< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/05/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: سد الذرائع.

    

تذكير: بالفرق بين المصلحة المرسلة والاحكام التدبيرية.

     سد الذرائع. الذريعة لغة: الوسيلة، واصطلاحا: الوسيلة إلى الحرام.

     امثلة على ذلك من الكتاب والسنّة، آية النهي عن السب، وأية المسخ، ومن السنّة: رواية الاحتياط.

 

تذكير:
ما الفرق بين المصلحة المرسلة والاحكام التدبيرية:

ما فهمته من مطاوي كلماتهم أن المصلحة المرسلة يجعل على طبقها حكم شرعي فلا يجوز مخالفته، فإذا اصدر الحاكم والسلطان أمرا كان فتوى شرعية ويجب اتباعه ولا يجوز مخالفتها.

ولذلك برّروا إلغاء عمر بن الخطاب لـ "حي على خير العمل" الثابة في الأذان، قالوا ان الإلغاء كان حتى لا تنشغل الناس عن الجهاد، لانهم فسروا "خير العمل" بالصلاة فقط، وجعلوا حكمه حكما شرعيا، أي جعلا شرعيا لا تجوز مخالفته. وهكذا في تحريمه للمتعة لانه يمنع من التناسل والانجاب وإقامة الأسر المسلمة. ولذا افتوا بأن للسلطان أن يعلّق بعض الاحكام الشرعية لمصلحة يراها.

أما الأحكام التدبيرية [1] فليست جعلا وحكما شرعيا يجب على كل المسلمين امتثاله، بل يجب على السلطان العادل ومن اقتنع معه في ذلك، فمثلا: في مسألة التنباك إنما وجب على المسلمين الامتثال من باب أن مرجعهم أدرى بتشخيص المصلحة وإلا لم يجب لعدم وجود جعل تشريعي، إلا في حال ثبوت عنوان آخر وهو الفتنة والاختلاف مثلا بين المسلمين. [2]

إذن المصالح المرسلة عبارة عن المصلحة الجزئية، وتقديم مصلحة جزئي على كلّي مع وجود دليل على التقديم. والاستحسان أيضا مسألة ذوقيّة مرفوضة، والقياس أي بالعلّة المظنونة أيضا مرفوض.

سدّ الذرائع: هو احد أصول الفقه الإسلامي عند أبناء العامّة المجمع في الجملة على حجيّته عندهم.

الذريعة لغة: هي الوسيلة إلى المرام.

واصطلاحا: عند علماء الأصول هي ما يتوصّل به إلى الشيء الممنوع المشتمل على مفسدة،- أي منع الحرام-، وبالتالي الذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه (مقدمة الحرام) يخاف من ارتكابه الوقوع في الممنوع.

وذلك من قبيل السبب والمسبب في الحرام مثلا: إلقاء الشخص نفسه من شاهق، فأن نفس الرمي بذاته لا دليل فيه على التحريم، المحرّم هو الانتحار، لكن الالقاء مقدمة للقتل، قتل النفس لا يجوز، فالرمي مقدّمة تسبيبيّة، من السبب والمسبب.

وأعطى اصوليو أبناء العامّة أمثلة على ذلك من كتاب الله عز وجل: قال تعالى في كتابه: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [3] ، الله عز وجل منع من سبّ آلهتهم ليس لذات السب لكن مخافة سب الله بمثل ذلك. وهذه من سد الذرائع لمنع الحرام الذي هو سب الله عز وجل.

وقوله تعالى: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [4] . فحرّم الله تعالى عليهم الصيد يوم السبت فكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت شرعا -أي ظاهرة- فسدوا عليها يوم السبت وأخذوها يوم الأحد، وكان السدّ ذريعة للاصطياد، فمسخهم الله قردة وخنازير.

امثلتهم من السنّة: ح (8) حدثنا أبو بكر قال حدثنا زكريا عن عامر قال: سمعت النعمان بن بشير يخطب ويهوي بإصبعه إلى أذنيه يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه [5] ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا إن لكل ملك حمى وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ". [6] فمنع من الاقدام على الشبهات مخافة الوقوع في المحرّمات وذلك سدّا للذريعة.

بعبارة أخرى: سد الذرائع هو وسيلة لعدم الوقوع في الحرام، واحتراز من الوقوع في الحرام.

ومضمون هذه الرواية موجود في كتب الحديث وهو أحد أدلّة الاخباريين على الاحتياط في الشبهة التحريمّة. وسياتي ان هذا الدليل على الاحتياط يعارض حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، وتعارض الرواية المذكورة ما دلّ على الحليّة والبراءة مثل "كل شيء لك حلال"، فأيهما مقدّم على الآخر؟ الاصوليون بشكل عام قدّموا البراءة والاخبارييون قدموا الاحتياط في خصوص الشبهة التحريمية لا مطلقا.


[1] قد ينطبق حكم آخر غير الحكم الاولي على نفس الموضوع وهو على قسمين:الاول: الفرق بين الدبيرية: الحكم بالعنوان الثانوي اصطلاحا يطلق عندما يكون عسر وحرج وضرر واكراه واضطرار، والثاني: هو ان ينطبق عليه عنوان آخر، غير العناوين الثانوية المذكورة.
[2] الفرق بين حكم الحاكم والحكم التدبيري: حكم الحاكم يكون في القضايا والدعاوى. مثلا: فلو حكم الحاكم بالهلال وانت قطعت بان الليلة ليست ليلة هلال هل تفطر؟ اما الحكم في الموضوعات وتشخيصها فهو من باب التدبير لوجود مصلحة كبرى ادركها الحاكم وقد لا ندركها نحن، ولكن نمتثل من باب أن المرجع ادرى بالتشخيص واعرف بالمصلحة العامّة من مختلف أطرافها.ومثال واقعي: النبي الاكرم (ص) في وقعة أُحد أمر بعض الاصحاب الرماة الخمسين ان لا يتركوا أماكنهم في الجبل مهما حصل، لكن عصى أربعون منهم أمر النبي (ص) وخانوه وخانوا والمسلمين وتركوا أماكنهم طمعا بالغنائم القليلة عندما انهزم المشركون. وكان أمر النبي (ص) لهم بعدم ترك أماكنهم من باب الاحكام الولائية التدبيرية او حكم الحاكم، وكان عليهم ان يمتثلوا لهذا الحكم التدبيري، لان النبي (ص) أعرف منهم بصالحهم.
[5] العرض لا يختص فقط بالنساء، فالعرض هو الكرامة عنوان كلّي يشمل كل شيء يكون فيه هتك لحرمة المسلم والمسلمة.
[6] المصنّف، ابن ابي شيبة الكوفي، ج5، ح8، ص234، رواه مسلم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo