< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/05/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المصلحة المرسلة:

 

    

اقسام المصالح الثلاثة: معتبرة، وملغاة، ومرسلة لم تعتبر ولم تُلغَ.

     نقاش الآمدي والزاهري للأمثلة المعطاة.

 

المصلحة المرسلة وما هو مدى الاعتبار:

لغة: المرسل هو المطلق.

وفي الاصطلاح: عبارة عن المصلحة التي قصدها الشارع الحكيم لعبادة من حفظ دينهم وانفسهم وعقولهم ونسلهم واموالهم، طبق ترتيب معيّن فيما بينها.

والمصالح المرسلة على ثلاثة أقسام عند أبناء العامّة:

الأول المصالح المعتبرة: وهي التي يعتبرها الشارع وهذه لا حصر لها، لان الدين كلّه جاء لجلب المصالح ودفع المضار [1] ، مثلا قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ﴾ [2]

الشارع بيّن المصلحة التي لأجلها يجب اعتزال النساء، "الأذى" مصلحة معتبرة منصوص عليها، حتى عندنا فلا اشكال في اعتبارها من المصالح المرسلة لوجود النص الصريح الدال على الاعتبار.

الثاني المصالح الملغاة:
وهي التي الغاها الشارع، وهذه كذلك لا حصر لها، لأن كل ما نهى الله عنه مما قد يكون فيه مصلحة أحد فإن مصلحته ملغاة، مثلا: مصلحة أكل الربا لزيادة المال، أو مصلحة المريض أو من ضاقت معيشته في الانتحار، ومثل المصلحة في المال الذي يأتي من بيع الخمر كما في قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ [3] . الشارع الغى منافع الناس لأجل مصلحة الإثم الكبير، فالنواهي عبارة عن الكسر والانكسار يكون شيء ملغى لمصلحة شيء آخر.

الثالث المصلحة المرسلة:
أي التي أرسلها الشارع أي أطلقها فلم يعتبرها ولم يلغها، والحكم في هذه المصالح راجع إلى القواعد الشرعيّة العامّة فما كان داخلا في قواعد المصلحة المعتبرة الحق بها، وما كان داخلا في قواعد المصلحة الملغاة الحق بها.

بعض أبناء العامة نقد المصلحة المرسلة - وهو الزاهري في الأصول وقد أخذ بعضها من "الإحكام في أصول الاحكام" للآمدي- لبعض الأمثلة حيث يقول: ومما ذكره الاصوليون كمثال للمصالح المرسلة: جمع القرآن في مصحف واحد [4] ، والقول بقتل الجماعة بالواحد، وتضمين الصناع، وضمان الرهن، واتخاذ السجون وغيرها من المسائل التي لا يوجد فيها نصّ أو اجماع. وهي محلها لا تصلح مثالا للمصلحة المرسلة، لان الله سبحانه وتعالى لم يترك مصلحة إلا وقد نصّ عليها جنسا كالكليات السته، أو على أنواعها أيضا. والمصالح في هذه المسائل المذكورة وغيرها مشروعة جنسا، وليس شيء فيها مرسلا.

فجمع القرآن في مصحف واحد لمصلحة حفظ الدين وهي مشروعة، وقتل الجماعة بالواحد لمصلحة حفظ النفس وهي مشروعة، وتضمين الصناع لمصلحة حفظ الأموال وهي مشروعة، وكذا ضمان الرهن، والامثلة الباقية كلها تندرج تحت المصالح المعتبرة شرعا ضرورة أو حاجة أو تحسينا كما سبق ولا يتصوّر خروج شيء منها أصلا".

ثم يقول:
"وقد أعطى البعض مثالا للمصلحة المرسلة التي لا يشهد الشرع لها بالاعتبار أو بالالغاء، بجواز الضرب في التهمة، فقد جوّز هذا جماعة من الفقهاء، ففي اعتبارهم هي مصلحة مرسلة من دليل (أي مصلحة الجزئي الخاصة المخصصة لمصلحة للكلي) من الكتاب والسنّة والاجماع والقياس، وكذلك هي مصلحة مرسلة تنطوي تحت الأصل الكلّي، فنصوص الشريعة على اجمالها لا يجوز هتك حرمة المسلم أو إيذاءه بان تمتهن كرامته ويضرب لمجرّد التهمة.

فالمقصود بالمصالح المرسلة هي التي أرسلها عن الدليل الجزئي (الظاهر دليل) من الأصول الشرعية المتفق عليها، ومن الدليل الكلّي (دليل) الذي يؤول بدوره إلى مفهوم النص والاجماع ".

ثم يقول: في شروط المصلحة المرسلة:


[1] أبناء العامّة من الاشاعرة يقولون ان الاحكام ليست تابعة للمصالح والمفاسد بل تابعة للمبغوضيّة من الشارع ومن المبغوضية تنشأ المفسدة، فما ابغضه المولى نشأت فيه المفسدة، وهذا ظاهر قول الاشاعرة، وما ذكر في المتن نقيض لكلامهم، فأحيانا دون ان يشعر الانسان وبالفطرة والوجدان يعترف بالصواب بان هناك مصلحة الله عز وجل أمر بها. اما نحن نقول ان هناك مفسدة لأجل ذلك ابغضها الشارع.
[4] جمع القرآن في مصحف واحد مصلحة مرسلة حتى لا يتشتت ولا يختلف المسلمون، ولم يرد عدم اختلاف المسلمين بالنص فالمصلحة مرسلة ولم يرد فيها اعتبار ولم يرد فيها الغاء، فقاموا بجمع القرآن وحرق الباقي، ففي حرق القرآن مصلحة لم تكن منصوصة ولا معتبرة ولا ملغاة على أساسها عمل الخلفاء.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo