< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجيّة قول اللغوي:

 

- الأصل عدم حجيّة الظن.

- بحث حجية قول اللغوي ومحل الكلام وهو خصوص ما لو افاد الظن دون الاطمئنان.

- ادلّة حجية قول اللغوي: الأول: سيرة العقلاء في الرجوع إلى الخبرة.

- الاشكال على الدليل الأول:

أ- الرجوع إبى اهل الخبرة هو من باب الحدس لا الحس، اما الحس فهو من شأن الخبر والشهادة، واللغويين ينقلون الاستعمالات.

     لو تمّ ان احد اللغويين يحقق في الموضوع له فلا بد من شرط آخر وهو وثاقته وامانته في تشخيص الوضع.

 

في الدروس السابقة بدأنا بالقطع وانتهينا بالامارات، بدأنا الكلام بحجيّة الظن والاشكالات عليه وقلنا ان الأصل عدم حجيّته، الآن نبدأ بالمفردات: الشهرة والاجماع المنقول والسيرة وحجيّة قول اللغوي والظن المطلق.

الظنون الخاصّة، منها: حجيّة قول اللغوي.

كثير من الالفاظ لا نعلمها ولا نعرف معناها ولا مفاهيمها مثلا كلمة "فقاع" هل هي لكل شعير مغلي؟ أو للماء الذي يفقع بعد تخميره أو بعد غليانه، هنا نذهب للغويين وكتبهم لنعرف ماذا يقولون، مثلا إلى القاموس المحيط، إلى تاج العروس، إلى صحاح الجوهري، إلى لسان العرب لابن منظور، ألى مجمع البحرين للطريحي وغيرهم.

هل هؤلاء قولهم حجّة علينا أو لا؟

هذه المسألة قديمة، وهي محل ابتلاء كثير، لبعدنا عن زمن اللغة الفصيحة، ومع ابتعاد الزمن ألّف العديد من أهل الخبرة في اللغة العربيّة وغير العربيّة كتبا ومؤلفات في معاني الألفاظ، وهذا أمر ليس محصورا باللغة العربيّة بل هو موجود في كثير من اللغات الحيّة، بل ألف بعضهم قواميس في بعض اللغات البائدة كالمسماريّة والفرعونيّة.

ونحن، ولكون النصوص المعتبرة الشرعيّة من اللغة العربيّة، ولكثرة الألفاظ المجهولة معانيها، إما أصلا، أو سعة وضيقا، فمثلا من المسائل التي وردتنا أن رجلا عنينا قد أخذ أدوية، أو ركّب سلكا بحيث أن الانتصاب عنده لم يكن بسبب طبيعي، فمع أن أصل مفهوم العنين معلوم، إلا أننا نشك في شموله لما لم يكن بالطبيعة وكان بالواسطة كالمثال المذكور.

ومثال آخر شخص لم يذكر لزوجته حين خطبها أنه عنين، هل يسمّى تدليسا الذي وهو بمعنى إخفاء العيب أو ما هو خلاف الواقع، هل التدليس يشمل من سكت عن عيبه. فرق بين حكم خيار التدليس وحكم خيار العيب وهو العنن، خيار العنن يؤجله الحاكم سنة من حين رفع امرها للحاكم، اما خيار التدليس فيحق للزوجة مباشرة فسخ العقد ولا تحتاج لتأجيل الحاكم لسنة. هذه المسألة يكون لها حكم العنن أم حكم التدليس؟

الأصل في الالفاظ معلوم اجمالا لكن سعته أو ضيقه محل شك وتكون الشبهة مفهوميّة [1] ، بل ان بعضهم مثّل بالماء الذي هو من الواضحات، ومع ذلك اختلف في شمول الموضوع له لبعض أفراده سعة وضيقا.

الكلام في الرجوع إلى قول اللغوي في الشبهات المفهوميّة لا المصداقيّة اصطلاحا.

ولذا لجأ الفقهاء في المعاني المشكوكة غير المعلومة إلى أهل اللغة وإلى قواميسهم، فهل الرجوع إليهم حجّة ودليل مؤمن عند عدم حصول العلم واليقين من قولهم، بل حصل مجرّد الظن؟ مع العلم أن الأصل عدم حجيّة الظن؟

فإذا رجعنا إلى قول اللغويين وحصل لنا الاطمئنان اصبح كلامهم حجة لان الاطمئنان يعتبر علما عرفيا وهو حجّة، لكن الكلام في عدم حصول الاطمئنان بل كان مجرّد ظن، فهل قولهم حجّة أو لا؟

قال الشيخ الآخوند (ره) في كفايته الأصول: " نعم نسب إلى المشهور حجية قول اللغوي بالخصوص في تعيين الأوضاع". أي ان الموضوع له هو ما ذكره اللغوي.

ودليل المشهور: ما استدل به على حجيّة قول اللغوي أربعة وجوه:

الأول: سيرة العقلاء في الرجوع إلى أهل الخبرة.

الثاني: الإجماع.

الثالث: جريان الانسداد الصغير.

الرابع: حجيّة خبر الواحد.

أما الأوّل: فلا شك ولا ريب في أن العقلاء يرجعون إلى أهل الخبرة في كل فن، إلا ترى أن المريض يرجع إلى الطبيب، ومن يريد أن يبني دارا يرجع إلى المهندس، وطالب الحكم الشرعي يرجع إلى الفقيه، وهكذا ... ولم يثبت ردع شرعي عن ذلك وهذا يعني انها صارت حجّة علينا، بل روي العمل به من قبل بعض الأئمة (ع)، مثلا كان عند العرب أطباء وكان الرسول (ص) يكلفهم بتوضيح الامراض وكذلك عندما ضرب امير المؤمنين علي (ع) جاء طبيب وعاينه واخبرهم بالحال.

لايقال: إن الفقيه لا يرجع إليه مطلقا، بل لا بد من العدالة.

فإنه يقال: إن ذلك لدليل خاص فيه كالإجماع ورواية: " فمن كان من الفقهاء صائنا لدينه عاصيا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه"، وليس لسيرة العقلاء على ذلك.

نعم، العقلاء في سيرتهم يشترطون إلى جانب الخبرة الوثاقة والصدق في بيان التشخيص لا العدالة.

وفيه: ان الرجوع تارة يكون في الأمور الحسيّة وتارة في الأمور الحدسية:

فالرجوع في الأمور الحسيّة وهي من شؤون النقل، وهذا شأن الشهادة والخبر.

اما الرجوع في الأمور الحدسيّة فهذا شأن الرجوع إلى أهل الخبرة.

فالطبيب مثلا لا أرجع إليه في نقله بل ارجع إلى اجتهاده وحدسه، فاهل الخبرة نرجع اليهم في حدسهم لا في نقلهم.

وعند تطبيق ذلك على قول اللغويين فإننا نجدهم يذكرون استعمال اللفظ في معناه، ولا يذكرون المعنى الموضوع له اللفظ، فلم يعد الرجوع اليهم من باب أهل الخبرة، بل الرجوع إلى نقلهم حينئذ نشترط ما في النقل من الوثاقة في الناقل، لان كلامنا أصلا في تعيين الأوضاع، إلا على ما قيل " الشيخ المظفر (ره) " في كتابه "أساس البلاغة" على ما في بالي ان الزمخشري كان يذكر الموضوع له للفظ.

أما بالنسبة للزمخشري فلا بد حينئذ من إثبات صدقه في التشخيص لانه اصبح من اهل الخبرة. هذا من جهّة.

ومن جهّة أخرى فإننا لا نسلّم بأن سيرة العقلاء هي في الرجوع إلى أهل الخبرة بمجرّد احتمال صدق تشخيصهم، بل إن دعوى أن سيرتهم هي في الرجوع إليهم مع الاطمئنان بوثاقتهم دون الاحتمال غير مجازفة.

 


[1] توضيح: ما المقصود هنا من الشبهة المصداقيّة؟ الشبهة المصداقية قد تكون بالمعنى اللغوي، وهي تشمل حالة عدم ثبوت العام، لكن محل الكلام في المصطلح الاصولي للشبهة المصداقية هو ان يكون هناك عام أي يثبت العام ثم نخصص واشك في هذا الفرد انه من افراد الخاص او لا بعد ثبوت ان هذا الفرد من افراد العام، مثلا: "اكرم العالم إلا الفاسق" والفاسق عالم، وزيد عالم واتى عدم اكرام الفاسق. فزيد بعد ثبوت العام له أي العالم اشك في خروجه بسبب الشك في صدق الفاسق عليه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo