< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/04/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاجماع:

الآيات القرآنية التي استدل بها على حجيّة الاجماع، واجوبتها.

 

نعود: قلنا لا باس بذكر بعض ما ذكره أبناء العامّة من الادلّة على حجيّة الاجماع، لعلّه انهم عندما اخترعوه تورّطوا وذكرنا كلام ابن السبكي في ردّ اثبات حجيّة الاجماع بالاجماع، وقد طالبوه بالدليل على حجية الاجماع بعد ان نفي ادلتهم، وكأن حجيّته أمر مفروغ عنه عندهم ، وصاروا يبحثون له عن مستند.

وذكروا أدلّة مثل: " لا تجتمع امتي على خطأ " الذي قال الغزالي ان الحديث متواتر، وبعضهم قال ان الحديث ليس متواتر وليس صحيحا أصلا لكنّهم استدلوا بالقرآن.

وقد جمع ادلتهم بالقرآن الشيخ الطوسي (ره) مفصلا في كتابه العدّة:

من الأدلّة التي استدلوا بها القرآن وذلك بآيات، وذكرتها لنرى مناط وكيفية الاستدلال بها، وذهنية الاستدلال.

منها: قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾ [1]

قالوا: فتوعد الله تعالى على إتباع غير سبيل المؤمنين كما توعد على مشاققة الرسول (ص)، فلولا أنهم حجّة يجب إتباعهم فيما اجتمعوا عليه وإلا لم يجز ذلك.

وفيه:
أ- أجاب بعضهم إن اللام في "المؤمنين" موضوع للاستغراق ولغيره كما لو كانت للعهد بأناس مخصوصين، فلا دليل على كونها للاستغراق، وإذا اريد البعض لم تثبت حجيّة الاجماع.

والانصاف ان اللام للاستغراق ولكن لا يبعد كونهما لشمول فئة خاصة من المؤمنين كأئمة الهدى من أهل البيت (ع) بدليل أن قسما كبيرا من هذه الأمّة كانوا من أهل المعاصي وخرجوا عن الكثير من الاحكام مع أنهم من أهل الإيمان الذين يؤمنون بالله ورسوله.

     إن الوعيد كان على اتباع غير سبيل المؤمنين، وهذا يعني اتباع المذاهب والأديان والتشريعات الأخرى. وبمفهوم اللقب لم يقل نفس المؤمنين، اما اتباع ما اجتمع عليه المؤمنين فلا يشمله الوعد.

أقول: إن المراد من السبيل هو الطريق المسلك وليس الأحكام والفتاوى الشرعيّة فردا فردا. ومن السبيل الرجوع إلى الله وأهل بيته في البحث عن الفتوى، فلو أخذت بفتوى تخالف الفقهاء جميعا لكن عن دليل شرعي من الكتاب والسنّة فلا أكون قد خالفت سبيل المؤمنين. اما لو اخترنا مثلا لاتباع السبيل اجماع أهل الهند أو غيرها من دون تحقق فهذا اتباع سبيل غير المؤمنين اتباع الشيطان. وكذلك عندما نقول مثلا اجماع أهل المدينة هو الحجة دون غيره من دون دليل فهذا أيضا اتباع سبيل غير المؤمنين.

ومنها: قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ [2]

قالوا: " الوسط " العدل، ولا يكون هذه حالهم إلا وهم خيار، لأن الوسط من كل شيء هو المعتدل منه، وفي الحديث:" كنت من اوسط الناس نسبا" أي خيرهم واعدلهم نسبا.

وقوله تعالى: ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ﴾ [3] المراد به خيرهم، وعلى هذا الوجه يقال انه عليه السلام كان من أوسط العرب، يعني بذلك من خيارهم.

وأيضا فانه جعلهم كذلك ليكونوا "شهداء على الناس"، كما انه عليه السلام شهيد عليهم، فكما أنه لا يكون شهيدا إلا وقوله حق وحجّة، فكذلك القول فيهم. وكأنه بهذا الدليل يريد أن يحمّل الآية اكثر من المراد.

وفيه: ليس كل الامة خيّرين، فإذا سقط العموم لا دلالة على كون المراد جميع الخيّرين. هذا يالاضافة إلى أن المراد أن النبي (ص) شهيد على المؤمنين والمؤمنون شهداء على الناس، من قبيل: " النبي هو الرسول يبلغهم، والفقهاء يبلغون رسالته فـ "الفقهاء امنا الرسل " انها وسائط من الله: الرسول والفقهاء إلى الناس.

ومنها: قوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [4]

وفيه:
أولا: ان الفتوى ليست من باب الشهادة. الفتوى استنباط حدسي وليس حسيا.

وثانيا:
ليس المراد هو العموم المجموعي من " اولوا العلم " حتى يكون الاجماع حجّة، بل المراد كل فرد فرد منهم، والعلم هو ما طابقه الواقع. ولذا فهم محصورون بالائمة من أهل البيت (ع).

وأيضا ان الجمع المضاف يفيد العموم من " اولوا العلم " لكن هنا المراد العموم الاستغراقي او العموم المجموعي، فإذا شهد اهل العلم جميعا يؤخذ بقولهم اما إذا شهد بعضهم فلا يؤخذ يقولهم؟

المراد انه كل من كان من أهل العلم واليقين ومعرفة الواقع يكون من الشاهدين، فليس من الضروري ان يشهد كل اهل العلم. فعندما نقول بحجية الاجماع يجب ان يكون عموما مجموعيا وليس عموما استغراقيا، ونرى بالوجدان عندما نقرأ الآية ان الله والملائكة واولوا العلم، هو استغراق لأهل العلم، وليس من الضروري ان يكونوا مجموعين، ولا يتم الاستدلال بالآية على حجية الاجماع إلا إذا كانت دلالة الآية على نحو العموم المجموعي.

ومنها: قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ﴾[5] والكلام فيها كالكلام في سابقتها.

ومنها: قوله تعالى: ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [6]

ومنها: قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [7]

وكيفية الاستدلال به: اوجب علينا الردّ إلى الكتاب والسنة عند التنازع، فيجب إذا ارتفع التنازع ألا يجب الردّ اليهم، ولا يسقط وجوب الردّ إليهما إلا لكونه حجّة.

ومنها: قوله تعالى: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [8]

وكيفية الاستدلال: أن الامة المخلوقة الهادية إلى الحق لا يمكن أن تجتمع على ضلالة. وكلمة أمّة تأتي في القرآن بثمانية معان.

وفيه: هذا مسلّم، ولكن تشخيص هذه الامة هو المهم، وهم يقولون:" تفترق امتي إلى ثلاث وسبعين فرقة واحدة ناجية والباقي إلى النار" وهذا يعني ان كثير من المسلمين ممن لا يهدون إلى الحق، فاين الدلالة على حجيّة اجماع الأمّة؟!. ونحن ندّعي انهم أهل بيت النبوّة (ع).

والانصاف ان هذه الآيات جميعا لا تدلّ على حجية الاجماع، وانهم حمّلوا دلالاتها اكثر مما تحتمل، كل ذلك لتبرير حجيّة الاجماع الذي ابتكروه وجعلوه من المسلمات الاصوليّة، وبعد ذلك حاولوا ان يجدوا له مستندا.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo