< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/03/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاجماع:

     مقدمة في منشأ الاجماع.

     مستند الحجيّة ثمانية وجوه.

     الوجه الأول: قاعدة اللطف، وجوابه.

     الوجه الثاني: تراكم الظنون والمؤيدات حتى يحصل القطع، وجوابه.

 

الاجماع:

ينقسم الاجماع بحسب تحققه إلى محصّل ومنقول، وينقسم أيضا إلى مدركي وغيره.

الاجماع المحصّل: هو ما حصّله الباحث بنفسه، بحيث اطلّع الباحث على آراء الفقهاء بنفسه.

الاجماع المنقول: هو ما نقله ناقل إلى الباحث.

حجية الاجماع:

بحسب تحليلي الشخصي وقد أكون مخطئا أن الاجماع وحجيته هو من ابتكار فقهاء العامّة، ولعلّ السبب الذي دفعهم إلى اختراعه هو محاولة تصحيح خلافة ابي بكر [1] ، وحيث إنهم لما لم يجدوا دليلا معتبرا عليها من كتاب الله ولا سنّة رسوله (ص) لجأوا إلى ابتكار دليل سمّوه: " الاجماع ". ثم بعد هذا الابتكار اختلفوا في تحديد اطراف الاجماع، فهل يجب ان يجمع المسلمون كافّة؟، أو يجمع أهل المدينة؟، أو يجمع أهل الحلّ والعقد؟

وكلّها توجيهات دوافعها الاساسيّة سياسية، ولذلك قال الشيخ الانصاري (ره) في "رسائله" في مطلع بحث الاجماع بكلمة مختصرة: " هم أصل له وهو أصل لهم". ونِعمَ ما قال.

أما فقهاؤنا فإنهم في البداية لم يجدوا دليلا، ولكن مداراة لأبناء العامّة وقد كانوا قلّة بينهم، فقد ذهبوا إلى حجيّة الاجماع، وقد حاولوا تخريج حجيّته والبحث عن دليل، فقالوا: "الاجماع حجّة إذا كشف عن رأي المعصوم (ع)".

من هنا نفرّق بين الاتفاق والاجماع.

فالاتفاق هو الفتوى الواحدة للفقهاء وهذا بمجرّده لا حجّة فيه.

أما الاجماع فهو الكاشف عن رأي المعصوم وهذا هو الحجّة.

ثم إنهم بعد ذلك اختلفوا في كيفيّة كشفه عن رأي المعصوم (ع) أي اختلفوا في مستند الحجيّة، فكانت وجوه متعددة حصلنا منها ثمانية وجوه:

الوجه الأول: قاعدة اللطف، وهي ما استند إليه الشيخ الطوسي (ره) وهي: "انه يجب على المولى سبحانه وتعالى اللطف بعباده، بإرشادهم إلى ما يقرّبهم إليه تعالى من مناهج السعادة والصلاح، وإلى ما يبعدهم عنه تعالى من مساقط الهلكة والفساد. وبعبارة أخرى: هي التقريب إلى الطاعة والتبعيد عن المعصية. وهذا هو الذي أوجب إرسال الرسل وانزال الكتاب ونصب الامام (ع). وهذا كله لبيان أحكام الله تعالى الواقعيّة، فإذا اتفق الفقهاء من أهل عصر واحد على حكم مخالف للواقع ولمّا أمر الله به، وجب على الامام المعصوم (ع) أن يلقي بينهم الخلاف حتى لا ينعدم العلم بحكم الله تعالى كليا عن وجه الأرض. وهذا يستكشف منه بنحو الإن ان الاتفاق وعدم الخلاف كاشف عن رأي المعصوم (ع).

وفيه: إننا نسلّم بأصل اللطف الإلهي، فقد وصف الله تعالى نفسه في القرآن الكريم بـ " اللطيف ". واللطف يشمل كل ما فيه مصلحة البشر سواء كان في الأمور الدنيويّة أو الدينيّة. ومن لطفه تعالى أنه اتخذ طريقا لبيان الأحكام عن طريق الرسل، وقد أعطى قواعد عامّة، ونصوص خاصّة، وهذا قد يؤدي إلى الاختلاف بين الناس، ولعلّه من لطفه يريد من الناس أن يفكّروا ويشحذوا الأذهان، وبهذا تظهر عظمة خلقه، وهذا ليس أمرا قبيحا على الله ولو كانت قاعدة اللطف بالمعنى المذكور لوجب أن يعرف كل إنسان في الدنيا أحكامه الشرعيّة الواقعيّة، إذ ما الفرق - على القول بقبح تركهم يتفقهون على حكم خاطئ - بين أن يقول بهم جميعهم أو يقول به بعضهم دون الآخر.

لذلك قاعدة اللطف البسوها ثوبا فضفاضا كثيرا فليست دليلا على حجيّة الاتفاق وكشفه عن رأي المعصوم (ع).

الوجه الثاني: تراكم المؤيدات حتى يحصل القطع.

فإننا نجد من انفسنا أنه إذا أفتى فقيه واحد بفتوى يحصل عندي احتمال بصدق الفتوى، فإذا أفتى آخر بنفس الفتوى قوي الاحتمال عندي، وهكذا، فإذا أفتى جميع الفقهاء حصل القطع عندي بصحّة الفتوى، بسبب تراكم المؤيدات أو الاحتمالات.

وفيه: أن هذا مسلّم في خصوص الحسيّات، فالخبر كلما ازداد عدد المخبرين كلّما قوي صدقه، كما في الخبر المتواتر على بعض وجوهه، ذلك أنه كلما زاد عدد المخبرين كلما قلّ احتمال الخطأ، أو احتمال الكذب إلى أن يحصل القطع بالخبر وذلك عند انعدام الاحتمالين.

وهذا بخلاف الأمور الحدسيّة، فلو أجمع الناس جميعا على أمر ببرهان واحد، وأنا اشك في صحّة البرهان فلا فرق حينئذ بين الواحد والكثير، مثلا: كما لو خالف صريح القرآن أو ظاهره القوي، كما في مسألة: " وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ان أرادوا اصلاحا" أجمع فقهاء المسلمين جميعا الشيعة والسنّة على ان الرجل له الحق بالإرجاع حتى لو لم يرد الإصلاح واراد الاضرار وإن أثم بذلك. نحن نرى ان هذا الاجماع لا يؤدي إلى قطع ونرى خلاف ذلك لان القرآن يقول ذلك، وأيضا ألا ترى أن الفلاسفة إذا اتفقوا على أمر وانا اشك في دليلهم لا يحصل عندي القطع، وكذلك كمثال واقعي اجماع الأطباء على أمر ورأيت ان اجماعهم خطأ فلا نأخذ بقولهم.


[1] استطراد: هناك كتاب كتبه صالح الورداني عن "المذاهب السياسية عند أبناء العامّة من الناحية الفقهية" فيه نرى ان كل مذهب انما صُنع لأجل تبرير وتخريج خلافة احد الأشخاص، مثلا لتبرير خلافة ابي بكر خرجوا بنظرية الاجماع بقولهم "أجمعت الأمّة على خلافة ابي بكر"، اما في عمر خرجوا بنظرية التنصيب بالتعيين من ابي بكر، اما في عثمان خرجوا بنظرية اجماع أهل الحل والعقد، اما في معاوية حيث لم يكن اجماع ولا تعيين ولا اجماع أهل الحل والعقد، خرجوا بنظرية الغلبة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo