الأستاذ السيد عبدالکریم فضلالله
بحث الأصول
43/03/13
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: فصل: إذا دار الامر بين التخصيص والنسخ؟.
• تحقيق المسألة والمختار.
• فرق بين المولى العرفي والشارع المقدّس: الشارع يعلم بالملاكات والمصالح من الأساس فتحمل جميع الصور على التخصيص.
• إشكال: على هذا يمتنع النسخ لانه يلزم منه احد المحذورين: إما جهل المولى ببقاء المصلحة وهو محال، وإما رفع الحكم مع بقائها وهو قبيح.
• الرد: المصلحة قد تتغيّر او تنتفي مع الزمن فلا مانع من رفع الحكم حينئذ.
قلنا انه إذا دار الامر بين التخصيص والنسخ هناك خمس صور ذكرناها تفصيلا وسنحمل جميع هذه الصور على التخصيص.
والتحقيق: وفيه سنفرّق بين المولى العرفي والشارع، الشارع يعلم بالمصالح من الأساس وليس عنده بداء وانه يريد العام أو الخاص أو المطلق أو المقيّد، وعلى المولى العرفي لا يعلم بالمصالح وعنده النسخ والبداء الحقيقي.
نقول: إن الاحكام قد نزلت في علم الله دفعة واحدة في اللوح المحفوظ، ثم بيّنت على نجوم في ازمنة مختلفة ولذا فالملاكات موجودة من الأساس، والاحكام ثابتة كذلك، ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [1] وانما التأخير والتقديم هو في مقام البيان فقط واصبح هناك عام وخاص ومطلق ومقيّد ومجمل ومبيّن، وهذا يعني ان ملاك الخاص وملاك العام ثابتان من الأول، فلا بد من الحمل على التخصيص [2] . ومثلا: قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [3] وهذه الآية شاملة لكل الغنائم من الحرب وغيرها، ثم بعد ذلك بسنين طويلة ورد عن الائمة (ع) مخصص وهو ان لا خمس في المهور والإرث، وهنا قد تأخر البيان عن وقت الحاجة.[4]
والنتيجة: هي الحمل على التخصيص في جميع هذه الصور، واما النسخ فيحتاج إلى دليل.
اشكال وردّ:
قد يقال: على هذا فلا مجال للنسخ في الشريعة، لان الملاكات معلومة عند الله عز وجل، والتقديم والتأخير هو في كيفيّة البيان لان النسخ لا يخلو من احد امرين:
إما ان يرفع المولى الحكم مع بقاء المصلحة وهذا لا يصدر من الحكيم ويكون خلاف الحكمة وسفها منه إذ ان الحكم تابع للمصلحة.
وإما ان يكون المولى جاهلا ببقاء المصلحة فيرفع الحكم وهذا محال على الله تعالى.
فانه يقال: إن الأحكام على قسمين:
قسم لا يكون فيه مصلحة في متعلّق الحكم، بل في مجرّد جعله كالأوامر الامتحانيّة، فهذا لا مانع من جعله ثم رفعه، لأن الغرض والداعي والملاك قد تحقق، وهو الامتحان وما شاكله كالردع مع العلم بانتفاء الموضوع كما في لو قال: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [5] أو " القاتل يقتل " فانه يعلم ان هذا الحكم سيكون رادعا للناس عن القتل. ولذا يخبر بــــــــــــــــ " لكم في القصاص حياة ". فإصدار الحكم اتى لا لأجل تنفيذه بل للردع عن ارتكاب موضوعه، أي ان الشارع لا يريد ان يرى تحققه خارجا، فينهى عنه ويعطي حكما قاسيا لعلمه بارتداع الناس عنه حينئذ. فالشارع يعلم ان الحكم لن يصل إلى مرحلة الفعليّة.
وقسم آخر وهو ما كان بدافع حقيقي لمصلحة في الفعل، فكلّما وجدت المصلحة وجد الحكم، مثلا: " الخمر حرام ".
وإذا لاحظنا ان المصالح قد تختلف بحسب الأزمنة والاحوال فلا مانع من ثبوت الحكم في زمن وارتفاعه في زمن آخر، فالصوم مثلا في شهر رمضان فيه مصلحة ملزمة، وفي غيره مصلحة غير ملزمة، فنجد المصالح قد تغيرت بحسب الزمان، وكذلك غسل الجمعة والصدقة في يوم الجمعة أثوب منها في غيره مع ان الفعل واحد. فقد ترتفع المصلحة ولا بد حينئذ من النسخ.
إذن لا مانع من النسخ في الشريعة ولا يلزمه أحد المحذورين من جهل المولى المحال، أو قبح صدوره من الحكيم. إذن لا ينبغي الشك في جواز النسخ، بل في وقوعه في الاحكام، كمسألة تغيير القبلة، قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [6]
نعم هذا النسخ ممكن بل ثابت لكنه يحتاج إلى دليل، ومع عدم الدليل نحمل على التخصيص.
الثمرة بين النسخ والتخصيص: