< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/04/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاجماع

 

     تكملة الكلام في الوجه السابع في مستند حجيّة الاجماع، ومحاولة لتوجيه كلام الشريف المرتضى (ره).

     الوجه الثامن: حجية اجماع خصوص الفقهاء المتاخمين لعصر الأئمة (ع) بدعوى عدم إمكان إنقلاب الجو العام، أو غير ذلك، وجوابه.

 

نعود للوجه السابع وهو الكشف عن دليل معتبر: وهو أن إجماعهم يدّل على دليل معتبر استندوا عليه قد خفي علينا، ولذا قالوا: " ان الاجماع الذي لا نعرف مدركا له أقوى كاشفية مما نعرف مدركه ".

لكن أولا: من قال بأنهم استندوا إلى دليل واحد؟

قد يكون أحدهم استدل بأصل البراءة والآخر استدل بأصل الفساد، وآخر استدل برواية وقد تكون ضعيفة، وآخر استدل برواية مشهورة.

وثانيا: من قال بأن دليلهم لو اطلعنا عليه لكان حجّة عندنا أو أخذنا به؟

الشيخ الانصاري (ره) والشيخ محمد تقي الشيرازي (ره) والسيد الشيرازي الكبير (ره) العلماء الكبار، لكن نحن رأينا ان الكثير من آراء الشيخ الانصاري (ره) الاصوليّة والفقهيّة انتقدناها وليس انتقاصا بل هذا علم ورأي.

ومثال على ذلك: دعوى الاجماع على جواز الوضوء بالماء - المائع - المضاف المنسوب إلى السيد المرتضى (ره) استنادا إلى أن أصالة البراءة، مما اتفق عليه العلماء، مع أن القائل به نادر عند الاماميّة على فرض وجوده، فإن المورد ليس من موارد أصل البراءة.

والسيد الخوئي (ره) يقول ان لا دخل لأصل البراءة في المسألة، فالبراءة تكون من التكليف،

ولعلّ السيد المرتضى (ره) ذهب إلى البراءة للتكليف الآخر من الوضوء، فعندما اتوضأ بالماء المضاف واشك بان هذا الوضوء فاسد اشك في وجوب إعادة الوضوء فالأصل عدمه، فالبراءة من وجوب الإعادة.

والانصاف هنا ان هناك وجه لقول الشريف المرتضى (ره) من جهة انه إذا قلنا هل يجوز الوضوء بالماء المضاف؟

والجواز هنا ليس جوازا تكليفيا فهو قطعا يجوز لكن لا تصح الصلاة فيه، بل هو جواز وضعي أي هل يصح الوضوء بالماء المضاف؟ وهنا يصبح الشك في شرط الماء، أي هل يشترط فيه ان يكون مطلقا او لا؟

فانقلبت القضيّة إلى الشك في الشرط في العبادة، فانقلبت القضية إلى الأقل والأكثر الارتباطيين.

وقلنا في الأقل والأكثر الارتباطيين عند الشك في جزء أو شرط أو مانع أو رافع أو قاطع أو كل القيود في العبادات، هنا اختلفوا انه هل الأصل البراءة أو الاحتياط، وذهب اكثر الأصوليين إلى البراءة لانهم اعتبروه ان شك في التكليف، اما نحن فقد ذهبنا إلى الاحتياط.

لكن هذه المسألة أصل عملي، ونكرر ان كلام الشريف المرتضى (ره) له وجه، فإذا قلنا ان الشك في الأقل والأكثر الارتباطيين يكون الأصل البراءة، أي عدم وجوب الاتيان بالشرط أي الاتيان بالماء المطلق فيكفي مطلق الماء وان كان مضاف أو مطلق.

كلام الشريف المرتضى (ره) قلنا انه كلام معقول لكن إذا وصل الأمر إلى الأصل العملي، وقلنا في الأصول ان الأصل العملي يأتي في آخر السلّم أولا العلم والعلمي الامارات ثم الأصل اللفظي ثم الأصل العملي.

ونشير هنا إلى الفرق بين مسألة الصحيح والاعم ومسألة الأقل والأكثر الارتباطيين. الصحيح والاعم من الامارات أي علمي، فنطرد الشروط بناء على القول بالأعم، ولا بد من الاتيان بها على القول بالصحيح. ومثاله المشهور الصلاة عشرة أجزاء او احد عشر جزءا، أي الشك في جزء. فعند الشك في جزء إذا قلنا بالصحيح يجب الاتيان به من باب الاحتياط فان الشك حينئذ من باب الشك في الامتثال حتى اضمن عنوان الصلاة، وإذا قلنا بالأعم لا يجب الاتيان به لانطباق عنوان الصلاة عليه.

ونكرر ن مسألة الصحيح والاعم امارة، ومسألة الأقل والأكثر الارتباطيين تبحث في الاصل العملي ونفس المثال فيما إذا شككنا بكون الصلاة عشرة أجزاء او احد عشر جزءا، او وجود سورة أو لا، لكن في الاعم والصحيح أمارات وهنا أصل عملي يؤخر عن الامارات.

أكرر بعد هذا التعليل مني يصبح كلام الشريف المرتضى (ره) معقول بالرجوع إلى اصل البراءة، لكن جوابنا عليه ان هذه المسألة اصل عملي يأتي في آخر سلم الاستنباط يسبقه الأصل اللفظي وهو: هل يتم عنوان الماء أو لا؟ وسنشير لاحقا بما يهمنا في هذه المسألة الفقهية.

الوجه الثامن: وهو حجيّة اتفاق خصوص الفقهاء المتأخرين لعصر الأئمة (ع).

بيان هذا الوجه: البعض بيّنه بالقول بأنه لا يمكن انقلاب الجو العام الفقهي خلال فترة زمنيّة بسيطة.

فالجو العام من الصعب ان ينقلب بهذه السرعة والاجماع عبارة عن جو عام للفقهاء مما يدل على أن الجو الذي قبله مثله فإذا اجمعوا على رأي يكون مثله، ونقول هذا صحيح غالبا، لكن هذا الكلام هل يؤدي إلى اطمئنان وقطع؟

فإذا ادّى فعهدته على من ادّى عنده وتصبح المسألة شخصية، لكن كعقلاء لا نلتزم بذلك والامثلة كثيرة.

بعبارة أخرى: قالوا ان الجو العام يحتاج لتغيره إلى وقت فلذا فان الجو الفقهي العام المتخم لعصر الأئمة يدل على ان الجو الفقهي العام في عصر الأئمة مثله، والجو الفقهي في عصر الأئمة يدل على ان الامام راض عن ذلك ويقول بذلك، فانقلاب الجو بعد عصر الامام إلى جو آخر صعب ونادر ولذلك قالوا ان الاجماع الذي هو قريب من عصر المعصومين يكشف عن رأي المعصوم.

هذا وجه ونقول ان الامر غالبا هكذا وانقلاب الأجواء في الفترة الزمنية البسيطة نادر لكن يمكن ان يأتي فقيه صاحب شخصيّة قوية ويقلب الجو ويؤثر بالأخرين.

وهناك تخريجات أخرى سنجدها في مسألة الشهرة وهي ان فتاوى الفقهاء كانت بالمأثور إلى ان جاء الشيخ الطوسي (ره) وخرج عن المأثور بالمدون، فالفقهاء كانوا يفتون وكأنه كلام الأئمة نفسه يأتون بالرواية كما هي، سنناقش المسألة في البحث عن حجيّة الشهرة، وباختصار: فتارة يأتي بالرواية فالحمد الله كما في كتاب من لا يحضره الفقيه فليس من الضروري ان يكون هناك اجماع بل يكفي ان يكون الناقل ثقة، فالكلام هنا في النقل لكن كلامنا هنا في الاجماع أي في الحدس رأي المعصوم (رع) وهو اتفاق الفقهاء على امر ما غير منصوص هل يكشف عن رأي المعصوم (ع) أو لا؟

وفيه: اننا لا نسلّم عدم حصول التغيير في فترات بسيطة، وإن كان الأمر غالبا كذلك، إلا ان الغالبيّة ليست دليلا. فقد لاحظنا ذلك في عدّة مجالات كالعبادات حيث كان الجو العام وجوب نزح البئر إذا وقعت فيه نجاسة ثم انقلب إلى استحباب أو في المسائل السياسيّة أو غير ذلك.

النتيجة: لا دليل على حجيّة الاجماع أصلا، إلا ان مخالفة الاجماع المحقق المحصّل من الأصحاب وأعاظم الفقهاء مما لا نجترئ عليه إلا في حالات نادرة، كما لو خالف صريح القرآن أو ظاهره القوي، كما في مسألة: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً﴾ [1] . الواضحة جدا في الشرطيّة بكل الأدلة سواء كان في القرآن الكريم أو بأن النهي عن المعاملة يقتضي فسادها بعنوانها وقد ورد النهي بالعنوان كما اذهب، ولو فرضنا انه ليس هناك دليل فاستصحاب الطلاق، أو بالاعتبار الإنساني. لكن الاجماع متحقق عند الخاصّة والعامة على جواز الرد بدون الإصلاح وانه ليس بشرط.

ونِعمَ ما قال الشيخ الانصاري (ره) في اول بحث الاجماع : " هم أصل له وهو أصل لهم".

نعم إنه لا باس بذكر بعض ما ذكره أبناء العامّة من الادلّة على حجيّة الاجماع، لعلّه انهم عندما اخترعوه تورّطوا وذكرنا كلام ابن السبكي في اثبات حجيّة الاجماع بالاجماع، وقد طالبوه بالدليل على حجية الاجماع بعد ان نفي ادلتهم، وكأن حجيّته امر مفروغ عنه، وصاروا يبحثون له عن مستند.

وذكروا أدلّة مثل: " لا تجتمع امتي على خطأ " الذي قال الغزالي ان الحديث متواتر، وبعضهم قال ان الحديث لا متواتر وليس صحيحا أصلا لكنّهم استدلوا بالقرآن.

وقد جمع ادلتهم بالقرآن الشيخ الطوسي (ره) مفصلا في كتابه العدّة:

من الأدلّة التي استدلوا بها القرآن بآيات: منها:

قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾[2]

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo