< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/04/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاجماع المنقول:

 

     الاجماع المنقول فيه سبب وفيه مسبب وهو رأي المعصوم (ع).

     اقسام الخبر بحسب كيفية العلم بالمخبر به.

    

القسم الأول: ما كان عن حس، وهذا حجّة.

    

القسم الثاني: ما شككنا انه عن حس أو عن حدس، وهذا حجّة أيضا إما للسيرة العقلائية على ذلك عند كون المخبر به أو حسيا، واما للتمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة.

 

بعد الانتهاء من الاجماع، وقلنا انه لا دليل على حجيّته ونقلنا قول الشيخ الانصاري (ره)، ونقلنا محاولات تبرير فقهاء أهل العامّة للإجماع، وفقهاؤنا لما كانوا في البحر العام لفقهاء أهل السنّة قالوا بان الاجماع احد مصادر الاستنباط واوجدوا لحجيته مخارج.

 

الاجماع المنقول:

الاجماع الحجّة هو الذي يكشف عن رأي المعصوم (ع)، أما إذا نقل الاجماع هل حجيّته هي من حجيّة خبر واحد أو لا؟

ما الفرق بين الاجماع وبين الخبر بما انهما يكشفان عن رأي المعصوم (ع)، لماذا نجعل الاجماع المنقول قسما رأسه او مصدرا خاصا يختلف عن الخبر، والمشترك بينهما انهما كواشف.

الفرق بينهما ان الخبر نقل لرأي المعصوم عن حس والاجماع نقل عن حدس، وهل النقل عن حدس حجّة؟

الجواب بداية بالنفي لان الاجماع هو نقل للإجماع المنقول أي هو نقل لراي المعصوم حدسيا. من هنا شك في حجيّة الاجماع من المنقول، فخبر الواحد حجيّة إذا كان عن حس، اما إذا كان الناقل عن حدس فليس بحجّة.

في العنوان:
عنون الاصوليون المسألة بعنوان: حجية الاجماع المنقول بخبر الواحد.

ولكن البحث فيها -كما سنرى- يشمل الاجماع المنقول بخبر الواحد أو بالخبر المتواتر، وسواء كان ظنيا أم قطعيا. فلو قام التواتر على نقل اجماع فكل اقسام الخبر كما سنرى تجري فيه.

لكن لما كان الاجماع متواترا او قطعيا عمل به غالبا من دون نظر، فالكلام صار فقط في الخبر الواحد، لذلك جعلوا هذا العنوان: "الاجماع المنقول بخبر الواحد" دون غيره، فالإشكالات التي ترد في بقيّة الأقسام تجري هنا ايضا.

 

تفصيل الاجماع المنقول:
المنقول فيه أمران:

الأول: نقل السبب، أي نقل ما كشف عن رأي المعصوم (ع). مثلا: الشيخ الطوسي (ره) إذا نقل الاجماع نستفيد منه ان هناك سبب لهذا الاجماع وهو انه هناك اتفاق لأهل عصر واحد، الشيخ الطوسي مبناه قاعدة اللطف التي تؤدي إلى ان اتفاق فقهاء عصر واحد تقدّم أو تأخر يكشف عن رأي المعصوم فيكون حجّة في نقل السبب.

الثاني: نقل المسبب، أي نقل رأي المعصوم (ع). لا شك في أن نقل رأي المعصوم (ع) هو عن حدس من المجتهد، لا عن حسّ فهو لم يسمع الامام (ع) لا مباشرة ولا غير مباشرة.

ولذا، كان لا بد من استعراض أقسام الأخبار بحسب كيفية العلم بالمخبر به.

استعراض متى يكون خير الواحد الظني وليس المتواتر حجّة ودليلا؟

فالخبر إما قطعي أو لا. والقطعي إما متواتر أو محفوف بقرينة، وغير القطعي عبّر عنه بخبر الواحد. الواحد المحفوف بقرينة يكون عن حدس ويخرج عن محل الكلام.

 

القسم الأول:
بحسب كيفية العلم بالمخبر به، فالأخبار على خمسة اقسام:

ما يكون إخبارا عن حس ومشاهدة وسمع ولمس، كما لو رأيت السماء تمطر فأقول: السماء تمطر. وهذا مما لا شك في حجيّة الخبر فيه، ومنه أقول سمعت الامام (ع) يقول كذا وكذا. وسيرة العقلاء على ذلك، فإن احتمال الكذب وتعمّده مدفوع بوثاقة الناقل، والوثاقة أمر وجودي يتلبس به المخبر، كما الحدّاد سمي حدّادا لكثرة تلبسه بالحديد وهكذا غيره من أصحاب المهن، فكثرة التلبس تؤدي إلى وجود هذه الصفة وتصبح راسخة فيه.

واحتمال الغفلة أو السهو أو النسيان فمدفوع بأصالة عدمها التي استقر عليها بناء العقلاء، وهو ما يسمى بأصالة السند. [1]

القسم الثاني:
ما يكون إخبارا عن أمر محسوس، كالإخبار بزول المطر مع احتمال أنه لم يره بل كان إخباره عن أمور حسابية أو مقدمات لنزول المطر كالبرق والرعد. فهذا الإخبار يدور أمره بين الحس والحدس، ولا شك أيضا في حجيته. أما لأن السيرة العقلائية تقول بأن متعلّق الخبر إذا كان حسيا فنحمله على الحس عند الشك. واما من باب التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة.

ومثال آخر: لو اخبر برؤية الهلال، مع احتمال أن لا يكون رآه، بل لكونه فلكيا بمقدمات علميّة، أي دار الأمر بين كون الرؤية عن حس أو عن حدس. فهذا أيضا الخبر حجّة فيه، لأن العقلاء يستظهرون أن الخبر المحسوس هو عن الحس، إلا أن يقوم دليل على خلافه، أو أنه من باب التمسك بالعام بالشبهة المصداقيّة بناء على الجواز.

مثال آخر: يقال ان فلان ظهرت لحيته، اما تكون عن رؤية منه أو لأنه علم انه بلغ خمسة عشر سنه، والمفروض ان تنبت اللحية في هذا العمر.

ومن تطبيقات هذه المسألة إخبارات علماء الرجال في التوثيقات التي ذكروها بعد زمنهم بعدّة سنوات، مثلا: النجاشي أو الطوسي او ابن قولويه أو المفيد عندما يخبر ان زرارة ثقة وبينهم وبين الموثق مدّة طويلة، واشك ان النجاشي وغيره اخبروا عن وثاقة زرارة بان فلان عن فلان الذي عاشر زرارة اخبر انه ثقة، او ان توثيقه كان من بعض القواعد العامّة من قبيل أن الثقة لا يروي إلا عن ثقة. هنا لا ادري ان التوثيق كان عن حس أو عن حدس، أي عن قواعد مستنبطة. قالوا ان السيرة العقلائية ان نبني أن التوثيق عن حس إذا كان متعلق الإخبار أمرا حسيا.

ونحن نقول بذلك وانه من التمسك بالعام بالشبهة المصداقيّة، فالأخبار لا يعمل بها إلا إذا كانت عن حس، وكأني أقول: "ان كل خبر حجّة إلا ما كان عن حدس، واشك أن هذا عن حدس أو لا فاعمل بالخبر".

فالأصوليون ليخرجوا من الاشكال في التوثيقات الرجالية، وهو اذا شككنا بان الاخبار عن حس أو عن حدس ولم نقل بحجية اخبارهم حينئذ، خرجت توثيقاتهم عن الحجية، وهذه مشكلة كبيرة جدا، إذ لا يبقى من الروايات إلا الروايات المتواترة القطعية السند على الحجيّة. فقال الأصوليون أنه عندما أشك بأن عن حس أو عن حدس وكان متعلّق الخبر امرا حدسيا اخذنا بالخبر للسيرة العقلائية على ذلك، ونحن نقول انه إذا لم تثبت السيرة العقلائية فهو من باب التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. وهم يعملون بها دون ان يشعروا.

القسم الثالث: ما كان إخبارا عن امر قريب من الحس كالشجاعة والكرم، فهما امران معنويان لا يعرفان عن طريق الحس، بل هما عن طرق مقدمات قريبة جدا فهذا أيضا اخبار حجة.


[1] قلنا سابقا انه لا يمكن العمل بالخبر إلا بإجراء أربع أصالات: اصالة السند، اصالة الجهة، اصالة الدلالة، واصالة التطابق. فإذا انخرمت واحدة من الاصالات لا استطيع العمل بالخبر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo