< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/04/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التواتر المنقول:

 

     معنى التواتر لغة واصطلاحا.

    

منشأ القطع بصدور الخبر: إما من تراكم المخبرين بحيث يحصل القطع، وهذا لا بد فيه من الكثرة، وإما اخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على كذب.

    

النتيجة: التواتر المنقول حجّة في السبب دون المسبب.

 

من جملة المنقولات التواتر المنقول، ونعلم ان التواتر بذاته يؤدي إلى قطع، لكن الكلام في نقل التواتر، والكلام فيه كما الكلام في الاجماع، الكلام في أصل حجيّة التواتر ثم الكلام عن حجيّة نقل التواتر.

التواتر المنقول:

يقول صاحب الكفاية (ره): الثالث: إنه ينقدح مما ذكرنا في نقل الإجماع حال نقل التواتر، (من كونه حجة في خصوص السبب) وأنه من حيث المسبب لا بد في اعتباره من كون الإخبار به إخبارا على الاجمال بمقدار يوجب قطع المنقول إليه بما أخُبر به لو علم به، (التواتر فيه سبب ومسبب كما في الاجماع، لو نقل الشيخ الطوسي (ره) الاجماع بان هناك اتفاق أهل عصر واحد، فلو فرضنا اني أقول بفس مقولة الشيخ الطوسي حينئذ يكون الاجماع حجّة عليّ، وإلا الاجماع بذاته ليس حجّة واحتاج لتتميم حجيته ضميمة أخرى تكون سببا للكشف عن رأي المعصوم عند المنقول إليه، والكلام نفسه يأتي أيضا في التواتر. فالآخود ذكر:" من كون الإخبار به إخبارا على الاجمال بمقدار يوجب قطع المنقول إليه بما أخُبر به لو علم به " كأن التواتر هنا هو الخبر المقطوع بصدوره).

كلام صاحب الكفاية: ومن حيث السبب يثبت به كل مقدار كان اخباره بالتواتر دالا عليه، كما إذا أخبر به على التفصيل، فربما لا يكون إلا دون حد التواتر، فلا بد في معاملته معه معاملته من لحوق مقدار آخر من الأخبار، يبلغ المجموع ذاك الحد. نعم، لو كان هناك أثر للخبر المتواتر في الجملة - ولو عند المخبر – لوجب ترتيبه عليه، ولو لم يدل على ما بحد التواتر من المقدار. [1]

الفرق بين الاجماع والتواتر:
ان الاجماع اتفاق في الاحكام اما التواتر يكون اتفاقا في الخبر.

ولمزيد من البيان: سنتكلّم أولا: في معنى التواتر لغة واصطلاحا،
وثانيا: في السبب والمسبب،
وثالثا: في نقل التواتر.

التواتر لغة: هو التتابع والتلاحق والتوالي.

واصطلاحا: نقل جماعة يمتنع تواطؤهم عادة على الكذب. وذكر هذا الاصطلاح الخاصّة والعامة من الفقهاء.

وسنرى لاحقا ان التواتر هل يصدق على الكثرة أو بدون كثرة؟ مثلا لو اتفق شخصان ممن يمتنع تواطؤهما على الكذب ووصل إلى حد القطع فهل يكون من المتواتر؟.

والتواتر على ثلاثة أقسام: تواتر لفظي، وتواتر معنوي، وتواتر إجمالي.

أما التواتر اللفظي هو نقل نفس الحديث بلفظه. مثل: "من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه" حديث عن رسول الله (ص) متواتر نقله العامّة والخاصّة بلفظه، وأكثروا التفسير في معناه.

أما التواتر المعنوي هو النقل المتواتر لمعنى واحد، وذلك في الفاظ مختلفة. كما مرّ معنا في حجيّة الاجماع عند أبناء العامّة: "ما اجتمعت امتي على خطأ" و "على كذب" أو على ضلال وغير ذلك، قالوا ان هذا متواتر معنوي الفاظ، مختلفة بمعنى واحد.

اما التواتر الاجمالي فهو القطع بصدور بعض الروايات من مجموعة كثيرة على نحو الاجمال. كما ادعي ذلك في الاستدلال على حجيّة الخبر بالخبر بمعنى صدور بعض الاخبار الدالة على حجيّة خبر الواحد إجمالا، أي ان الروايات نقطع بصدور بعضها، عبّروا عنه بالتواتر الإجمالي باننا نقطع، أي اجمالا نقطع ببعضها.

وفي الأقسام الثلاثة السبب في القطع بالصدور لا يخلو من أحد أمور ثلاثة:

     إما أن يكون لقرينة خاصّة، معنويّة أو لفظيّة أو حاليّة أو مقاليّة، فهذا ليس من التواتر، إذ يلحق بالخبر المحفوف بقرينة قطعيّة.

     وإما أن يكون بسبب تراكم المؤيدات، وهذا يشترط فيه الكثرة، وبلوغ تزايد احتمال صحة الخبر إلى حد الاطمئنان والقطع بالصدور. ومع بلوغه هذا الحد صار حجّة. [2]

     أن يصدر من جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب عادة، فهذا التواتر حجّة. ولكنه لا يشترط فيه الكثرة، لان المناط هو امتناع التواطؤ على الكذب، وهذا قد يحصل من خبر ثلاثة بل حتى اثنين ولا يشترط فيه الكثرة. والمهم أن عنوان التواتر لم يؤخذ في عنوان رواية أو نص قرآني فهو مجرّد اصطلاحات ولا مشاحة في الاصطلاحات فلا داعي إلى كلمة جماعة في تعريفهم للتواتر.

وإذا كان يريد الجماعة بثلاثة فما فوق واجتمع اثنان وامتنع تواطؤهم على الكذب كما في المثال في وضعنا الحالي ان اذاعة المنار والإذاعة العبرية اخبروا نفس الخبر يكون من التواتر ولا نسميه خبر محفوف بالقرائن القطعيّة، إذ المناط امتناع تواطؤهم على الكذب عادة.

من هنا يظهر أن في التواتر أمرين:

الأول: سبب القطع بالصدور، وهو أحد المناطين المذكورين. إما الكثرة التي تؤدي إلى القطع العرفي ولو من جماعة لا يمتنع تواطؤهم على الكذب، أو من اخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على كذب.

الثاني: المسبب هو القطع بصدور الخبر. والقطع حجته ذاتيّة لا تحتاج إلى دليل. [3]

النقطة الثالثة:
في نقل التواتر بخبر الواحد:

والكلام فيه عين الكلام في الاجماع المنقول بخبر الواحد، حيث إنه حجّة في نقل السبب دون المسبب.

فإذا اشترك السبب والمسبب في المنقول إليه والناقل كان حجّة في كليهما، وإلا فهو حجّة في خصوص السبب، ونحتاج حينئذ إلى أن أضم اليه شخصا آخر من جهة اخرى. مثلا: تأتي بالراوي "الشعبي" المعروف ان بعدم التوثيق عندنا وان كان عند ابناء العامّة مقدّس وصادق [4] . فلو فرضنا ان الشعبي اخبر نفس الخبر أيضا يمكن ان يحصل التواتر بمعنى انه يمتنع تواطؤهم على كذب وبالرغم من ضعفه.

والامتاع التواطؤ على الكذب له أسباب، اما ان يكون من طرفين متعارضين، أو أن يكون من ثلاثة أو اثنين وهو ثقاة ولم يلتقيا حينئذ لا يمكن ان يمتنع تواطؤهم على كذب. ومن الأشياء التي تلفت النظر في مسألة الواقفة، ان الواقفة اتفقوا على الوقف على الامام الكاظم (ع) وكل واحد منهم في مكان، بمجرّد ان توفي الامام الكاظم (ع) وقفوا رغم ان منهم كان في الكوفة وغيره في الري وغيرها واتفقوا مباشرة انهم وقفوا عند الامام الكاظم (ع) بالرغم انه لقائهم يحتاج إلى أشهر، فكيف هؤلاء اتفقوا على كذب رغم انهم جهة واحدة، هنا نسأل كيف اتفقوا على كذب.

اما من كان مع الامام الصادق (ع) في مكان واحد مجتمعين هل نقطع؟ نعم إذا كان ثقة مثل زرارة ومحمد بن مسلم وعبد الله بن سنان يحصل عندي حالة قطع عرفي ولكن ليس متواترا إلا بمعنى ان التواتر تراكم نقل وليس كما في الاصطلاح يمتنع تواطؤهم على الكذب عادة.

يجب ان نفرّق بين أسباب القطع بالخبر كالقرينة الخاصّة أو تراكم الروايات أو التواتر بمعنى امتناع تواطؤهم على الكذب.

الأول خبر محفوف بالقرينة وليس متواترا. كما اعطى صاحب المعالم مثالا على ذلك: إذا اخبرك شخص مجهول ان ابنة الملك ماتت، وخرجت للشارع ورأيت السواد، فتقطع بالخبر لأنه خبر محفوف بالقرائن، وهذا قطعي.

نعم، التواتر يكون بالسببين الاخرين، بحيث يكون من تراكم الاحتمالات من تراكم المؤيدات، وإما من اخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على كذب.

النتيجة: ان التواتر المنقول هو حجّة في خصوص السبب دون المسبب، نعم نستطيع ان نكمل المسبب بأخرين بحيث يصبح هناك ضميمة تجعله حجّة.


[2] استطراد: لاحظت في بعض الكتب الفقهية الحديثة والقديمة، والحديثة خصوصا، الكاتب أتى بستة روايات عن الصادق (ع) وكلّهم من ابناء الخاصّة ثقاة ويقول أن هذا متواتر. والحق أن هذا ليس متواترا على الاصطلاح، هذا تَراكمَ النقل فيه وتراكمت المؤيدات فهو من المستفيض اصطلاحا إلا أن تؤدي الاستفاضة إلى قطع بالصدور. والفرق بين المستفيض والمتواتر ان المستفيض لا يؤدي إلى قطع بالصدور، وكلّما زادت الطرق ازداد الاطمئنان والظن أقوى وأكبر.
[3] استطراد: الاشكال على نقل بعض الضرورات، فالضرورة إذا سلبناها كأننا سلبنا الدين. والضرورات تارة فقهية، وتارة منطقيّة، وتارة عرفية وتارة عقلائية. والضرورات بشكل عام في كل علم بحسبه، فإذا نفيناه نكون قد نفينا اصل الشيء. والفرق بين الضروي والبديهي: ان البديهي هو المعلوم بالوجدان، والضروري أكثر من البديهي إذا نفيته نفيت أصل المسألة، مثلا: إذا قلنا ان الصلاة ضرورة دينيّة، وقلنا انه في الاسلام لا توجد صلاة، كأنك قلت لا يوجد اسلام ونفيت الدين، ويؤدي نفيه إلى نفي الرسالة. وكذلك في الضرورة الفقهية إذا نفيتها كأنك نفيت الفقه.
[4] والفرق بين ابن سيرين والشعبي، ان ابن سيرين عندنا لم يرد فيه ذمّ وعند أبناء العامّة من المقدسين الثقاة الكبار، لكن الشعبي ورد فيه ذمّ عندنا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo