< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/04/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاجماع المنقول:

 

     ما كان إخبارا عن حدس مع اختلاف الناقل والمنقول إليه في السبب.

     مناقشة مثال جواز الوضوء بالمائع المضاف للشريف المرتضى (ره)، ومحاولة توجيهه.

     النتيجة: الاجماع المنقول حجّة في السبب فقط، ويمكن ان يكون حجّة مع الضميمة.

 

القسم الخامس: ما كان إخبارا عن حدس مع اختلاف الناقل والمنقول إليه في السبب، في كيفية استكشاف رأي المعصوم (ع)، وهذا ليس بحجة. ومثاله: دعوى الشريف المرتضى (ره) على جواز الوضوء بالمائع المضاف استنادا إلى أن أصالة البراءة مما أتفق عليه العلماء ونقل الاجماع.

وبهذا يظهر ما في كلام السيد الخوئي (ره) في مصباح الأصول حيث يقول: "كدعواه (الشريف المرتضى) الاجماع على جواز الوضوء بالمائع المضاف استنادا إلى أن أصالة البراءة مما اتفق عليه العلماء مع أنه لا قائل به فيما نعلم من فقهاء الاماميّة، وليس الشك في جواز الوضوء بالمائع المضاف من موارد أصالة البراءة". [1]

بيانه: ان السيد المرتضى اخطأ في ذلك، أولا: بان دعوى الاجماع غير تامّة بقوله (ره) "لا قائل به فيما نعلم من فقهاء الاماميّة"، وثانيا: ان الشك هنا ليس من موارد البراءة. أي لم نرض كلامه لا صغرويا ولا كبرويا. فتطبيق المرتضى على قاعدة البراءة تطبيق خاطئ لان المورد من موارد الصحّة والفساد وليس من موارد الشك في التكليف.

ذلك ان الكلام في صحة الوضوء وعدمه، فجواز الوضوء بالمائع المضاف، الجواز بالمعنى الوضعي أي بالصحة وعدمه كذلك أي بالفساد، لا بالمعنى التكليفي

قد يكون المراد من كلام الشريف المرتضى (ره) لكي لا نظلمه لأنه من الاساطين، بأنه هل المكلّف مكلّف بإعادة الوضوء بعد الوضوء بالماء المضاف؟ هذا وجه لان البراءة لا تطبق إلا عند الشك في التكليف، ونقول: الكلام هنا في الصحّة والفساد وليس في التكليف.

أو أن يقال: أن الشك هو في اشتراط الاطلاق في الماء، فيرجع الامر إلى الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين في العبادات.

ففي مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين هي أنه هل يجب الأقل أو الأكثر لكن الأقل بحده والأكثر بحدّه وبهذا يفترق عن مسألة الأقل والأكثر الاستقلاليين. فالشك في الزائد موجود في الارتباطيين وفي الاستقلاليين، مثلا: الصلاة عشرة أجزاء او احد عشر جزءا فالجزء الحادي عشر مشكوك، فهل تجب السورة بعد الفاتحة أو لا؟

هذه المسألة شبيهة جدا من حيث الأمثلة بمسألة الصحيح والاعم، ونشير هنا إلى الفرق بين مسألة الصحيح والاعم ومسألة الأقل والأكثر الارتباطيين. ان الصحيح والاعم من مباحث الالفاظ، أي من الامارات، أي علمي، ومسألة الأقل والأكثر الارتباطيين تبحث في الاصل العملي، أي عند الانتهاء من الأصول اللفظية تصل النوبة للأصول العمليّة، ففي ترتيب الشبهة الحكمية: علم، علمي، أصل لفظي، ثم أصل عملي. فمع وجود الأصل اللفظي لا مجرى للأصل العملي.

نفس المثال الذي يأتي في الصحيح والاعم يأتي في مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين.

ففي الصحيح والاعم الذي هو مبحث لفظي بالنتيجة امارة، ومن نتائج الصحيح والاعم إذا قلنا بالصحيح ذهبنا إلى الاحتياط وإذا قلنا بالأعم في المثال تصح هذه صلاة ولو من دون الجزء المشكوك الحادي عشر لانطباق العنوان عليها، فاطرد الشرط المشكوك من مجموع الصلاة وتكون أمارة وليس أصلا عمليا - رأينا انها ليست موضوعة لا للصحيح ولا للأعم الموضوع معنى لغوي، أي ليس هناك حقيقة شرعية أصلا -، والنتيجة اطرد الشروط المشكوكة، لأنه ليس هناك نقل من المعنى اللغوي إلى المعنى الشرعي، في الأقل والأكثر الارتباطيين نفس المثال لكن نجري فيها الأصل العملي، فالأصل هنا عند اكثر الأصوليين ولعلّه شبه اجماع على البراءة، وبعضهم ذهب إلى الاحتياط، ونحن ممن يذهب إلى الاحتياط.

وجه ذهابنا إلى الاحتياط:

إن قال بالبراءة ذهب إلى مسألة الشك في وجوب الزائد فتجري البراءة.

وفيه: ان الجزء المشكوك لا يكون واجبا ابدا لا بالوجوب النفسي ولا بالغيري كما درسنا ذلك في باب مقدمة الواجب، فلا تجري البراءة، ولا بد من الاحتياط والاتيان بالجزء المشكوك للشك في الامتثال.

وعليه، إذا لم أت بهذا الجزء اشك في الامتثال، وعند الشك في الامتثال نجري الاحتياط.

نعم، هناك فرق بين أن يقول الشريف المرتضى (ره) جواز الوضوء بالمائع المضاف فهذا شيء، وجواز الوضوء بالماء المضاف فهذا عنوان آخر. إذا قلنا بجواز الوضوء بالمائع ثم شككنا بالمضاف يكون كل هذا الكلام كله موجّه، أما إذا قلنا بالماء المضاف كماء الرمان وماء الورد وماء البئر وماء العين وماء البحر، مضاف ومضاف اليه نوعان او قسمان، والنسبة إلى المكان أو السبب.

فإذا انطبق عنوان الماء تأتي مسألة الصحيح والاعم، فأقول: "هذا ماء" فاشك في اشتراط الاطلاق فيه فأقول أنه لا يجب أن يكون مطلقا.

اما في المائع المضاف كماء الرمان لا ينطبق عليه حكم الماء واقعا، سمي ماء تجاوزا لأنه سائل، حقيقة هو عصير الرمان. فاصل العنوان غير تام.

ونقول ان هذا التوجيه غير تام لان المائع المضاف ليس ماء أصلا فالعنوان الذي يجوز الوضوء به وهو الماء غير متحقق، فقد طبق الشريف المرتضى (ره) القاعدة في غير محلّها.

والنتيجة: الاجماع المنقول بذاته ليس حجّة، نعم خبر الواحد حجّة في خصوص السبب لا المسبب، لو نقل الشيخ الطوسي (ره) الاجماع على مسألة نحصل ان نقل السبب نعمل به، وبالنسبة للطوسي السبب هو انه اجتمع أو اتفق أهل عصر واحد على هذه الفتوى. فالإجماع المنقول ينفعنا إذن في نقل السبب، فإذا كانت قاعدة اللطف لا اعمل بها قد يقال انه لا نفع بنقل الاجماع أو عدم نقله.

نعم يمكن ان يقال بالفائدة، وهو نقل السبب، فإذا ختلفتا في السبب كما لو كان الناقل الشيخ الطوسي (ره) مثلا الذي يقول بقاعدة اللطف وانا لا أقول بها بل أقول بالإجماع العادي، فإذا استطعت بالسبب الموجود عندي من الشيخ الطوسي (ره) وقد تمّ وهو اتفاق عصر واحد أضم إلى هذا الاجماع او الاتفاق شيئا آخر بعض الاقوال الأخرى التي تؤدي عندي وعند العقلاء عادة إلى الكشف عن رأي المعصوم (ع) عقلائيا.

نعم بصبح النقل حجّة عندي أيضا لكن لا لأنه اجماع منقول، بل لأنه اجماع مركّب من السبب الذي تمّت حجيته بالنقل عن الشيخ الطوسي وغيره مثلا، وهذا جزء ضممت إليه مجموعة أخرى بحيث صار عندي سبب وجيه للقول بحجيّة الاجماع وهو كاشف عن رأي المعصوم (ع).

هذا ما انتهينا إليه في الاجماع المنقول، ونحن قلنا ان الاجماع من الأساس كبرى وصغرى غير تام، لكن القول كما قال بعضهم: " ان مخالفة المشهور مشكل، والعمل به اشكل" ونحن نكمل ونقول: " مخالفة الاجماع مشكل ولكن العمل بالإجماع اشكل". لأنه عمل بلا دليل.

وقبل أن نكمل بقيّة الظنون كالشهرة لا بأس بالإشارة إلى التواتر، التواتر المنقول وإلى السيرة المنقولة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo