< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/05/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: سد الذرائع.

     حجية سد الذرائع، نقل كلمات أبناء العامّة فيه، وانه مجمع عليه عندهم.

     الظاهر ان سدّ الذرائع عندهم قريب من مقدمة الحرام التسبيبية.

     الكلام في سدّ الذرائع يختلف بحسب الدليل في مقدمة الحرام.

 

إذن سدّ الذرائع ما يمكن ان يساوق عندنا مقدّمة الحرام، لكي يمنعه الحرام يمنع مقدمته، وكل حسب مبناه.

حجيّة سدّ الذرائع:

قال ابن القيم: والشارع حرّم الذرائع، وإن لم يُقصد بها المحرّم، لافضائها إليه، فكيف إذا قصد بها المحرّم نفسه.

وللتذكير الشيخ الانصاري (ره) قال: "ان المقدمة انما تجب إذا قصد بها التوصّل" وهذا الكلام قريب من كلام ابن القيّم.

وقال آخر: قاعدة سدّ الذرائع حجّة معتبرة في الاحكام الشرعيّة، وأصل جرى التصرّف به في الكتاب والسنّة وعمل به الصحابة، وقد ذهب إلى ذلك المالكية والحنابلة. وأصل سدّ الذرائع معتبر من حيث العمل به عند المذاهب الأربعة كافّة، وإن حكي الخلاف فيه.

وقال الشاطبي: وقد عمل به السلف بناء على ما تكرّر من التواتر المعنوي [1] في نوازل متعددة دلّت على عمومات معنويّة، وإن كانت النوازل خاصّة، ولكنها كثيرة.

وقال القرافي: فليس سدّ الذرائع خاصا بمالك، بل قال بها هو أكثر من غيره، واما أصل سدّها مجمع عليه.

أقول: الظاهر بحسب فهمي أنهم قصدوا بسدّ الذرائع ما يساوق مقدمة الحرام في ما لو كانت المقدّمة سببا تاما للحرام أي سببا توليديا، أو غالبا كذلك.

وعليه: فمن قال من فقهائنا بأن مقدمة الحرام حرام في حال كونها تسبيبا توليديا، أي بالحرمة الغيرية الشرعيّة [2] ، فأني لا أجد فرقا بين حرمة الشيء لانه مقدمة الحرام وبين حرمة الشيء بقاعدة سدّ الذرائع، فكلاهما حرام بالحرمة المولوية الغيرية سواء كان بسدّ الذرائع أو مقدمة الحرام.

أما إذا لم نقل بحرمة مقدّمة الحرام -كما ذهبنا إليه [3] - فإن ادلّة حجيّة قاعدة سدّ الذرائع كلها ساقطة، ولا دليل عليها أبدا.

فالتواتر المعنوي الذي ذكروه أي المعنى المتصيّد من الحوادث النازلة كقضيّة صيد الحيتان وسب آلهة الكفار، فإننا لا نفهم جعلا شرعيا مقدميا أي بحرمة صنع الحياض، بل ما نفهمه هو بيان المقدّمية مثلا: " إذا قمتم إلى الصلاة فغسلوا وجوهكم ... " الله جعل الوضوء مقدمة وإلا ليس هناك رابط واقعي تكويني ندركه بين الوضوء والصلاة، في كل الأديان الصلاة موجودة قبل الإسلام وبعده ولا علاقة للصلاة بالوضوء من ناحية وجودية ثبوتية عقليّة، الله عز وجل في الآية الكريمة جعل الوضوء مقدمّة للصلاة وهذا لا شك يحتاج للاعتبار من المولى، وقلنا سابقا ان المقدّمة اما عقلية تكوينية ثابتة واما اعتبارية اعتبرها المولى، فالوضوء عبادة هو مستحب بذاته وعباديته لم تنشأ من مقدميته، ومع عدم الوضوء لا عقاب عليه لعدم وجود الوجوب الذاتي له وليس هناك وجوب جعلي خاص به حتى يأتي إشكال اجتماع الحكمين. وأن سب الآلهة يكون مقدّمة لسبههم لله سبحانه، فلا يكون في الآية دليل على تحريم سب الآلهة، لا تحريما نفسيا ولا تحريما غيريا كجعل، بل هو مجرّد إشارة إلى المقدّميّة والتسبيب.

 


[1] التواتر المعنوي: وهو ظهور معنى مشترك بين روايات عدّة تتشارك في معنى واحد متواتر. أي ان هذا المعنى اخبر به اطراف يمتنع تواطؤهم على كذب.
[2] تذكير: الكلام في مقدمة الواجب هو في الوجوب المولوي الشرعي الغيري، أي الجعلي الغيري للمقدمة من المولى، هل يثبت؟ وليس الارشادي العقلي لانه ليس هناك عاقل لا يقول بوجوب المقدمة عقلا.
[3] حيث قلنا في درس مقدمة الواجب ان كل المقدمات ليست واجبة ولا حراما بالجعل الشرعي المولوي الغيري، نعم وجوبها عقلي، وتصبح واجبة بعد الاعتبار من الشارع، فالوضوء بذاته عبادة، وقلنا ان العبادة ليس مأخوذا بها لا داعي الأمر ولا داعي القربة ولا غيرها. فبعد الاعتبار الوضوء بذاته لا دخل له بالصلاة الواجبة جعلا، المولى اعتبر الوضوء مقدّمة، وبعد جعله مقدّمة انطبق عليه كل آثار المقدميّة وكل القواعد الفلسفيّة كالعلّة والمعلول وغير ذلك. فالمقدمة ليس وجوبها بالوجوب الغيري، وجوبها عقلي والعقل يحكم بالاتيان بالمقدمة تمهيدا لذي المقدمة بلا شك وليس هناك وجوب آخر شرعي للمقدمة. وبذلك تنتفي كل الإشكالات التي ذكرت في مقدمة الواجب من اجتماع الحكمين، وعبادية الطهارات الثلاث وغيرها، كل الإشكالات أساسها باطل وما بني على باطل فهو باطل. رد اشكال ما "حكم به العقل حكم به الشرع": حكم الشارع لا يعني جعلا، بل حكمه بمعنى الامضاء وليس الجعل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo