< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/04/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلّة القياس من العقل.

 

     الدليل عند أبناء العامّة من العقل على حجيّة القياس مظنون العلّة، وجوابه.

     القياس باطل عند الأصحاب، للأصل، وللروايات الصحيحة المعتبرة.

     توجيه رواية الدية على قطع الأصابع عند الاصحاب.

 

نكرر ان الكلام في القياس هو في العلّة المظنونة اما العلّة المعلومة فلا اشكال فيه، سواء كانت معلومة بالاولويّة أو وحدة المناط أو وحدة الملاك أو منصوص أو ظاهر العلّة، كل هذه الأقسام نعمل بها ولا مشكلة فيها.

اما الدليل عند أبناء العامّة من العقل على القياس:

بيانه:
إنا نعلم قطعا بأن الحوادث لا نهاية لها، ونعلم قطعا أنه لم يرد النص في جميع الحوادث، لتناهي النصوص، ومستحيل أن يستوعب المتناهي اللامتناهي.

إذن، فيعلم أنه لا بد من مرجع لاستنباط الأحكام لتلافي النواقص من الحوادث - قد يعبّر عنه بعض الأصوليين بمنطقة الفراغ، وهذا التعبير غير سليم- وليس هو إلا القياس.

وجوابه:
إن الله جعل قواعد عامّة لفظيّة أو عمليّة، في العمومات والاطلاقات والأصول العمليّة ما يغطي كل الحوادث، فلا ينحصر الدليل بالقياس.

قال الشيخ الطوسي (ره) في العدة ج 2 ص 84: "فأما من أثبته (أي القياس) فاختلفوا، فمنهم من أثبته عقلا وهم شذاذ غير محصلين".

إذن هذه الأدلة عند أبناء العامّة على حجيّة القياس وكلّها لا ترجع إلى محصّل.

أما القياس عند الأصحاب:
قياس مظنون العلّة باطل إجماعا، إذ أن الأصل عدم الحجيّة، وإمكان وقابلة أن يكون حجّة لا يكفي ويحتاج إلى دليل، مضافا إلى النصوص الواردة في بطلانه والنهي عنه.

ومن النصوص: "يا أبان انك اخذتني بالقياس والسنّة إذا قيست محق الدين". وردت في رواية ابان بن تغلب عن ابي عبد الله (ع) قال: في الكافي: ح 15- محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن السنة لا تقاس ألا ترى أن امرأة تقضي صومها ولا تقضي صلاتها يا أبان ! إن السنة إذا قيست محق الدين. [1]

ومنها: الكافي ح6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبان بن تغلب قال: قلت: لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في رجل قطع أصبعا من أصابع المرأة كم فيها؟ قال: عشر؟ من الإبل، قلت قطع اثنين؟ قال: عشرون، قلت: قطع ثلاثا؟ قال: ثلاثون، قلت: قطع أربعا قال: عشرون، قلت: سبحان الله يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون ويقطع أربعا فيكون عليه عشرون؟ إن هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرء ممن قاله ونقول الذي جاء به شيطان فقال: مهلا يا أبان هكذا حكم رسول الله صلى الله عليه وآله إن المرأة تقابل الرجل إلى ثلث الدية فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف. يا أبان إنك أخذتني بالقياس، والسنة إذا قيست محق الدين. [2]

من حيث السند: الرواية صحيحة معتبرة ومستفيضة.

ومن حيث الدلالة: فإن أبان ظن أن المناط أو الملاك في المسألة هو العدد، فقاس عليه، والامام (ع) نهاه عن ذلك ونبّهه إلى مناط آخر وهو معاقلة المرأة الرجل إلى الثلث من الديّة. [3]

ولعلّ الملاك في كون ديّة الرجل أكبر من دية المرأة أن الرجل هو أكبر أثرا في القوّة الانتاجيّة في المجتمع.

ووجود مناطا آخر ليس نهيا عن كل قياس، بل خصوص مظنون العلّة والعلّة المتوهّمة التي يظن المكلّف انحصار الملاك والمناط فيها، والامام (ع) يلفت النظر إلى بقيّة الملاكات وبعضها قد يزاحم الملاك المظنون.

نقل كلام الشيخ المظفّر (ره) ونقده: يقول الشيخ في كتاب أصول الفقه -وهو نعم الكتاب- في بحث القياس: " وإنما الذي وقع من أبان قياس مجرد لم يكن مستنده فيه إلا من جهة الأولوية، إذ تصور - بمقتضى القاعدة العقلية الحسابية - أن الدية تتضاعف بالنسبة بتضاعف قطع الأصابع، فإذا كان في قطع الثلاث ثلاثون من الإبل، فلابد أن يكون في قطع الأربع أربعون، لأن قطع الأربع قطع للثلاث وزيادة. ولكن أبان كان لا يدري أن المرأة ديتها نصف دية الرجل شرعا فيما يبلغ ثلث الدية فما زاد، وهي مائة من الإبل ".

إلى هنا كلام الشيخ المظفر (ره) متين.

ثم يقول: " والخلاصة: أنا نقول ببطلان قياس الأولوية إذا كان الأخذ به لمجرد الأولوية. أما إذا كان مفهوما من التخاطب بالفحوى من جهة الأولوية فهو حجة من باب الظواهر، فلا يكون قياسا مستثنى من القياس الباطل ". [4]

سنعلّق على كلامه (ره) ونقول ان قياس الأولوية ظاهر وهو اقوى من المنصوص ففي قوله تعالى: " ولا تقل لهما أف" أي الأولى ان لا تضربهما، من جهة الأولوية الظاهرة الواضحة. وأبان لم يجر القياس من باب الاولويّة، بل من باب العدد، لان الأولوية هي موضوعان احدهما فيه نفس الحكم والعلّة فيه أقوى، فيكون ثبوت الحكم أولى وزيادة.

 


[3] تذكير باستطراد: ذكرت في جلسة من الجلسات أن الاسلام منظومة كاملة، ويأتي السؤال انه إذا لم استطع تنفيذ المنظومة الكاملة، مثلا: امرأة بلغت الثمانين من عمرها وهي عاجزة عن الكسب وطلقها زوجها، المنظومة الكاملة ماذا تقول؟ انها تأخذ راتبا من بيت مال المسلمين. ومع عدم وجود بيت مال للمسلمين هل ندعها تتسول في الشارع؟!. الآن اخذوا يبحثون عن حلول مثلا ان يشترط في متن عقد الزواج لها نصف ما يملكه الزوج بعد الزواج كما في اوروبا والجمهوريّة الاسلامية في ايران، وقد يكون ظلما على الزوج. وهناك حلّ بالعنوان الاوّلي وهو ان هناك رواية صحيحة معتبرة تقول أن الامام علي بين ابي طالب (ع) إذا اعتق عبدا أو زَمِنا ولا يجد من يعوله يعطيه مالا حتى يستغني. هل نستطيع بوحدة المناط أن نجري نفس الحكم لكل امرأة كبرت في السن وطلقت من زوجها أن يعطي الزوج راتبا شهريا للزوجة إلى أن تستغني. وهذا ليس قياسا بل استخلاص مناط، ظاهر العلّة. وهذا يدل على ان الاسلام منظومة تشريعيّة، منظومة متكاملة حتى في زمن لا يمكن تطبيق الاسلام كاملا، كما في عدم وجود بيت مال المسلمين لتطبيق حكم الانقاق منه على الزوجة العاجز أو الرجل الزمن. هل الله عز وجل جعل الاسلام كمنظومة كاملة فقط، أو أنه يعلم ان هناك ازمان لا نستطيع تطبيق الاسلام كاملا؟ ما هو الحل في زمننا؟ ولذلك اكتشاف المنظومة من خلال النصوص وبالعنوان الأوّلي أمر مهم جدا في زمن عدم امكان تطبيق الاسلام كاملا، الاجتهاد هو البحث عن مناطات اخرى تتيح لنا الافتاء باحكام واضحة المناط وتطبيقها على احكام نحن بحاجة اليها في زمننا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo