< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/04/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الشهرة الروائية:

 

     الاستدلال على توثيق عمر بن حنظلة.

     الكلام في سند الرواية، وفي توثيق عمر بن حنظلة.

     الكلام في دلالة الرواية.

     الرواية ليست سوى إرشاد إلى ما عند العقلاء من الترجيح بكل ميزة عقلائية تؤدي إلى أوثقيّة.

نكمل الكلام في الشهرة الروائية وقلنا انه لا دليل على حجيّتها بما هي لكن ذهب الكثيرون إلى حجيتها في خصوص حال التعارض، ونحن نذهب للحجيّة لكن لا للادلة الخاصة لا للروايات، بل لأنها مرجّح عقلائي.

استدلّوا على الحجية بروايتين: مرفوعة زرارة وقلنا ان سندها ضعيف، وبمقبولة عمر بن حنظلة، والكلام في المقبولة لان فقهاء الاماميّة تلقوها بالقبول وعملوا بها، وجعلوها أساسا في مسألة التعارض وكيفيّة حلّه.

الرواية سندا فيها عمر بن حنظلة الذي لم يرد فيه مدح ولا ذمّ في الكتب الرجالية.

نعم، استدل بعضهم على توثيقه برواية في باب الوقف وهي ما نقله في الوسائل عن الكافي: ح 6 - عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خَلِيفَةَ قَالَ قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) إِنَّ عُمَرَ بْنَ حَنْظَلَةَ أَتَانَا عَنْكَ بِوَقْتٍ قَالَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع) إِذاً لَا يَكْذِبُ عَلَيْنَا قُلْتُ قَالَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ إِذَا غَابَ الْقُرْصُ إِلَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّه ص كَانَ إِذَا جَدَّ بِه السَّيْرُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ ويَجْمَعُ بَيْنَهَا وبَيْنَ الْعِشَاءِ فَقَالَ صَدَقَ وقَالَ وَقْتُ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ ووَقْتُ الْفَجْرِ حِينَ يَبْدُو حَتَّى يُضِيءَ. [1]

من حيث الدلالة: "إذن لا يكذب علينا" اعتبروها توثيقا من الامام (ع) فهو أعظم توثيق. لكن هناك ما يشعر بالذم من كلمة "إذن" فلماذا الغيناها بالدلالة

السيد الخوئي (ره) اسقط رواية توثيق عمر بن حنظلة بسندها، يقول: " إلا ان هذه الرواية بنفسها ضعيفة السند، فلا يمكن اثبات وثاقة عمر بن حنظلة بها لان فيها يزيد بن خليفة، فكيف نثبت الضعيف بالضعيف.

الظاهر ان سبب تضعيف السيد الخوئي لها هو وجود يزيد بن خليفة في السند، لكن في هذا التضعيف نظر:

فمن جهة لم يثبت توثيق شخصي ليزيد بن خليفة [2] ، حيث روي الكشي في حديث مرفوع قال: دخل على ابي عبد الله (ع) رجل يقال له يزيد بن خليفة، فقال له: ممن انت؟ فقال: من الحارث بن كعب، قال: قال أبو عبدالله (ع) ليس أهل بيت إلا وفيهم نجيب أو نجيبان، وأنت نجيب بني الحارث بن كعب. [3]

من جهة الدلالة بلا شك ان هذا مدح ولكن لا يدل على التوثيق، بالإضافة إلى ضعف السند.

في المقابل رواية تشعر بالذم، فقد روى محمد بين يعقوب: ح 16 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حنان بن سدير، عن يزيد بن خليفة وهو رجل من بني الحارث بن كعب قال: سمعته يقول: أتيت المدينة وزياد بن عبيد الله الحارثي عليها فاستأذنت على أبي عبد الله عليه السلام فدخلت عليه وسلمت عليه وتمكنت من مجلسي قال: فقلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني رجل من بني الحارث بن كعب وقد هداني الله عز وجل إلى محبتكم ومودتكم أهل البيت قال: فقال لي أبو عبد الله عليه السلام: وكيف اهتديت إلى مودتنا أهل البيت؟ فو الله إن محبتنا في بني الحارث بن كعب لقليل، قال: فقلت له: جعلت فداك إن لي غلاما خراسانيا وهو يعمل القصارة وله همشهريجون أربعة وهم يتداعون كل جمعة فيقع الدعوة على رجل منهم فيصيب غلامي كل خمس جمع جمعة فيجعل لهم النبيذ واللحم قال: ثم إذا فرغوا من الطعام واللحم جاء بإجانة فملأها نبيذا ثم جاء بمطهرة فإذا ناول إنسانا منهم قال له: لا تشرب حتى تصلي على محمد وآل محمد فاهتديت إلى مودتكم بهذا الغلام قال: فقال لي: استوص به خيرا واقرئه مني السلام وقل له يقول لك جعفر بن محمد: انظر شرابك هذا الذي تشربه فإن كان يسكر كثيره فلا تقربن قليله فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: كل مسكر حرام، وقال: ما أسكر كثيره فقليله حرام قال: فجئت إلى الكوفة وأقرأت الغلام السلام من جعفر بن محمد عليهما السلام قال: فبكى ثم قال لي اهتم بي جعفر بن محمد عليهما السلام حتى يقرئني السلام قال: قلت: نعم وقد قال لي: قل له: انظر شرابك هذا الذي تشربه فإن كان يسكر كثيره فلا تقربن قليله فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: كل مسكر حرام وما أسكر كثيره فقليله حرام، وقد أوصاني بك فاذهب فأنت حر لوجه الله تعالى قال: فقال الغلام: والله إنه لشراب ما يدخل جوفي ما بقيت في الدنيا. [4]

الرواية فيها اشعار بالذم لاستغراب الامام (ع) اخباره بمودة أهل البيت من بني الحارث بن كعب، فيزيد يخبر عن نفسه، والاستفهام في الرواية ليس مدح وتوثيق من الامام (ع).

فإذن يزيد بن خليفة لم يثبت توثيقه وبالتالي لم يثبت توثيق عمر بن حنظلة لانه وثق من خلال يزيد بن خليفة، فالمقبولة ساقطة سندا. هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فانه قد روى عن عمر بن حنظلة صفوان بن يحيى، وقد ثبت عندنا قاعدة ان صفوان بن يحيى لا يروي إلا عن ثقة، فثبتت وثاقته.

اما السيد الخوئي (ره) الذي لم يرتض هذه القاعدة يقول انه ليس اكثر من رواية بعض الاجلاء (المحدث النوري) عن حنان بن سدير الذي يوثق من روى عنهم. ولا شك ان حنان ثقة لكن لا توثيق لمن روى عنهم كما ذهب إليه المحدث النوري (ره) في خاتمة المستدرك.

إذن من حيث السند الرواية معتبرة لما بنينا عليه من ان صفوان لا يروي إلا عن ثقة فنوثق عمر بن حنظلة.

اما من حيث الدلالة فليس فيها دلالة واضحة على التوثيق، ففي قوله (ع)، "إذن لا يكذب علينا" فيها إيحاء بان عدم الكذب هو في خصوص هذه المسألة، فلا تدل على التوثيق

وعلى اية حال فقد نفى بعض الاساطين كالسيد الخوئي (ره) كون الشهرة من المرجحات عند تعارض الخبرين.

اما على مبنانا في باب التعارض، وانه نأخذ بالأرجح وان نأخذ بما فيه ميزة إذا كان المرجح عقلائيا وما ورد في الروايات فهو تطبيقات، فلا شك أن الشهرة الروائية من المرجحات لكن لا من باب الرواية لكن من باب السيرة العقلائي على ذلك إذا كانت الميزة لها أثرا في التوثيق، لا بكل ميزة.

اصل وجزر المسألة عقلائي. وسنتكلم عن هذا الأمر بشكل أوسع وأوضح عند الكلام في باب التعارض.

استدلال آخر على حجيّة الشهرة الروائية:

نعم، استدل بعضهم على حجيّة مطلق الشهرة بقوله (ع) في المقبولة: "فان المجمع عليه مما لا ريب فيه"، حيث ان المراد من المجمع هو المشهور بدليل المعارضة وهذا يعني مع وجود المعارض المراد من المجمع هو المشهور. وإلا لو كان المراد من المجمع الاتفاق الكامل لما كان للمعارض وجود. هذا أولا.

وثانيا: بدليل السؤال بعد ذلك، "فان كان الخبران عنكما مشهورين". فلا معنى ليكون الاجماع والاتفاق على الخبرين، ولذا قالوا ان المراد من المجمع هو الشهرة وليس الاتفاق، ووجه الاستدلال هو عموم العلّة، فالفاء في " فان المجمع" سببيّة تبيّن علّة ما بعدها لما قبلها، فنحن نرجح المشهور لان المشهور لا ريب فيه.

وفيه: ان المراد من المجمع هو المتفق عليه وليس المشهور نقله، بدليل: كون حمله على المشهور خلاف ظاهر اللفظ، هذا أولا.

وثانيا: قوله: ﴿لا ريب فيه﴾ ولا دليل لحمل ذلك على كون ﴿لا ريب﴾ أمرا نسبيا فلا تدل على ترجيح النسبة. وثالثا: تعقيب الامام (ع) حيث قال: "وإِنَّمَا الأُمُورُ ثَلَاثَةٌ أَمْرٌ بَيِّنٌ رُشْدُه فَيُتَّبَعُ وأَمْرٌ بَيِّنٌ غَيُّه فَيُجْتَنَبُ وأَمْرٌ مُشْكِلٌ يُرَدُّ عِلْمُه إِلَى اللَّه وإِلَى رَسُولِه" والظاهر أن الامام (ع) طبق لـ"بيّن رشده" على المجمع عليه، و" البين" بمعنى الظاهر الواضح المجمع عليه وليس كونه مجرد مشهور. لذلك كلمة " بين رشده" نجعلها على ما هي عليه من الظاهر الواضح المجمع عليه وليس مجرّد انه مشهور.

بالنتيجة ان رواية عمر بن حنظلة ولو كانت صحيحة سندا فإنها لا تنفعنا دلالة، وقد ذهبنا إلى الترجيح بكل مرجح عقلائي فيه جهة عقلائية توثيقية، اما الميزة التي ليس فيها توثيق فلا ترجيح بها، والمقبولة انما أتت لو سلمنا بصدورها أتت لأشياء وجدانية عقلائية، تطبيق لما عند العقلاء فلماذا اذهب إلى المرجحات المنصوصة واتوقف عنها وابحث عن معناها، الرواية عبارة عن ارشاد إلى ما عليه العقلاء.


[2] قلنا في علم الرجال ان التوثيقات إما خاصّة أو عامّة. وذكرنا ان التوثيقات الخاصة ستة منها توثيق الامام (ع) او توثيق احد القدماء ألى آخره توثيقه كشخص مثل توثيق يونس بن عبد الرحمان.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo