< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/04/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الشهرة الفتوائية:

     هي شيوع الفتوى عند الفقهاء بغض النظر عن المستند.

     سبب العدول عن تعريفها بـ " من دون ان يعلم مستند الفتوى".

     أدلة حجيّة الشهرة الفتوائية: آية النبأ، وجوابه.

     عموم التعليل في الروايتين: مرفوعة زرارة ومقبولة عمر بن حنظلة، والجواب.

     التفصيل بين الشهرة القريبة من عصر المعصوم (ع) وغيرها، بيانه وجوابه.

 

القسم الثالث: الشهرة الفتوائية:

وهي عبارة عن شيوع فتوى عند الفقهاء بغض النظر عن المستند، ولكن على أن لا تبلغ حد الاجماع.

وقد ذكرت في تعريفها كلمة: "بغض النظر عن المستند" توضيحا لما ذكره بعض الاساطين كالسيد الخوئي (ره) حيث قال: "من دون أن يعلم مستند الفتوى" وذلك لكون الادلّة كلا أو بعضا تشمل ما لو علم المستند أو لم اعرف المستند، فالشهرة الفتوائية ليست محصورة بما عرفت المستند. فإذا عرفت المستند هل ارجع للمستند او تكون الشهرة بما هي شهرة حتى لو علمت مستندها حجّة، أي لكونها شهرة تكون حجّة. مثلا: في الشهرة وعرفت ان مستنده هذه الرواية او ان الرواية قويّة او معتبرة أو بأصل لفظي أو بأصل عملي أو بقاعدة عقليّة، فبمجرد معرفة السند لا قيمة للشهرة حينئذ، بناء على تعريفهم للشهرة الفتوائية، اما بناء على تعريفنا فيكون لدينا دليلان: المستند والشهرة.

زيادة بيان لو علم المستند ولم يكن رواية بل كان المشهور مستندا إلى قاعدة عقلية كمقدّمة الواجب واجبة وهو المشهور عند القدماء، لكنها مسألة عقلية لا علاقة لها بالرواية، وانا اعرف ان سندهم هو هذه القاعدة، المفروض ان ارجع للقاعدة وليس للشهرة، لكن يحتمل ان يكون المشهور كمشهور بغض النظر عن المستند هو حجة لكون لعض الادلّة التي استدلوا بها على حجيّة الشهرة الفتوائية تجري فيه أيضا، لذلك انا عدلت عن التعريف الأول إلى التعريف الثاني. لذلك عبرنا بتعبير " بغض النظر عن المستند" حتى نشمل الحالتين، فالكلام في الشهرة كشهرة.

ومراد الفقهاء رضوان الله عليهم في كتبهم من قولهم "ذهب المشهور إلى كذا" فالمراد هو المشهور شهرة فتوائية، أي ذهاب معظم الفقهاء إليها مع مخالفة القليل.

وقد استدل لحجية المشهور بأمور:

منها: أية النبأ: " فتبيّنوا"، وقد ذكرنا ان المراد من التبيّن هو الاستظهار والاستيضاح والاستكشاف، فلا يشمل خبر الفاسق، ولا المظنون، لأنه ليس تبيّنا، لا وجدانا ولا اعتبارا كما بيّنا أمس.

ومنها: عموم التعليل الموجود في مقبولة عمر بن حنظلة ومرسلة زرارة بن اعين: "فان المجمع لا ريب فيه" و " دع الشاذ النادر".

وفيه: ما ذكرناه من ضعف سند مرسلة زرارة، ولكون المراد في "المجمع" هو المتفق عليه. ولعدم دلالتها على عموم العلّة لكون الموصول أي "اللام" أو اللام العهديّة في " المجمع عليه" هو في خصوص الخبرين المتعارضين وليس لكل متفق ومجمع عليه لأنه هو المعهود.

ومنها: أولويتها من حيث الحجية من الخبر. أي إذا كان خبر الواحد حجّة فالأولى ان تكون الشهرة حجّة.

وبيانه: إذا كان الخبر حجّة من باب الظن، فان الظن الناشئ من الشهرة أقوى. وهذا الدليل ذكره صاحب الكفاية (ره).

وفيه: الكلام في الصغرى والكبرى، فالصغرى أي بانه مجرّد كون الحكم مشهورا يكون الظن اكثر فهذا مشكوك، فادعاء الصغرى عهدتها على مدّعيها.

لكن الكلام في المبنى أي في الكبرى، أي ان الخبر حجيته من باب الظن؟ [1]

هذ المبنى لا نسلّم به، فالخبر ليس حجّة من باب الظن، وادلة الاعتبار في الخبر هي السيرة العقلائية التي هي ليست من باب الظن وهو ما نذهب إليه، وليست الآيات، أو الروايات، أو الاجماع، أو حكم العقل، كما ذهب غيرنا. نعم من قال بدليل الانسداد بناء على ما ذهب اليه المحقق القمي (ره) في " القوانين" من الاخذ بالظن المطلق، فصار الظن حجّة بما هو ظن بعد انسداد بقيّة الامارات والطرق، وكون الظن في الشهرة اقوى صارت دليلا. لكننا لا نذهب إلى دليل الانسداد، بل نقول إن الأخذ بالخبر لا لكونه من باب الظن، بل لأدلّة خاصّة على اعتباره.

ومنها: الشهرة القريبة من عصر المعصوم (ع) دون غيرها، وذلك لعدم انقلاب الجو العام الفتوائي السائد في عصر الأئمة إلى ما يخالفه بعدهم مباشرة.

ولعلّ هذا الوجه افضل ما رأيت من الوجوه، ولكنه، يختص بخصوص الشهرة القريبة جدا من عصر المعصوم (ع). ومنشؤه حسن الظن بالفقهاء والاصحاب والعلماء، ولا شك اننا نعتقد بتقواهم وورعهم ونحسن الظن فيهم كثيرا.

ولكن هذا الدليل مردود بما ذكرناه في الاجماع، من أن تغيّر الجو العام الفتوائي ربما أن يحصل من شخصية قوية كشخصية الشيخ الطوسي (ره) مثلا الذي وصل إلى حد ان يكون قوله وكأنه دليل، وهذه الحال وإن لم يكن غالبا أو كثيرة، إلا ان احتمالها يمنع من الاستدلال بها. وبهذا ترتفع الحجيّة.

وقد ذهب إلى هذا التفصيل بين الشهرة المتقدّة القريبة من عصر المعصوم (ع) والشهرة المتأخرة بعض الاساطين كالسيد البروجردي (ره) والسيد الخوئي (ره) في " انوار الهداية" وغيرهم. ولعل ذلك بتقريب: ان المسائل الفقهيّة عندنا على ثلاثة أنواع، سنبيّنها غدا ان شاء الله.

 


[1] سنبيّن الكلام تفصيل في مبحث الخبر الواحد: خبر الواحد مسألة تبانى على العمل به العقلاء كسيرة لوجود حاجة بشريّة انسانيّة لتبادل المعلومات، فإذا جعلنا تبادل المعلومات على نحو القطع واليقين تتوقف الأمور، لذلك لا بد من ان يكون هناك شيء اقل ونتنازل عن القطع، لذلك جعلنا خطين: أولا: الأيسرية، وثانيا: الأقربيّة للواقع، اجتمع الخطان في خبر الواحد، ولذلك صار عند العقلاء حجّة، وهو ليس يقينيا ولا قطعيا، فلسد الحاجات كسيرة عقلائية قالوا بهذين الخطين. لذلك يمكن يوما ما لو صار العلم والقطع واليقين بمتعلّق الخبر في متناول اليد كالخبر او اسهل، كما في أيامنا هذه في بعض الأمور نحصل على الخبر كالقطعيات، فهل يبقى خبر الواحد حجّة عند العقلاء؟ هذه المسألة ستنفعنا في مسألة هل يجوز العمل بالامارة مع امكان العلم أو لا؟ مثلا: وقعت نقطة من سائل على يدي في الليل، واستطيع ان انير المكان لأعلم انها دم او لا، مع ذلك اكثر الأصوليين يقولون بعدم وجوب الفحص. وذلك لوجود هذه المسألة هي: هل يجوز العمل بالامارات مع امكان العلم والقطع واليقين او لا؟ والامثلة كثيرة على ذلك.رد اشكال احد الطلبة الافاضل بان الشهرة تتضمن بعض العدول قطعا فلماذا لا تكون حجّة؟:وكان جواب السيد الأستاذ: خبر الثقة انما يكون دليلا في الأمور الحسيّة لا الحدسية، فلنفرض ان الفقهاء في الشهرة كلهم عدول فإن قولهم حدس منهم. وخبر الواحد انما يكون حجّة في خصوص الحسيات اما رأيه فحجّة عليه لا علينا. فلو فرضنا ان المشهور نقل فتوى بناء على قواعد أي من باب الحدس يكون هذا رأيهم، نعم لو نقل واحد منهم الحكم عن حس كان نقله حجّة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo