< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/04/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الشهرة:

 

     نكمل الكلام في سيرة المتشرعة.

     الشهرة الروائية، والعمليّة، والفتوائية.

     الشهرة الروائية لا دليل على حجيتها بما هي شهرة.

     عند التعارض ذهب الكثيرون إلى حجيتها.

     مرفوعة زرارة.

 

قلنا ان سيرة المتشرعة على قسمين: سيرة المتشرعة المتصلة بعصر المعصوم وهو أقوى أقسام الشهرة حجيّة، وقد ذهبنا إلى عدم الحجيّة إلا إذا كان المعصوم (ع) معهم وحينئذ تكون الحجيّة من باب تقرير المعصوم لا من باب حجيّة الشهرة.

والكلام فيها عين الكلام في الاجماع اللفظي الذي يكون متصلا بعصر المعصوم، فالسيرة اجماع عملي يستبطن اجماعا لفظيا، فهو ليس دليلا أصلا، نعم يكون هناك ظن قوي في السيرة المتصلة، وفي المنفصلة يكون الظن اضعف.

وسيرة المتشرعة المنفصلة عن عصر المعصومين (ع) أو البعيدة عنهم، فهذه لا دليل على اعتبارها أصلا، وهي تحتاج إلى ثبوتها، أي ثبوت ممارستها كمتشرعة وأن يكون منشؤها شرعيا. إلا بناء على قاعدة اللطف من انها تكشف عن رأي المعصوم (ع)، وقلنا ان قاعدة اللطف البسوها لباسا فضفاضا فلا تشمل سيرة المتشرعة، فالسيرة عبارة عن إجماع عملي والكلام فيها حينئذ نفس الكلام في الإجماع.

ولعلّ من الأمثلة: طبخ "القيمة" في عاشوراء والمناسبات الدينيّة في العراق. وطبخ الهريسة في لبنان التي يمكن ان يكون قد اصبح لها قداسة وهذا لتراكم السنين وظن البسطاء. والامثلة كثيرة على ذلك.

فهذه الأمثلة لا دليل على استحبابها بعنوانها، نعم لا بأس باستحبابها بمعنى تطبيق عموم استحباب الإطعام.

ومثال آخر: المشي إلى الحسين (ع)، وهذا من قبيل الإجماع المدركي، فهو إجماع عملي ولكنه مدركي لكونه مستندا إلى روايات: "من زار الحسين (ع) ماشيا كان له بكل خطوة حجّة أو عمرة". و "ماشيا" اعرابها حال، بخلاف "مشى" التي قد تكون بمعنى سعى. الفرق بين الحال والنعت: الحال قيد للفعل، والنعت قيد للاسم، الحال مثلا جاء زيد ماشيا، والنعت مثل جاء زيد الماشي.

لذلك الاستدلال بالرواية يدل على استحباب المشي بذاته، والاستدلال بالروايات من باب الاستدلال بالخبر الواحد تحتاج إلى تنقيح ودليل فإذا كان ثقة يكون صحيحا. وتارة استدل بالسيرة، وفرق بين الاستدلالين. السيرة اجماع عملي قطعي بخلاف خبر الواحد لا يؤدي إلى قطع.

النتيجة: سيرة المتشرعة كمتشرّعة إن ثبت كونها في زمن المعصوم (ع) فلا شك في حجيتها لكون الامام (ع) أحد السائرين والمجعين، لكنها تصبح من باب تقرير المعصوم.

وان لم تكن في زمن المعصوم (ع) فلا دليل على حجيتها، إذ قد يكون مستندها فتوى لاحد الفقهاء ثم سار عليها أهل التدين.

والكلام فيها عين الكلام في الاجماع المنقول.

لكن ان يفتي احدهم خلاف الاجماع صعب من ناحية ان القلب يقف عند مخالفة الاجماع فيوم القيامة هناك حساب، وعندنا امثلة متعددة على ذلك منها حق فسخ الزوجة العقد عند مخالفة الشرط الذي اجمع الفقهاء على عدم الحق لها بالفسخ.

لكن هناك شيء أنه هناك دليل عندي أمام الله عز وجل، فكيف يمكن أن أفتي على خلافه بسبب الاجماع.

ومن الظنون التي اختلف في اعتبارها وسنعرج بعدها قليلا وباختصار القياس والاستحسان وسدّ الذرائع والمصالح المرسلة، متى تكون حجّة ومتى لا تكون.

الشهرة:

لغة إشتهر "بان" ومنه سميّ الشهر شهراً لكون القمر قد بان، وهو مرحلة الهلال.

وفي اصطلاح علماء الأصول الشهرة ثلاثة: الشهرة الروائية، والشهرة العمليّة، والشهرة الفتوائية.

الشهرة الروائية: هي رواية اشتهرت في الكتب وعلى لسان الاصحاب على أن لا تبلغ حدّ التواتر وقد تورث ظنا قويا بالصدور، فيكثر نقلها، ويقابلها الشاذ والنادر بمعنى قلّة الناقل لها.

الشهرة العمليّة: هي اشتهار فتوى استنادا إلى رواية معينة.

الشهرة الفتوائية: هي اشتهار فتوى بين الفقهاء بغض النظر عن دليلها ومستندها، بشرط على أن لا تبلغ حدّ الاجماع.

وعندما يقال في الكتب الفقهية ذهب المشهور، كان مقصودهم الشهرة الفتوائية بخصوصها.

حجية الشهرة الروائية: لم يرد دليل على حجيتها بما هي شهرة وليس بما هي رواية لانه في الرواية نذهب إلى صحتها وتوثيقها. فلو كانت الرواية ضعيفة السند أو مرسلة لكن اشتهرت بين الفقهاء مثلا: " الطلاق بيد من اخذ بالساق" و "انت ومالك لابيك" لم يرد دليل على حجيتها بما هي شهرة، ففي هذه الحالة الأصل عدم حجيتها بناء على أصالة عدم حجيّة الظن، وهذه لا يؤدي إلا إلى ظن، فالاصل عدم حجيّة الشهرة إلا ان يثبت دليل.

نعم، عند تعارض الخبرين ورد كونها من المرجحات وليس من الشهرة وذلك في عدّة روايات:

منها: ح: (229) وروى العلامة قدست نفسه مرفوعا إلى زرارة بن أعين قال: سألت الباقر (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ؟ فقال: يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك، ودع الشاذ النادر، فقلت: يا سيدي انهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم؟ فقال (عليه السلام): خذ بقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك، فقلت: أنهما معا عدلان مرضيان موثقان؟ فقال: انظر إلى ما وافق منهما مذهب العامة فاتركه وخذ بما خالفهم، فان الحق فيما خالفهم، فقلت: ربما كانا معا موافقين لهم أو مخالفين فكيف أصنع؟ فقال: اذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط، فقلت: أنهما معا موافقين للاحتياط أو مخالفين له فكيف أصنع؟ فقال (عليه السلام): اذن فتخير أحدهما فتأخذ به وتدع الاخر. [1]

من حيث السند فهي غير تامّة، فهي من المراسيل التي لا يصح الاعتماد عليها ولا نعتبرها فهي ليست كمراسيل ابن ابي عمير، وهي مروية في كتاب غوالي الئالي لابن ابي جمهور الاحسائي عن العلامة مرفوعة إلى زرارة، مضافا إلى أنها لم توجد في كتب العلامة (ره) ولم يثبت توثيق راويها ابن ابي جمهور الاحسائي، بل طعن فيه وفي كتابه من ليس دأبه الخدشة في سند الرواية -وهو تعبير السيد الخوئي (ره)- كالمحدث البحراني في الحدائق حيث يقول:

" فإنا لم نقف عليها في غير كتاب غوالي الئالي، مع ما هي عليه من الرفع والإرسال، وما عليه الكتاب من نسبة صاحبه إلى التساهل في نقل الأخبار، والإهمال وخلط غثها بسمينها وصحيحها بسقيمها ". [2]

ولذا، فلا داعي لإطالة الكلام في مضمونها فإنه فضول.

ولننقل الكلام إلى الرواية الأخرى وهي مقبولة عمر بن خنظلة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo