< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/05/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: خبر الواحد

 

     خبر الواحد الذي هو محل البحث هو غير مقطوع الصدور، ويمكن بهذا التفريق الجمع بين اجماع السيد (ره) والشيخ (ره).

     هل بحث خبر الواحد من مباحث علم الأصول.

    

ادلّة حجيّة خبر الواحد من الكتاب: أ- آية النبأ، مورد نزول الآية.

 

وخبر الواحد على اصطلاحين:

الأول: بمعنى الضعيف غير المعتبر، وهذا لا شك في عدم اعتباره، فعدم الاعتبار مأخوذ في مفهومه فتراهم يقولون في مقام تضعيف المنقول بالخبر: هذه أخبار آحاد.

الثاني: بمعنى غير قطعي الصدور، وهذا هو محل الكلام، لان ما كان قطعي الصدور خارج عن محل الاخذ والرد، والحجيّة وعدمها، والادلّة على الحجيّة وعدمها. كلامنا في المظنون أو الموهوم أو المشكوك.

ولعلّه بهذا المعنى يكون احد تخريجات التعارض بين الاجماعين: اجماع الشيخ الطوسي (ره) الذي نقل الاجماع على الاعتبار، واستاذه الشريف المرتضى (ره) الذي نقل اجماع الطائفة على عدم اعتبار خبر الواحد. مع العلم انهما متعاصران ومتلاقيان وعلاقاتهما مشتركة كلاهما في بغداد، كيف تمّ هذا النقل المتعارض؟

ولعلّ الاصلح هو الأول هو مراد السيد المرتضى (ره) هو ان معنى خبر الواحد هو الضعيف غير المعتبر، فيمكن حينئذ الجمع بين الاجماعين المنقولين، وان مراد الشيخ الطوسي (ره) هو المعنى بالاصطلاح الثاني.

قبل الشروع في الأدلّة نشير ان هناك أبحاثا ذكرت ودوّنت، لا أرى فيها كثير ثمرة بل حتى قليل الثمرة، مثل أن مبحث حجية خبر الواحد - على اهميّته وسعته وأثره الكبير- ، هل هو من مباحث علم الأصول أو لا؟

وهذا في أول "الكفاية" و "الفصول" اخذ منهم مأخذا، وسأذكر ملخصا ما ذكروه:

انه إذا قلنا ان موضوع علم الأصول هو الأدلّة الأربعة بما هي هي، أو الأدلة الأربعة بما هي أدلّة، والأدلّة الأربعة: هي الكتاب، والسنّة، والإجماع، والعقل.

ما المراد من السنّة؟ المراد منها سنّة النبي الواقعيّة وليس السنّة المنقولة، فالأخبار ليست سنّة، هي اخبار كاشفة عن السنّة. الحجّة هو السنّة الواقعيّة ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾ [1] هي السنّة الواقعية التي تشمل قول المعصوم وفعله وتقريره. وفي المقابل عرّفوا العلوم: "بان موضوع كل علم ما يبحث عن عوارضه الذاتية أي بلا واسطة في العروض"، البحث يكون عن عوارض الموضوع، والبحث عن الخبر وحجيته وعدمها واعتباره وعدم اعتباره لا علاقة له بواقع السنّة، فاعتبار الخبر او عدم اعتباره ليس من عوارض السنّة أصلا.

حاولوا ان يبرروا هذا الموضوع بان الخبر من عوارض السنّة الواقعية بأن يقال: هل السنّة الواقعيّة يمكن تتميم الكشف عنها بالأخبار ولو اعتبارا بناء على ان حجيّة الامارات طريقيّة بمعنى تتميم الكشف؟ حينئذ تصبح من عوارض السنّة.

أو أن نقول: أنه بناء على ان معنى الحجيّة المؤسّس هو التنجيز والتعذير، فالأمارة إن أصابت تنجز الحكم، وإن أخطأت يكون المكلّف معذورا.

فالنتيجة: أن هذه الأخبار إن تمّ اعتبارها وهي تنجّز وتؤدي إلى ثواب عن السنّة الواقعيّة، وأيضا انت معذور بمخالفة السنّة الواقعيّة.

هذه المسألة أخذت صفحات، حتى السيد الخوئي (ره) يرد على قولهم من أنه لا بد لكل علم من موضوع تدور مسائله حوله ولا بد من ذلك"، نسأل ان هذا "اللابديّة" من أين أتت؟ فليكن هناك موضوعان أو أكثر. نعم لا بد من وحدة الغاية.

لن أطيل الكلام في هذا الموضوع لأني لا أرى ثمرة مهمّة فيه، فحجيّة خبر الواحد من أهمّ المطالب في مباحث علم الأصول، إذا خلا كتاب في علم الأصول من مبحث خبر الواحد يستهجن على المؤلف ذلك ويعاب عليه بانه لم يكمل ابحاث علم الاصول، نقول انه لا شك ولا ريب انه من مباحث علم الأصول.

ونذكِّر اننا قلنا في الفرق بين المسائل الاصوليّة والمسائل الفقهيّة، ان هناك اقوال في تعريف المسألة الاصوليّة؟

بعضهم قال ان معناها هو ما كان فيها اجتهاد، والمسائل الفقهية ما كان فيها تطبيق. وبعضهم قال انها ما كانت تنقح كبريات القياس الواقع في تنقيح المسألة الفقهية، ولعلّه ذكرنا سابقا التفريقات وقلنا هناك انه ما هو الداعي للتمييز بين المسألة الاصوليّة والمسألة الفقهيّة، قلنا انه كل ما أدّى إلى هذا الغاية في سلم العلوم وفي الدرجة الأخيرة، فهو مسألة اصوليّة.

كتاب الأصول موجود فيه مباحث الالفاظ بعضهم يقول أنها ليست مسألة اصوليّة وما ذكروه لا ينطبق على مباحث الالفاظ، بل هي مسائل لغويّة تبحث عن المعاني مثلا ما معنى المشتق، وما هو مفهوم صيغة الأمر والنهي، هذه معانٍ والفاظ، فلا علاقة لها مباشرة بالمسألة الاصوليّة بل هي مقدمات في عالم الاستنباط، ومع ذلك إذا كتب كتاب من دون مباحث الالفاظ هل يسمى كتاب أصول شاملا؟

فإذن هناك أمر واقع هذه المباحث تتفق في الغاية، فإذا تمّ تداولها في علم الأصول صارت منه، لذلك ورد عن النائيني (ره) في تعريف المسألة الاصوليّة ان نتيجتها تقع كبرى في قياس إلى المسألة الفقهيّة. هذا التعريف قريب جدا لكن في واقع الأمور ليست كل المسائل تقع كبرى. فاشكلوا عليه بمباحث الالفاظ فصيغة الامر من مباحث علم الأصول قطعا ومع ذلك لا تقع كبرى. فالإشكالات وقعت على أمور مفروغ منها واخذنا ان نحاول تعريف علم الأصول ما هو؟ وما هي المسائل الاصوليّة؟ فأخذت مأخذا كبيرا. لذلك نكتفي بهذا ونبدأ بالأدلّة.

مبحث خبر الواحد من اهمّ مباحث علم الأصول، بل أهمّها على الاطلاق، سنبحثها في كتب الأصول وعلم الأصول شأنا أم أبينا.

ادلّة القول بحجية خبر الواحد:

نبحث المسألة بالمعنى الثاني أي بالخبر الواحد غير مقطوع الصدور وليس بالمعنى الأول أي الضعيف، وهذا ما قصده الشيخ الطوسي (ره)، هل هو حجّة؟

هناك من قال بالحجيّة، وهناك من قال بعدمها، وهناك من فصّل بتفصيلات متعددة مثلا: الفرق بين العدل وغيره، الموثوق وغيره، الثقة وغيره، أو لا داعي للكذب، إلى غير ذلك من التفصيلات والاقوال.

والتفصيلات فرع عن الأصل أي كل ما دلّ على أصل الحجيّة منه نرجع اليه في التفصيل، مثلا: إذا استدللنا بالكتاب، في التفصيل نرجع للكتاب فإذا كان الدليل: ﴿ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [2] يكون خبر العادل هو الحجّة وليس مطلق الثقة، فابناء العامّة والفطحيّة والواقفيّة والبتريّة خبرهم حبنئذ ليس بحجّة. أما لو كان الدليل بآية "النفر" يكون الدليل بتفصيل آخر.

وإذا قلنا ان الدليل سيرة العقلاء يكون أيضا بتفصيل آخر، والأدلّة أخرى كذلك.

استدل على حجيّته بالكتاب، وبالسنّة، وبالإجماع، وبالعقل، وبسيرة العقلاء.

اما الكتاب: فقد استدل بآيات:

منها قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [3]

مورد نزول الآية: اختلفت الأخبار في نزولها على موردين:

الاول: نزولها في الوليد بن عقبة بن ابي معيط وقصته مع بني المصطلق.

والثاني: نزولها في عائشة وقصتها مع مارية القبطية.

أما المورد الاول: فقد ذكره معظم أبناء العامّة، وقد ذكره الطبرسي في تفسيره مجمع البيان وكذلك في تفسير فرات.

تفسير الطبرسي: النزول: قوله ( إن جاءكم فاسق ) نزل في الوليد بن عقبة بن ابي معيط بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صدقات بني المصطلق، فخرجوا يتلقونه فرحا به، وكانت بينهم عداوة في الجاهلية، فظن أنهم هموا بقتله، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: إنهم منعوا صدقاتهم، وكان الامر بخلافه. فغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم أن يغزوهم، فنزلت الآية، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة.

وقيل: إنها نزلت فيمن قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إن مارية أم إبراهيم يأتيها ابن عم لها قبطي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا عليه السلام وقال: يا أخي! خذ هذا السيف فإن وجدته عندها فاقتله. فقال: يا رسول الله! أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة أمضي لما أمرتني، أم الشاهد يرى مالا يرى الغائب؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: بل الشاهد يرى مالا يرى الغائب. قال علي عليه السلام: فأقبلت متوشحا بالسيف، فوجدته عندها، فاخترطت السيف. فلما عرف أني أريده أتى نخلة فرقى إليها، ثم رمى بنفسه على قفاه، وشغر برجليه. فإذا أنه أجب أمسح، ما له مما للرجال قليل، ولا كثير. فرجعت فأخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: الحمد لله الذي يصرف عنا السوء أهل البيت. [4]

سنعلّق على بعض الامور في هذه الرواية، اولا هل اخلاقيات رسول الله (ص) تنطبق عليها، ثانيا: الروايتان نقلهما الطبرسي وقال: "وقيل"، إذن هناك نقاط نتكلم بها، وسنأتي بأقوال أبناء العامّة، ثم نأتي باقوال اخرى.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo