< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/05/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: شروط المصلحة المرسلة:

 

     أن تكون المصلحة ملائمة لمقاصد الشارع بحيث لا تنافي أصلا من أصوله.

     أن تكون معقولة في حد ذاتها جرت على الأوصاف المناسبة المعقولة التي يتقبلها العاقل.

     أن تكون تلك المصلحة عامة للناس، وليس اعتبارها لمصلحة فردية أو طائفية.

     في تقديم المصلحة على النص؟

نكمل كلام الزاهري في الأصول وقد أخذ بعضها من "الإحكام في أصول الاحكام" للآمدي- لبعض الأمثلة حيث يقول:

في شروط المصلحة المرسلة:

1- أن تكون المصلحة ملائمة لمقاصد الشارع بحيث لا تنافي أصلا من أصوله، ولا تعارض نصا أو دليلا قطعيا.

نقول: لا اشكال في ذلك، فإذا كانت هناك منافاة تكون نوع من المعارضة ونذهب إلى مسألة تعارض الأدلّة ونقدم النص الراجح بحسب الدليل والترجيح الشرعي، ففي المصلحة الملائمة يكفي عدم وجود المعارض عندهم، لكن يجب ان تنضوي المصلحة تحت قاعدة وعملنا بها بدليل، أصبحت المصلحة دليلا ولا اشكال في العمل بالمصلحة.

2- أن تكون معقولة في حد ذاتها جرت على الأوصاف المناسبة المعقولة التي يتقبلها العاقل، بحيث يكون ترتب الحكم عليها مقطوعا لا مظنونا ولا متوهما.

نقول: ان القطع لا بد من القول بحجيّته لان حجته ذاتية فلا يكفي أن تكون المصلحة مظنونة او متوهّمة.

3- أن تكون تلك المصلحة عامة للناس، وليس اعتبارها لمصلحة فردية أو طائفية (أي مجموعة من الناس) معيّنة لان احكام الشريعة تنطبق على الناس جميعا.

نقول: انه من الطبيعي ان تتعلّق الاحكام بالطبائع لا بالأفراد، والطبائع مأخوذة على نحو القضايا الحقيقيّة كلما وجدت الطبيعة وجد الحكم لذلك تكون شريعة لكل الناس وليست مصلحة شخصية لشخص معيّن فالأحكام لا تتعلّق بالأشخاص. الشروط صحيحة لكن ليست لكونها مصالح مرسلة، إذ ليس المصلحة المرسلة عنوانا برأسه بل أصبحت تتبع للدليل الشرعي.

ثم يقول الآمدي: "ويتضح مما سبق أن مسألة المصالح المرسلة هي من المسائل الشرعية المختلف فيها، فقد قال بها جماعة من الأصوليين كالمالكية وغيرهم، ومنعها جماعة آخرون كالشافعية ومن اتبعهم".

هل تقدّم المصلحة على النص: " وإن تعذر الجمع بينهما قدمت المصلحة على غيرها كقوله (ص): "لا ضرر ولا ضرار" وهو خاص في نفي الضرر المستلزم في رعاية المصلحة فيجب تقديمه.

أقول: بعد هذا العرض لموضوعات وأقسام وأقوال وشروط المصالح المرسلة، لا يبعد أن يكون مراد هؤلاء الاعلام من فقهاء العامّة هي المصالح الجزئية التي تزاحم الملاكات العامة، ولعلّه قريب مما يساوق عندنا ما يسمّى بالأحكام التدبيريّة.

فإن متعلّقات المصالح المرسلة هي الموضوعات الجزئية، فمثلا: صك العملة فيه مصلحة حفظ اقتصاد المسلمين ويروي -مختصرا- من كتاب سنن البيهقي رواية فيها أن الامام الباقر (ع) علّم السلطان الاموي (ولعلّه عبد الملك بن مروان على ما في بالي) كيف يتم صك العملة، مع العلم أن صك العملة لم يرد فيه نصّ من كتاب أو سنّة، بل ينطبق عليه عنوان كلي وهو وجوب حفظ اقتصاد المسلمين. [1]

ومثال آخر: فتوى الشيرازي (ره) بحرمة التنباك في القضيّة المشهورة والمعروفة. [2] هذه عندنا احكام تدبيرية تختلف عن المصالح المرسلة عندهم.

ما الفرق بين المصلحة المرسلة والاحكام التدبيرية:

ما فهمته من مطاوي كلماتهم أن المصلحة المرسلة يجعل على طبقها حكم شرعي فلا يجوز مخالفته، فإذا اصدر الحاكم والسلطان أمرا كان فتوى شرعية ويجب اتباعه.

ولذلك برّروا إلغاء عمر بن الخطاب لـ "حي على خير العمل" الثابة في الأذان، قالوا ان الإلغاء كان حتى لا تنشغل الناس عن الجهاد، لانهم فسروا "خير العمل" بالصلاة فقط، وجعلوا حكمه حكما شرعيا، أي جعلا شرعيا لا تجوز مخالفته. وهكذا في تحريمه للمتعة لأنه يمنع من التناسل والانجاب وإقامة الأسر المسلمة. ولذا افتوا بأن للسلطان أن يعلّق بعض الاحكام الشرعية لمصلحة يراها.

هذه مصالح تخالف الشأن الشرعي والملاك العام ومع ذلك قدّمت على الاحكام الشرعية والنصوص الواضحة.

أما الأحكام التدبيرية فليست جعلا وحكما شرعيا يجب على كل المسلمين امتثاله، بل يجب على السلطان العادل ومن اقتنع معه في ذلك، فمثلا: في مسألة التنباك إنما وجب على المسلمين الامتثال من باب ان مرجعهم ادرى بتشخيص المصلحة وإلا لم يجب، إلا في حال ثبوت عنوان آخر وهو الفتنة مثلا بين المسلمين.


[1] قام الإمام الباقر (عليه السلام) بأسمى خدمة للعالم الإسلامي، فقد حرر النقد من التبعية إلى الإمبراطورية الرومية، حيث كان النقد يصنع في بلاد الروم ويحمل شعارهم. فجعله الإمام (عليه السلام) مستقلاً بنفسه يحمل الشعار الإسلامي. والسبب في ذلك: هو أن عبد الملك بن مروان نظر إلى قرطاس قد طرز بمصر فأمر بترجمته إلى العربية، وقد كتب عليه الشعار المسيحي: الأب والابن والروح. فأنكر ذلك، وكتب إلى عامله على مصر عبد العزيز بن مروان بإبطال ذلك وأن يحمل المطرزين للثياب والقراطيس وغيرها على أن يطرزها بشعار التوحيد، ويكتبوا عليها: (شهد الله أنه لا إله إلا هو). وكتب إلى عماله في الآفاق بإبطال ما في أعمالهم من القراطيس المطرزة بطراز الروم، ومعاقبة من وجد عنده شيئاً بعد هذا النهي، وقام المطرزون بكتابة ذلك، فانتشرت في الآفاق، وحملت إلى الروم. ولما علم ملك الروم بذلك استشاط غضباً وكتب إلى عبد الملك أن عمل القراطيس بمصر، وسائر ما يطرز إنما يطرز بطراز الروم إلى أن أبطلته، فإن كان من تقدمك من الخلفاء قد أصاب فقد أخطأت، وإن كنت قد أصبت فقد أخطأوا، فاختر من هاتين الحالتين أيهما شئت وأحببت، وقد بعثت لك بهدية تشبه محلك، وأحببت أن تجعل رد ذلك الطراز إلى ما كان عليه في جميع ما كان يطرز من أصناف الأعلاق حالة أشكرك عليها وتأمر بقبض الهدية.ولما قرأ عبد الملك الرسالة أعلم الرسول أنه لا جواب له عنده كما رد الهدية. وقفل الرسول إلى ملك الروم فأخبره الخبر، فكتب ملك الروم إلى عبد الملك يتهدده ويتوعده.ولما قرأ عبد الملك التهديد ضاقت عليه الأرض، وحار كيف يصنع وراح يقول: أحسبني أشأم مولود في الإسلام، لأني جنيت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من شتم هذا الكافر، وسيبقى عليّ هذا العار إلى آخر الدنيا فإن النقد الذي توعدني به ملك الروم إذا طبع سوف يتناول في جميع أنحاء العالم.جمع عبد الملك الناس، وعرض عليهم الأمر فلم يجد عند أحد رأياً حاسماً. أشار عليه أحدهم يدعى: روح بن زنباع، فقال له: إنك لتعلم المخرج من هذا الأمر، ولكنك تتعمد تركه، فأنكر عليه عبد الملك وقال له: ويحك، من؟). (عليك بالباقر من أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله) فأذعن عبد الملك، وصدقه على رأيه، وعرفه أنه غاب عليه الأمر، كتب من فوره إلى عامله على يثرب يأمره بإشخاص الإمام وأن يقوم برعايته والاحتفاء به، وأن يجهزه بمائة ألف درهم، وثلثمائة ألف درهم لنفقته، ولما انتهى الكتاب إلى العامل قام بما عهد إليه، وخرج الإمام من المدينة إلى دمشق. ولما وصل إليها استقبله عبد الملك، واحتفى به، وعرض عليه الأمر فقال (عليه السلام):(لا يعظم هذا عليك فإنه ليس بشيء من جهتين: إحداهما أن الله عز وجل لم يكن ليطلق ما تهدد به صاحب الروم في رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والأخرى وجود الحيلة فيه..).وطفق عبد الملك حائراً؟ (وما هي؟). قال (عليه السلام): تدعو في هذه الساعة بصناع فيضربون بين يديك سككاً للدراهم والدنانير، وتجعل النقش صورة التوحيد وذكر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أحدهما في وجه الدرهم، والآخر في الوجه الثاني، وتجعل في مدار الدرهم والدينار ذكر البلد الذي يضرب فيه والسنة التي يضرب فيها، ...
[2] استطراد: اجرينا دراسة قبل عدّة سنوات بان لبنان يستورد من الدخان الاجنبي والخمور بحوالي مليار وسبعمائة مليون دولار سنويا. نقول لو امتنع لبنان عن الدخان والخمور الاجنبي لسنة واحد تحل ازمته ولا حاجة للدين وشروط صندوق النقد الدولي. امتصاص الثروات يكون بواسطة التدخين وغيره، وايضا بتلقين وتعليم الناس سلوكيات اخلاقية منفرّة غير اخلاقية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo