< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/05/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد:

 

     معنى لفظ جهالة: معنيان اصلهما واحد: الجهل والسفاهة.

     معنى لفظ الفسق.

     قولنا في ان الآية ليست دليلا على حجيّة خبر الواحد بل هي ارشاد لما عند الناس.

 

نكمل الكلام في معان كلام الآية الكريمة.

2- الجهالة: مشتقة من الجهل بكل معانيها، أو انها مصدر ثانٍ لنفس المعنى ككلمة "عمالة".

والجهالة على معنيين:

الاول: الجهالة مقابل العلم، أو أن يفعل شيئا من غير علم، فتكون اسما للعمل والفعل فلا تكون مرادفة للجهل.

الثاني: بمعنى السفاهة والحماقة، وهذا المعنى لا يزال مستعملا في اللغات العربية العاميّة، ففي العراق مثلا يقال: "فلان جاهل"، لا بمعنى عدم العلم، بل بمعنى أنه يفعل بشكل غير عقلائي، أو سفيه، أو أحمق أو غير حكيم. فالجهالة بهذا المعنى تقابل الحكمة.

يقول الشاعر: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله واخوه الجهالة في الشقاوة ينعم

ويجتمع المعنيان في لازم الإصابة وهو الندم، كما في الآية الكريمة: ﴿فتصبحوا على ما فعلتم نادمين﴾.

فقد يقال: إن اريد المعنى الثاني -أي السفاهة- فلا علاقة لها بما هو محل البحث وهو الخبر غير المفيد للعلم، فان الآية لا تدل على العمل بغير العلم أي هل أن الخبر الواحد الظني حجّة أو لا؟

فيكون المراد: "لا تندموا بعمل أمر غير متصف بالحكمة"، والفاسق بالمعنى الشرعي لا يعني كون افعاله عند العقلاء سفاهة، فالعقلاء لا يرون في العمل بخبر شارب الخمر سفاهة. فالفاسق بالمعنى الشرعي هو الذي يرتكب المحرمات الشرعيّة وصار فاسقا وتسقط عدالته. والفسق بالمعنى الشرعي ليس أمرا خلاف الحكمة عند العقلاء.

فإنه يقال: إذا لا حظنا معنى الفاسق هنا فالظاهر أن المراد منه الكذاب أي لا تأخذوا بخبر الكذّاب، لان الوليد قد كذب عليهم، وعائشة كذبت وافترت على مارية القبطية.

3- الفاسق: الظاهر أن جميع المعاني التي استعمل فيها لفظ الفسق هي ذات منشأ واحد، وهو الخروج، فهو الخروج عن الأمر، والخروج عن الطاعة، والخروج عن الدين، والخروج عن أمر الله، ولذلك قالت العرب عن "الرطبة" إذا خرجت من قشرها "فسقت"، وسميت الفأرة "فويسقة" لانها خرجت من حجرها.

يقول ابن منظور في قوله تعالى: ﴿أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [1] روى عن مالك أنه الذبح، ذبح للأوثان وليس لله. وفي قوله تعالى: ﴿بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ﴾ [2] أي بئس الاسم تقوله له: "يا يهودي، ويا نصراني" بعد أن آمن، أي لا تعيّروهم بعد أن آمنوا. ويحتمل أن يكون كل لقب يكرهه الإنسان، وإنما يجب أن يخاطب المؤمن أخاه بأحب الأسماء إليه، هذا قول الزجاج.

وأما الفاسق في الآية فليس المراد منه الكذاب أو الذي اعتاد الكذب، أو الكاذب في خصوص هذه الواقعة، لأن الناس لا تغضب لسماعه ولخبره عادة.

إذن ما هو المراد من الفاسق هنا؟

فنقول وبالله الاستعانة: الوليد كان من وجوه القوم، وكان عاصيا لله سابقا محاربا لرسوله، ثم أسلم مع من اسلم خضوعا للأمر الواقع، وهذا لا يعني أنه اصبح عادلا بمجرّد الإسلام، بل كان لا يزال بنظر الناس وعند الله فاسقا، وهذا يكشف عن أن كذبه كان مقدّمة لمعصية قبيحة كانت في نفسه وهي الانتقام من بني المصطلق بتأليب المسلمين عليهم. وهنا نستطيع أن نستفيد أمرا آخر وهو: أن الآية نزلت ليس في خصوص الوليد بل هي ابعد من ذلك وإن الله عز وجل أراد أن يقول لنا إن مجرّد استعمال شخص من قبل رسول الله فهذا لا يعني عدالته عند رسول الله (ص) فلفت النظر إلى ذلك، وهذا الأمر ينفعنا في قواعد علم الرجال، في مسألة توثيق من استعملهم الأئمة (ع) كزياد بن ابيه الذي استفيد منه وهذا لا يعني توثيقه، وينفعنا في مسألة تعريف العدالة وانها ملكة لا تصل إلى حدّ العصمة وليست مجرّد ترك المحرمات وفعل الواجبات، أي بمجرّد صيرورته مسلما، ورؤية الرسول (ص) لا يعني حدوث ملكة العدالة عنده.

وهذا ينفعنا بأن هناك عادل وفاسق وأيضا لا عادل ولا فاسق، فالعدالة عندنا أمر وجودي وكذلك الفسق أمر وجودي، فهما ليسا من باب الملكة وعدمها، ولذلك في علم الرجال قلنا ان الوثاقة لا تثبت بمجرّد ان يكون رجلا لم يكذب ولم يسرق، فالوثاقة تحتاج إلى اثبات لنها أمر وجودي، بخلاف العدالة الشرعية التي تثبت بـ : "اللهم لا نعلم منه إلا خيرا" فان ذلك تكفي، اما العدالة المطلوبة في اثبات الاحكام في شيء آخر أهم من العدالة الشرعية لانه تترتب عليها الاحكام.

وعلى أية حال، فقد استدل بالآية على حجيّة خبر الواحد بأمرين: بمفهوم الوصف وبمفهوم الشرط.

ومسبقا نقول ان الآية لا علاقة لها بحجيّة خبر الواحد واضطررنا لبحثها وسنبحثها بشكل مختصر لما في ضمنها من فوائد، فخبر الواحد حجّة لتباني العقلاء على ذلك ولا داعي للإستلال بالآية التي هي مجرّد ارشاد لما عند الناس.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo