< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الشهرة العمليّة.

 

     وهي عمل المشهور على طبق رواية ضعيفة سندا، فهل هذا العمل يجبر ضعف الرواية؟

     ذهب الأكثر إلى الانجبار، واستدلوا بأمور:

     منها: دلالة آية النبأ على ذلك، والجواب عليه.

     ومنها: إطلاق المشهور في روايتي زرارة وعمر بن حنظلة فيشمل الشهرات الثلاث، وجوابه.

     ومنها: عمل الاصحاب لا بد ان يكون لقرائن خفيت علينا، وجوابه.

 

الشهرة العمليّة:

وهي ان عمل المشهور برواية هل يؤدي إلى حجيتها واعتبارها؟ والمشهور ان الشهرة العمليّة تجبر ضعف الرواية.

فالخبر إذا كان بنفسه ضعيفا فهل يجبر ضعفه بعمل المشهور.

وبعبارة أخرى: الخبر إذا كان ضعيفا في نفسه غير معتبر فهل يجبر ضعفه بعمل المشهور؟

واحيانا يعبرون بعمل الاصحاب. وهل يفرق الامر بين عمل المشهور وعمل الاصحاب، أي بين التعبيرين فالمصطلحات غالبا تكون على النحو الوضع التعيّني لا على النحو التعيني وذلك حسب الاستعمالات.

استدل عليه بأمور:

منها: ما استدل به الشيخ النائيني (ره) من أن الانجبار مقتضى آية النبأ وهي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾[1]

حيث أمر بالتبيّن عند كون المخبر فاسقا، وعمل المشهور من التبيّن. فالآية تدل على حجيّة الشهرة العمليّة لان عمل المشهور هو التبيّن.

فإذا فسرّنا المشهور بالبيّن كما فسّره بعضهم في رواية زرارة وعمر بن حنظلة يكون كلامه صحيحا.

وفيه: أن التبيّن هو الاستظهار والاستيضاح والاستكشاف على نحو يرتفع به الغموض عرفا، فلا يكون العمل جهالة عند الناس، سواء فسرنا الجهالة بالجهل مقابل العلم، أم فسرناها بالسفاهة مقابل الحلم.

واشتهر ليس بمعنى ظهر، فالشهرة فيها غموض ولذلك عبّر في الروايتين عن المتعارضتين بالمشهورين.

وهذا التبيّن اما وجداني وإما تعبّدي.

اما الوجداني فهو مفقودـ لان المفروض أن المسلمين شاكون في مضمون الخبر لكونه من فاسق، والغموض باق ولا قرينة قطعيّة ترفعه.

واما التعبدي فمفقود أيضا، إذا لا دليل على كون الشهرة الفتوائية بالاستناد إلى رواية دليلا تعبديا كما سنرى.

فلا يمكن الاستدلال على الحجيّة بنفس آية النبأ.

ومن الادلّة: اطلاق الشهرة في مقبولة عمر بن حنظلة الشامل للشهرة العمليّة والفتوائية والروائية، وقد بيّنا ما فيها من حيث ورودها مورد التعارض وعدم عموم العلّة فالمورد لا يخصص الوارد.

ومن حيث ما ورد في الرواية "من ان المجمع عليه لا ريب فيه" انه ليس من المعلوم ان المراد من "المجمع" هو المشهور، بل ظاهر المراد هو المعنى اللغوي وهو المتفق عليه إلا ان تقوم قرينة على خلافه. وذكرنا ذلك امس بان الكلام ليس عن المشهور وكان الكلام عن المجمع عليه أولا ولحقه الكلام عن الشهرة. ثم اننا وقلنا ان مقبولة عمر بن حنظلة نحملها على التطبيقات من الامام (ع) من سيرة العقلاء، وهي الأساس في الترجيحات ومما يدلّ على ما نذهب إليه من الأخذ بذي المزيّة التي لها أثر في التوثيق تعارض روايات الترجيح من حيث الترتيب في الأخذ ، ففي بعضها يبدأ بصفات الراوي، وهناك روايات أخرى تقول تبدأ بالأشهر، وفي روايات غيرها تبدأ بما خالف القوم، هذه الروايات متعارضة في الاولويّة. ولذا نقول ان الرواية واردة مورد الارشاد أو تطبيق ما عليه عقلاء الناس، هناك ميزة عقلائية عندهم تؤدي إلى الوثوق.

ومنها: أن الأصحاب لما عملوا بها فلا بد أنهم وجدوا قرائن تدلّ على صحتها، لأن العمل بها مع علمهم بضعفها يخدش في صفاتهم العالية المعلومة من النزاهة والقداسة والعلم والتحقيق والورع والتقوى.

ومن ذهب إلى هذا الدليل عبّر غالبا بقوله: "عمل الاصحاب وليس عمل المشهور".

وفيه: اننا لا نشك في ورعهم وتحقيقهم ولكن كيف نثبت أنهم استندوا إلى هذه الرواية الضعيفة بعينها، فيحتمل استنادهم إلى ادلّة أخرى كالأصول اللفظية أو العمليّة أو الظنون المعتبرة عندهم أو قواعد عقليّة، فيحتمل أن يكون المستند في الفتوى عند بعضهم يختلف عن الآخر. [2]

ثم، لو سلّمنا استنادهم إلى نفس الرواية الضعيفة وأنهم اطلعوا على قرائن تدل على اعتبارها، فمن يضمن أن هذه القرائن هي قرائن عندنا أيضا، خصوصا أن كثير من القواعد التي بنوا عليها سابقا قد تمّ ردّها عند المتأخرين.

النتيجة: أن الشهرة العمليّة لا تجبر ضعف الرواية، فلا تكون حجّة معتبرة، وهذا خلاف المشهور عند الاصوليين.

وهل إعراض المشهور يوهن الرواية المعتبرة؟ وهذه مسألة أخرى تدرس عادة في خبر الواحد وفروعه، وسنتكلم عنها هناك.

القسم الثالث: الشهرة الفتوائية:

وهي عبارة عن شيوع فتوى عند الفقهاء بغض النظر عن المستند، ولكن على أن لا تبلغ حد الإجماع.


[2] ذكرنا في دروس سابقة ان مسألة طفل الانبوب "من هي الأم" كل مجتهد استند إلى مستند مختلف عن الآخر. بعضهم قال ان الام هي الحامل، السيد الخوئي (ره) استند إلى الآية القرآنية: " ان امهاتهم اللائي ولدنهم"، السيد محمد الروحاني استند إلى اطلاق لفظ الوالدة، وهكذا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo