< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/05/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد:

 

     مورد نزول آية النبأ.

     فسق الوليد بيّنه القرآن، وردّ محاولات بعض أبناء العامة من تبرئته.

     يحتمل قويا ان الذي غضب هم المسلمون، وتوصيف الرسول (ص) بالغضب في هذه الحادثة توهين للرسول (ص) ولخلقه العظيم.

 

نعود لتفسير مورد نزول آية النبأ وقلنا انها نزلت على روايتين، الرواية الاولى انها نزلت في الوليد بن عقبة بن ابي معيط، والرواية الثانية انها نزلت في عائشة زوجة النبي (ص).

بعد ان ذكرنا الرواية، هناك نقطتان لا بأس بلفت النظر إليهما:

الاولى:
إن الوليد كان فاسقا، هكذا وصفه القرآن، ولا يلتفت إلى ما ذكره الكثير من العامّة الذين حاولوا تبرئة الوليد من قبح فعلته الذي قفل راجعا وادعى ان بني المصطلق أرادوا قتله ومنعوا الصدقات، كذبا. وهو ابن عقبة بن ابي معيط الذي آذى رسول الله (ص) كثيرا وكان يضع السلا في طريقه، وقتل يوم بدر، وكان من وجهاء قريش، وكان أمويا، وأخ عثمان من أمه، ونذر الرسول (ص) نذرا أن يقتله لما في عقبة من لؤم وخبث وأذى.

والوليد ابنه – صار واليا على الكوفة في زمن عثمان بعد ذلك – أرسله رسول الله (ص) على الصدقات، وكان بينه وبين بني المصطلق عداوة في الجاهلية، فلما رآهم قد اجتمعوا لاستقباله فرحين قفل راجعا، وقد ادّعى أنهم منعوا الصدقات وخاف أن يقتلوه.

وأغلب الظن عندي أنه ادّعى ذلك ليثير المسلمين على بني المصطلق فيغزوهم، وبذلك يكون قد انتقم منهم. ولذلك وصفه القرآن بأنه فاسق. والغريب من علماء العامّة كيف يحاولون تأويل القرآن على خلاف ظاهره بلا دليل واضح على ذلك.

يقول البغوي: "وهذه الآية الكريمة وإن دلّت وأكدت على وجوب التثبت من خبر الفاسق، إلا أنه لا يلزم من ذلك وصف الوليد بن عقبة بالفسق، لأن الوليد لم يتعمّد الكذب...".

ويقول الفخر الرازي: "ما ذكره المفسرون من أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن ابي معيط حين بعثه إلى بني المصطلق إن كان مرادهم ان الآية نزلت عامّة لبيان وجوب التثبت من خبر الفاسق، وأنها نزلت في ذلك الحين الذي وقعت فيه حادثة الوليد فهذا جيد. وإن كان غرضهم أنها نزلت بهذه الحادثة بالذات فهو ضعيف لأن الوليد لم يقصد الإساءة إليهم .... والمخطئ لا يسمّى فاسقا".

وهكذا الزرقاني وغيره. فنمط التخريجات والتفسيرات واحد، خصوصا بعد ما ثبت عصمة الصحابة كما يقال وعلى الأقل أنهم عدول أي على نظرية عدالة الصحابة، وقطعا ان الوليد من الصحابة ولذلك خرج بعموم عدالة الصحابة عن الفسق، وكل ما في الامر ان الآية نزلت في وجوب التثبت من خبر الفاسق.

أقول:
أن الرواية إذا كانت واردة كما هو في التفاسير في موردين على روايتين، هناك قاعدة عنه الخاصّة والعامّة: "ان المورد لا يخصص الوارد"، ولكنه أيضا لا يخرج المورد عن الوارد، فمورد النزول لا بد أن يشمله الوارد. فالقرآن طبق كليّ الفاسق على الوليد، وحينئذ دلّنا القرآن على قصده القبيح. ولان المورد لا يخرج من الوارد امكن الاستدلال بالآية الكريمة على حجيّة خبر الواحد في الموضوعات، لانها نزلت في الموضوعات، أي في قضيّة الوليد أو قضيّة عائشة.

لذلك نكرر ونقول لهم صحيح ان المورد لا يخصص الوارد لكنه لا يخرج عنه، ومورد النزول لا بد ان يشمله الوارد والقرآن طبق كلّي الفاسق على الوليد بناء على الرواية، وحينئذ القرآن هو الذي دلّنا على قصد الوليد القبيح.

النقطة الثانية:
إن رسول الله (ص) هو أكمل إنسان في المخلوقات، وهو الفاضل الحكيم العاقل إلى غير ذلك من الصفات حتى وصفه الله عز وجل بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [1] ، وهل من عظيم الخلق أن يغضب لخبر نقله إنسان فاسق.

والذي أراه: ان ما ذكر طعن بخلق رسول الله (ص) وأما الذين غضبوا فهم المسلمون الصحابة والناس العاديون عندما سمعوا قول الوليد، دون رسول الله (ص)، والذي يدلّ عليه أن الخطاب كان للمؤمنين: "يا أيها الذين آمنوا" وهو خطاب لكل من أسلم، لاحظ قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا [2] وقوله تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْم﴾ [3] والخطاب واحد، ليس للرسول (ص)، فلم يقل "يا أيها النبي" أو "يا أيها الرسول"، واعتقد أن قول المؤرخين: "وهمّ أن يغزوهم الرسول" من إجتهاداتهم وحدسهم لا من نقل حسيّ، ولعلّ الدافع إلى ذلك كما في كثير من النصوص المفبركة ارادوا اظهار الرسول كإنسان عادي في خُلقه كما نلاحظ ذلك في كثير من الوقائع.

ونحن لا ننسى ان بني اميّة وقريشا بشكل عام حاربوا الاسلام حربا شعواء يشيب لها الصغير ويهرم لها الكبير، فترة عشرين سنة تقريبا من زمن البعثة النبويّة إلى فتح مكّة المكرّمة في السنة الثامنة للهجرة، عندما اسلموا دفعة واحدة لم يصبحوا مباشرة مؤمنين صالحين، اسلامهم كان من باب الامر الواقع، وهم أهل دنيا وسلطة ومن المعيب على مؤرّخ أو باحث أو عقائدي أو عالم أن يقول: "ان الصحابة عدول" إذ انهم نظروا إلى رسول الله (ص) دخل النور في قلبه وإلى آخره من الصفات. هذا الكلام معيب، فابو جهل رأى الرسول (ص) وكذلك ابو لهب وغيرهما من الكفار، هذا الكلام ليس كلام عالم، بل هو كلام اقل من شعبوي، نعم نحترم انهم صاحبوا رسول الله (ص) وناصروه وآزروه، وهذا لا يعني انه اصبح عادلا وعلى احسن وجه، وهذا بغضّ النظر عن أدلتهم الأخرى كالحديث الذي يرونه " اصحابي ككالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم"، ثم إن هؤلاء الذين حاربوا الاسلام الحرب الشعواء صاروا هم حكام المسلمين، الخليفة والامراء والولاة منهم، فلنراجع سيرتهم في كتبهم حتى كتب ابناء العامّة ومؤرخيهم وليس في كتبنا فقط، كانوا عبارة عن سلطة دنيويّة، يشربون الخمر علنا وغير ذلك، من محو الدين وقتل النفس المحترمة أهم واكثر من شرب الخمر والفسوق.

ولوجود نوع من التنافس في الاعماقهم، وهذه من صفات الجاهليّة المترسخة في اعماق نفوسهم، حاولوا اظهار الرسول (ص) كإنسان عادي، ابو سفيان كان يقول للعباس بن عبد المطلب: "لقد اصبح ملك ابن اخيك عظيما"، وقول الآخر: "لعبت هاشم بالملك" كما في بعض الروايات، المسألة عندهم " ملك وسلطة" كما نلاحظ في كثير من الوقائع انهم اظهروا الرسول (ص) كانسان عادي في تصرفاته وهناك العديد من الروايات التي تشير إلى ذلك ذكرت رواية منها يرويها اليعقوبي وغيره في كتاب "لو بايع الحسين (ع)" ان معاوية بن ابي سفيان قال: " فوالله إلا دفنا دفنا".

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo