< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/05/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجية سدّ الذرائع.

 

     نتيجة قاعدة سدّ الذرائع.

     خبر الواحد.

    

اقسام الخبر: مقطوع الصدور وهو المتواتر والمحفوف بقرينة قطعيّة، واقسام التواتر.

     محل النزاع هو خبر الواحد غير المقطوع بصدوره سواء كان ظنيا أو متوهما أم مشكوكا.

 

عظم الله اجوركم باستشهاد سيدتنا ومولاتنا السيّدة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)، اعظم امرأة في تاريخ البشريّة، ولا بأس ان نرى القرآن الكريم كيف بيّن عصمتها وافضليتها ووجوب اتباعها وانها رمز لكل المسلمين في الدنيا بل لكل العالم.

نعود لسدّ الذرائع وما يسمّى عندنا بمقدمة الحرام، والظاهر انهما من باب واحد فلا داعي لجعلهما بابين، وما نقوله في مقدمة الحرام نقوله هنا أيضا.

نعم، إذا كان عند أبناء العامّة هناك بابان، بحث مقدمّة الواجب وبحث مقدمة الحرام، فلنسألهم هم ما الفرق بين مبحث سدّ الذرائع ومبحث مقدمة الحرام؟ وحرمة مقدمة الحرام عندهم اجماعا تقريبا لذلك قالوا بالإجماع في سدّ الذرائع.

نحن قلنا ان مقدمة الحرام ليست محرّمة، لكن في عالم الامتثال لا يمكن الامتثال إلا بترك المقدّمة، وهذا لا يعني انه في عالم التعلّق يتعلق حكم بها. هذا التفريق هام جدا في عالم التطبيق والاستنباط وفهم المطالب، عالم الامتثال يختلف عن عالم التعلّق، لذلك ذهبنا إلى تعلّق الاحكام بالطبائع لا بالأفراد وذلك للتفريق بين عالم التعلق وعالم الامتثال، ولم نستدل على ذلك بما هو متداول من الادلّة بانه لو كان متعلقا بالفرد فاما ان يكون قبل وجوده او بعد وجوده، فان قبل وجوده تعلّق الموجود بالمعدوم، وان كان بعد وجوده يكون من تحصيل الحاصل.

هذا النمط من الاستدلال جيد، لكن نحن لا نذهب إلى هكذا نمط، بل نذهب إلى الوجدان، وارجاع المسألة إلى جذورها، فالأحكام في عالم التعلق ناظرة إلى الطبيعة، وليس بما هي متصورّة وإلا أصبحت لا وجود لها إلا في الذهن كما يقول صاحب الكفاية (ره) بل بلحاظ آثرها عند الامتثال.

اكرر فلنفرق بين عالم التعلق وعالم الامتثال والوجود الخارجي، في عالم الامتثال مقدمة الواجب لا بد منها، ومقدمة الحرام لا بد من تركها، لكن في عالم التعلّق بالأحكام والاحكام لا تتعلّق بالأفراد بل التعلّق بالطبيعة، المقدمة لا علاقة لها بالأحكام، فالمقدمة ليست محكومة لا بالوجوب الغيري المولوي ولا بحرمة غيرية مولويّة.

وعندما نقول انها لا تتعلق بالأحكام لا يعني انه لا ينظر للخارج بل يلحظ الخارج، ففرق بين الاستعمال واللحاظ، وفرق بين التعلّق واللحاظ كما بيّنا ذلك سابقا.

فلا مقدمة الواجب ولا مقدمة الحرام يتعلق بها حكم شرعي مولوي جعلي مقدمي، نعم يتعلق بها حكم نفسي كما في الوضوء الذي تعلّق به حكم استحبابي، ثم جعل هذا الوضوء العبادي الاستحبابي مقدّمة لواجب نفسي كالطواف أو الصلاة.

ان قلت: إذا كانت المقدّمة ليست محرّمة فذلك يعني جواز ارتكابها، وهذ كلام معظم القدماء، ومع ارتكابها نعجز عن ترك ذي المقدّمة فأين المعصية حينئذ؟

فمثلا في المثال في الآية الكريمة: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾[1] فسب الآلهة مقدمة لسب الله عز وجل ، فإذا كان فعل المقدمة ليس محرما كما تقول وفعل ذي المقدمة وهو سب الله ليس فعل المكلّف وهو فعل الكفار فأين محلّ المعصية؟

قلت: المعصيّة في حصول ذي المقدمة، وليست في نفس المقدمة، تماما في مقدمة الواجب، وقد قلنا فيها سابقا ان مقدمة الواجب أو الحرام لا يكون فيها ملاك الوجوب ولا الحرمة، إذ لو خليت وشانها لم تكن واجبة ولا حراما، نعم في عالم الامتثال قد يرشدنا الشارع إلى مقدّميتها، وقلنا ان المقدمية على قسمين: مقدمية واقعية تكوينيّة ومقدمية اعتبارية كما في إرشاده إلى مقدمية الوضوء للصلاة، وهذا لا يعني وجود حكم غيري مجعول للوضوء، بل يبقى للوضوء حكم شرعي واحد، وهو استحبابه لوجود ملاك الاستحباب فيه، أما الوجوب الشرعي فلا دليل عليه، نعم الوجوب العقلي الذي هو في مقام الامتثال لا في مقام التعلّق ثابت قطعا.

النتيجة: قاعدة سدّ الذرائع لا دليل عليها عندنا، وهي كمقدمة الحرام عندنا وهي ليست محرّمة.

إلى هنا نكون قد انتهينا من الأبواب الأربعة: القياس، والاستحسان، والمصالح المرسلة، وسدّ الذرائع.

خبر الواحد:

لا شك ولا ريب في حجيّة الخبر في الجملة، فقد كان رسول الله (ص) يبعث الأرصاد، واخبار العين خبر واحد، وهم قلّة من الأصحاب، ليأتوه بما تُعدّ له قريش، وما يهيؤه له مشركو القبائل العربيّة، مثلا: نمي إليه أن بني المصطلق يجمعون الجموع لغزو المدينة وقد جمعوا أكثر من ثلاثة آلاف رجل في المريسيع فبنى على ذلك، وهاجمهم قبل أن يهاجموه، وهذا يدل على أن الهجوم الاستباقي الدفاعي جائز.

فالعمل بالخبر مما لا شك في اعتباره في الجملة، لكن وقع الكلام في سعة ذلك وضيقه. [2]

تحرير محل النزاع:

الأخبار على قسمين: خبر مقطوع الصدور وخبر غير مقطوعه.

أما مقطوع الصدور فهو إما متواتر وإما محفوف بقرينة قطعيّة. والمتواتر كما مرّ معنا هو اخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على كذب وهو على أقسام:

إما بالتواتر الإجمالي، وهو القطع بصدور بعض الأخبار من مجموعة كثيرة، كأن أقطع بالوجدان أن بعض ما ورد في كتاب الكافي قطعي الصدور من دون العلم بأعيانها، أي من دون التفاصيل والتمييز.

وإما بالتواتر المعنوي، وهو القطع بصدور المعنى، وإن صدر بعدّة الفاظ، أي المعنى المشترك بين عدّة روايات.

وإما بالتوتر اللفظي، أي القطع بصدور اللفظ، مثل: "من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه" الصادر عن كل الفئات المختلفة والمتخالفة من المسلمين لكن فسّر بعدّة معانٍ.

وأما مقطوع الصدور بالقرينة القطعيّة فهو ما صدر عن شخص أو أكثر، ثقة أم غير ثقة، مع قرينة ترافقه تؤدي إلى صدوره كالمثال الذي ضربه صاحب المعالم (ره) من إخبار شخص مجهول بأن الملك قد مات، فيخرج السامع إلى الشارع ليرى شعائر الحزن والسواد تعمّ البلاد، فيتيقّن من الخبر. [3]

وأما الخبر غير القطعي الصدور فهو محل الكلام، سواء كان ظنيا، أو متوهما، أو مشكوكا. وهو ما يسمى بخبر الواحد. وخبر الواحد له اصطلاحان، يختلف احدهما عن الآخر ولعلّه في هذين المصطلحين هناك بعض المخارج في التعارض

بين الاجماعين: اجماع الشيخ الطوسي (ره) بالعمل بخبر الواحد واستاذه الشريف المرتضى (ره) الذي نقل الاجماع بان خبر الواحد ليس بحجة.


[2] بلا شك مبحث الخبر الواحد من أهم المباحث في علم الأصول لان أكثر الأجزاء والشرائط في العقود والعبادات والايقاعات دليلها من الاخبار. واذكر اني كنت في مجلس مع بعض الفضلاء، بعضهم قال ان علم الأصول لا يزيد ولا ينقص ما دمنا نعمل بالاخبار، وقال بعضهم ان التغيير قليل جدا بين مجتهد وآخر. كان الجواب منا أن هذا الكلام غير سليم، فعلم الأصول لعلّه يغيّر اكثر من نصف الفقه أو أكثر، يكفي القول اننا نعمل بالاخبار ويأتي السؤال أي خبر نعمل به؟ قطعا نعمل بخبر الثقة، لكن هذا يحتاج للدليل، كذلك العمل بالاخبار الموثوقة، وكذلك العمل بخبر العدل، أي الامامي، واشترط بعضهم العدالة فلا يعمل باخبار الواقفية والفطحية لانهم ليسوا اماميّة. فإذا استبعدنا اخبار الواقفة والفطحية وغيرهم ينتفي العمل بحوالي نصف الروايات ونصف الفقه قد يتغير. مبحث واحد في الأصول نصل به إلى هذه النتيجة كيف ببقية المباحث، علم الأصول علم أساسي، نحتاج أولا لبيان القواعد ثم نطبقها، والفقه عبارة عن تطبيق هذه القواعد على الموضوعات لاستنباط حكم شرعي. وفي خبر الواحد هناك تبانِ على العمل به، حتى السيد المرتضى (ره) الذي قال: "أجمعت الطائفة على عدم حجية خبر الواحد هو يعمل بالاخبار.
[3] هذا مقطوع الصدور إذا سمع مباشرة من ناقل الخبر، اما القرينة القطعية فهي هنا لصحة مضمون الخبر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo