< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/04/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الشهرة:

     الشهرة الروائية.

     توضيح حال التعارض.

     مقبولة عمر بن حنظلة.

     سبب تسميتها بالمنقولة.

 

الكلام في الشهرة وقلنا ان الشهرة بما هي شهرة لا دليل على حجيتها.

وذكرنا ان الشهرة الروائية بما هي شهرة أيضا لا دليل على حجيتها، نعم في مقام التعارض وردت روايات انها من المرجحات، فصار الدليل على الترجيح في مقام التعارض، والتعارض لا يكون إلا بعد استحكام التعارض، فليس بمجرد ورود روايتين متنافيتين، كما إذا وردت رواية مرسلة ورواية صحيحة مع تنافي الدلالة لا يكون تعارضا بل نعمل بالصحيحة.

التعارض هو روايتان معتبرتان موثقتان صحيحتان سندا ومتنافيتان دلالة، وليس هناك ظهور يجمع بينهما، فإذا ظهر الجمع ينتفى التعارض، اما إمكان الجمع فهو الجمع التبرعي وقلنا انه لا دليل عليه.

نعم لو كان حين سماع الحديث تجمع بينهما بالتصرف بمدلول الحديث الأول ومدلول الحديث الثاني ويحصل الجمع وهذا هو الظهور.

الكلام في التعارض المستحكم وهناك اقوال في ذلك: قول بالتخيير وصاحب الكفاية (ره) يقول ان عليه الاكثر، وقول بالترجيح وفيه أيضا اقوال بالمرجحات المنصوصة أو غيرها، وكررت مرارا اني اذهب إلى الترجيح بالمرجحات الاعقلائية، التي لها أثر في صحة النقل لا الترجيح بمطلق الميزة، مثلا لو روى هاشمي رواية صحيحة وغير هاشمي روى نفس الرواية وأيضا صحيحة، عندي الهاشميّة ليست مرجحا، فلا علاقة عقلائية لها بالتوثيق وعدمه.

وأهم رواية في المرجحات هي مقبولة عمر بن حنظلة، لان الاصحاب تلقوها بالقبول رغم وجود المشكلة في السند، لذلك سنذكرها بالتفصيل لأهميتها في مقام الترجيحات، وسنقول ان هذه الرواية ليست سوى تطبيقات. الرواية المرفوعة – مرفوعة زرارة التي ذكرناها امس لا قيمة لها سندا، كما قصلنا ذلك امس بانها ساقطة عن الاعتبار كذلك الكتاب الذي ذكرها، وكاتبه ابن ابي جمهور الاحسائي غير متثبت يخلط الغث بالسمين، كما قال صاحب الحدائق (ره).

اما مقبولة عمر بن حنظلة وهي: رواية بن حنظلة التي قبلها العلماء لعلّ لان راويها صفوان بن يحيى الذي هو من أصحاب الاجماع وممن لا يروون إلا عن ثقة، وكما رواها المشايخ الثلاثة في كتبهم أي للكليني في الكافي والصدوق في من لا يحضره الفقية، والطوسي في الاستبصار، أي ان الرواية مشتهرة روائيا:

الرواية: ح 10 - مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي دَيْنٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَتَحَاكَمَا إِلَى السُّلْطَانِ وإِلَى الْقُضَاةِ أيَحِلُّ ذَلِكَ قَالَ مَنْ تَحَاكَمَ إِلَيْهِمْ فِي حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ فَإِنَّمَا تَحَاكَمَ إِلَى الطَّاغُوتِ ومَا يَحْكُمُ لَه فَإِنَّمَا يَأْخُذُ سُحْتاً وإِنْ كَانَ حَقّاً ثَابِتاً لأَنَّه أَخَذَه بِحُكْمِ الطَّاغُوتِ وقَدْ أَمَرَ اللَّه أَنْ يُكْفَرَ بِه قَالَ اللَّه تَعَالَى ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِه﴾ قُلْتُ فَكَيْفَ يَصْنَعَانِ قَالَ يَنْظُرَانِ إِلَى مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مِمَّنْ قَدْ رَوَى حَدِيثَنَا ونَظَرَ فِي حَلَالِنَا وحَرَامِنَا وعَرَفَ أَحْكَامَنَا فَلْيَرْضَوْا بِه حَكَماً فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُه عَلَيْكُمْ حَاكِماً فَإِذَا حَكَمَ بِحُكْمِنَا فَلَمْ يَقْبَلْه مِنْه فَإِنَّمَا اسْتَخَفَّ بِحُكْمِ اللَّه وعَلَيْنَا رَدَّ والرَّادُّ عَلَيْنَا الرَّادُّ عَلَى اللَّه وهُوَ عَلَى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَّه قُلْتُ فَإِنْ كَانَ كُلُّ رَجُلٍ اخْتَارَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِنَا فَرَضِيَا أَنْ يَكُونَا النَّاظِرَيْنِ فِي حَقِّهِمَا واخْتَلَفَا فِيمَا حَكَمَا وكِلَاهُمَا اخْتَلَفَا فِي حَدِيثِكُمْ ؟

قَالَ الْحُكْمُ مَا حَكَمَ بِه أَعْدَلُهُمَا وأَفْقَهُهُمَا وأَصْدَقُهُمَا فِي الْحَدِيثِ وأَوْرَعُهُمَا ولَا يَلْتَفِتْ إِلَى مَا يَحْكُمُ بِه الآخَرُ قَالَ قُلْتُ فَإِنَّهُمَا عَدْلَانِ مَرْضِيَّانِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لَا يُفَضَّلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ قَالَ فَقَالَ يُنْظَرُ إِلَى مَا كَانَ مِنْ رِوَايَتِهِمْ عَنَّا فِي ذَلِكَ الَّذِي حَكَمَا بِه الْمُجْمَعَ عَلَيْه مِنْ أَصْحَابِكَ فَيُؤْخَذُ بِه مِنْ حُكْمِنَا ويُتْرَكُ الشَّاذُّ الَّذِي لَيْسَ بِمَشْهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْه لَا رَيْبَ فِيه وإِنَّمَا الأُمُورُ ثَلَاثَةٌ أَمْرٌ بَيِّنٌ رُشْدُه فَيُتَّبَعُ وأَمْرٌ بَيِّنٌ غَيُّه فَيُجْتَنَبُ وأَمْرٌ مُشْكِلٌ يُرَدُّ عِلْمُه إِلَى اللَّه وإِلَى رَسُولِه قَالَ رَسُولُ اللَّه (ص) حَلَالٌ بَيِّنٌ وحَرَامٌ بَيِّنٌ وشُبُهَاتٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَمَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ نَجَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ ومَنْ أَخَذَ بِالشُّبُهَاتِ ارْتَكَبَ الْمُحَرَّمَاتِ وهَلَكَ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ قُلْتُ فَإِنْ كَانَ الْخَبَرَانِ عَنْكُمَا مَشْهُورَيْنِ قَدْ رَوَاهُمَا الثِّقَاتُ عَنْكُمْ قَالَ يُنْظَرُ فَمَا وَافَقَ حُكْمُه حُكْمَ الْكِتَابِ والسُّنَّةِ وخَالَفَ الْعَامَّةَ فَيُؤْخَذُ بِه ويُتْرَكُ مَا خَالَفَ حُكْمُه حُكْمَ الْكِتَابِ والسُّنَّةِ ووَافَقَ الْعَامَّةَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أرَأَيْتَ إِنْ كَانَ الْفَقِيهَانِ عَرَفَا حُكْمَه مِنَ الْكِتَابِ والسُّنَّةِ ووَجَدْنَا أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ مُوَافِقاً لِلْعَامَّةِ والآخَرَ مُخَالِفاً لَهُمْ بِأَيِّ الْخَبَرَيْنِ يُؤْخَذُ قَالَ مَا خَالَفَ الْعَامَّةَ فَفِيه الرَّشَادُ [1] فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَإِنْ وَافَقَهُمَا الْخَبَرَانِ جَمِيعاً قَالَ يُنْظَرُ إِلَى مَا هُمْ إِلَيْه أَمْيَلُ حُكَّامُهُمْ وقُضَاتُهُمْ فَيُتْرَكُ ويُؤْخَذُ بِالآخَرِ، قُلْتُ فَإِنْ وَافَقَ حُكَّامُهُمُ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعاً قَالَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَرْجِه حَتَّى تَلْقَى إِمَامَكَ فَإِنَّ الْوُقُوفَ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ خَيْرٌ مِنَ الِاقْتِحَامِ فِي الْهَلَكَاتِ. [2]

من حيث السند: تلقى فقهاء الاماميّة هذه الرواية بالقبول واستفادوا منها في باب القضاء ، وباب تعارض الروايات وعملوا بها، ولذلك سميّت بالمقبولة. ذلك ان سندها غير تام عند الكثيرين، ففيه عمر بن حنظلة الذي لم يرد فيه مدح ولا ذم في كتب الرجال.

ذكرت في كتابي: " الوجيز في علم الرجال" عندما أقول مقبولة ليس مرادي خصوص ما قبله العلماء، مرادي من المقبولة هو ما كان سنده لم يبلغ حد التوثيق او الصحّة، لكن من الصعب تركه، كما مثلا في "بنان" اخو احمد بن محمد بن عيسى، رجل بن عائلة علميّة حديثية مشهورة ثقاة عدول من اجلاء قم، وروى عنه الاجلاء أيضا، كل هذا عندي لا يكفي للتوثيق، فنوح (ع) كان ابنه كافرا، لكن القرائن الكثيرة تبقي نوع من الاطمئنان وليست دليلا لذلك هي قريبة من التوثيق عبّرت عنه بالمقبولة.

وعندي التوثيق يتم بأحد امرين: اما توثيق خاص بتسميته، أو توثيق عام من قبيل ان صفوان لا يروي إلا عن ثقة وقد روى عنه صفوان. اما غير هاتين القاعدتين فلا يؤدي إلى توثيق.

ومن حيث الدلالة: للعدالة المذكورة أثر في نقل الحديث، لانه كلما ازداد عدالة يحصل الاطمئنان بصحة الحديث. ولا فرق ان تكون هنا العدالة بالمعنى اللغوي والاصطلاحي، أي لغة جعل الشيء موضعه، وبالاصطلاح ان يكون اماميا ممتنعا عن المحرمات أي اصبح لها معنى متشرعي.

"وأفقههما" لانه كلما ازداد فقها فهم مضمون الرواية، نلاحظ ان كل المرجحات عقلائية حتى العقلاء يقولون بذلك فانها ليست مرجحات شرعيّة محضة لا نعرف سببها.

هذه الرواية ذكرتها بأكملها لانها اهم رواية يتكلون عليها في مقام الترجيح، واقول: لو اخذنا بها فهي من التطبيقات، اما الترجيح فهو ترجيح عقلائي، ويجب الأخذ بكل ما كان مرجحا عقلائيا وليس اهوائيا وعاطفيا.

نعم، استدل بعضهم على توثيقه برواية في باب الوقف وهي ما نقله في الوسائل عن الكافي: ح 6 - عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خَلِيفَةَ قَالَ قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) إِنَّ عُمَرَ بْنَ حَنْظَلَةَ أَتَانَا عَنْكَ بِوَقْتٍ قَالَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع).... نكم غدا ان شاء الله.

 


[1] المخالفة التي ذكرت في مخالفة العامة فيها الرشاد، المخالفة ليست مطلقة في كل شيء، المخالفة هي عند تعارض الأدلّة. و[اتي السؤال لماذا نأخذ بالخلاف؟ له سببان: الاول: ان السلاطين كانوا يصادرون الحريات كما ورد :"لا يفتى ومالك في المدينة" نوع من القمع وكثيرا ما كانت السلطات الامويّة والعباسيّة تقمع، لذلك في كتابي: "وسيلة المتفقهين" ذكرت عبارة في مقام الترجيحات أو الاخذ بما خالف فقهاء السلاطين ولم اذكر انهم من العامة ولا ابناء العامة ولا من الخاصّة في ظرف مصادرة السلطات لحريّة الطرف الآخر. هذه المسألة وجدانية فعندما يكون هناك قمع إذا كان هناك حق وحصل التعارض يصبح الحق مع الطرف الآخر. والسبب الآخر وهو ايضا وجداني ان هناك بعضهم كان ما يزال حاقدا على الاسلام، نعم انقلب إلى الاسلام لكن بعد ان حاربه واحد وعشرين سنة، مثلا بنو اميّة حاربوا الاسلام من بداية الدعوة الشريفة إلى فتح مكّة المكرّمة، وبعد فتح مكّة المكرّمة دخلوا في الاسلام، هل كلهم اقلبوا إلى اتقياء؟. محمد حسين هيكل في كتابه "حياة محمد" يذكر امرين مهميّن احدهما في واقعة أحُد عندما اشاعوا ان النبي محمد (ص) قد قتل، جلس عمر بن الخطاب ناحية وقال: "من يشفع لنا عند ابي سفيان" وفي وقعة حنين انهزم المسلمون بداية ولم يبق إلا النبي محمد (ص) وعلي بن البي طالب (ع) ثم التسعة الاخرون وخرج العباس بن عبد المطلب ونادى: "يا اهل بيعة الشجرة، ويا أهل سورة البقرة، النبي (ص) موجود ولم يقتل، فيقول ابو سفيان واحد اصحابه انهم "والله لا يردهم إلا البحر" لسعادته بهزيمة النبي (ص) امام طيء وهوازن. وهذا يعني انه مازال على اعتقاده. ونقل ان ابو سفيان قال للعباس (ع): "لقد اصبح ملك ابن اخيك عظيما". هؤلاء بقيت قلوبهم سوداء واصبحوا ايضا يحاولون اسقاط بعض الاحكام الشرعيّة، أي حرب الاسلام من الداخل، حتى قال بعض فقهاء ابناء العامّة: "انه لم يبق عندنا من الاسلام إلا هذه الصلاة". عرّجت بالكلام حول بهذا الموضوع لانه ينفعنا جدا في التطبيقات اللاحقة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo