، مثلا عدم اعتباره لرواية وكون سندها معتبرا عن البعض قال بان خبر الواحد ليس بحجة. العلّة الحقيقية وراء انكاره لحجيّة خبر الواحد ليس لان الخبر الواحد ليس بحجّة، ليس للوصف بالمظنون ولا بالواحد، بل لهروبه من قبول الرواية، فقد تكون العلّة هي وصف وقد تكون أمرا لازم للوصف أو ملزوم له.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo