< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

41/06/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: العام والخاص. ادوات العموم.

     النكرة في سياق النفي تفيد العموم عقلا، لان الطبيعة لا تنتفي إلا بانتفاء جميع افرادها.

     الفرق بين " لا " النافية للجنس و " لا" النافية للوحدة.

     الفرق بين: " لا ريب فيه " و " لا فيها غولٌ "

     الفرق بين مقدمات الحكمة وحكم العقل.

     بيان كلام الامام الخميني (ره) والتعليق عليه.

النكرة في سياق النفي:

لدينا ثلاثة مركبات: النكرة في سياق النفي، والنكرة في سياق النهي " لا تكرم رجلا " ، والنكرة في سياق الاستفهام " هل من رجل في الدار" يعني كل الرجال.

النكرة في سياق النفي مثل: " لا رجل في الدار " وقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ ﴾ [1] فهو يدل على عموم نفي افراد الرجل، لان الطبيعة لا تنتفي إلا بانتفاء جميع افرادها، ولو وجد رجل واحد لوجدت الطبيعة، فلا يصدق " لا رجل في الدار "، وتصبح قضية كاذبة، وقلنا ان الدلالة على العموم تكون اما بالوضع أو بالاطلاق ومقدمات الحكمة أو بالعقل. والدلالة هنا عقلية كما يقول صاحب الكفاية، لان العقل يحكم بان الطبيعة لا تنتفي إلا بانتفاء جميع افرادها. [2] ومقدمات الحكمة ليست مسألة عقلية، بل مسألة عقلائية وهي ان الحكيم لا يمكن ان يصدر عنه ما هو قبيح. [3]

ونعود: النكر في سياق النفي: " لا ريب فيه " تدل على العموم بالدلالة العقلية لان العقل يحكم بان الطبيعة " ريب " لا تنتفي إلا بانتفاء جميع افرادها.

والمراد من النفي هو نفي الجنس مثل: " لا رجلَ في الدار " فلا بد من نفي جميع الافراد حتى ينتفي الجنس دون النفي للوحدة مثل: " لا رجلٌ فيها " ينفي شخص واحد، فرد واحد من الطبيعة.

الفرق بين نفي الجنس ونفي الوحدة:

في المثال: " لا رجلَ فيها الدار " نفي الماهية، وسمّاها النحاة بلا النافية للجنس، ولا يجوز بعد هذه ان يقال: " بل رجلان " وإلا كان الكلام متناقضا.

واما في قولنا: " لا رجلٌ في الدار " جاز ان تقول بعده، " بل رجلان ".

فرق بين نفي الجنس ونفي الفرد، ولذا كانت " لا " النافية للجنس تعمل عمل " إن " ويكون اسمها مبنيا على ما ينصب به، وأما " لا " النافية للوحدة فانها تعمل عمل ليس فترفع الاسم وتنصب الخبر. كلامنا في النكرة الدالة على نفي الجنس.

لا بأس بذكر كلام لبعض المحققين:

فإذن النكرة في سياق النفي تفيد العموم عقلا، وهذا ما ذهب اليه صاحب الكفاية (ره) حيث يقول:

ربما عدّ من الالفاظ الدالة على العموم النكرة في سياق النفي او النهي، ودلالتها عليه لا ينبغي أن تنكر عقلا، لضرورة انه لا يكون طبيعة معدومة إلا إذا لم يكن فرد منها بموجود وإلا كانت موجودة.

ما هو الفرق بين قوله تعالى: " لا ريب فيه " وقوله تعالى ﴿لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ﴾ [4] : في كلتا الآيتين " لا " نافية للجنس وللطبيعة. إذن لماذا رفعت كلمة " غولٌ " ودون كلمة " ريب " ؟

في قوله تعالى: " ذلك الكتاب لا ريب فيه " لا تدل على ان جنس الريب ليس بموجود، الريب كله بكل افراده ليس موجودا، ولا نستطيع ان نقول: " بل ريبين ". واما قوله تعالى: ﴿لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ﴾ ، " غولٌ " هنا " لا " نافية، هل نستطيع ان نقول: بل " غولان "، طبعا لا نستطيع وإلا تناقض الجملة مع نفسها. لماذا قال: " فيها غولٌ ". قلنا " لا رجلَ فيها بل رجلان " تناقض، اما " لا رجلٌ فيها بل رجلان " فصحيح. نعم إذا قدّم الخبر بطل عمل " لا " النافية للجنس، والاصل كون " لا " نافية للجنس لا للوحدة.

وناقش السيد الخميني (ره) كلام صاحب الكفاية وقال ان الدلالة ليست عقلية بل بمقدمات الحكمة، يقول:

بان النكرة في سياق النهي أو النفي من المطلقات ولا دلالة لها على العموم، لا وضعا لان اسم الجنس موضوع لنفس الطبيعة بلا شرط وتنوين التنكير لتقييدها بقيد الوحدة غير المعيّنة، والفاظ النفي والنهي وضعت لنفي مدخولها أو الزجر عنه، فلا دلالة فيها على نفي الافراد، ولا وضع على حدة للمركب، فحالها حال سائر المطلقات في احتياجها إلى مقدمات الحكمة، ولا عقلا، لان لكل طبيعة وجودا واحدا وعدما واحدا لا اعداما متعددة، وان كان بعد تمامية مقدمات الحكم فيها يكون النتيجة نفي الطبيعة ونفيها يكون بنفي جميع الافراد عرفا. [5]

يعني لا فرق بين " اكرم العالم " في الدلالة على العموم، وان كان هو لا يقول بدلالة المفرد المحلّى باللام على العموم وبين " لا رجلَ في الدار " في الدلالة على العموم. هنا عموم جميع الافراد في " اكرم العالم " وهنا " لا رجل في الدار " عموم جميع الاعدام.

فإذن السيد الخميني (ره) يذهب إلى ان العموم في الحالتين بمقدمات الحكمة، فيها وجهة نظر، لان الطبيعة تنتفي بنفي جميع افرادها كما قلنا في " أكرم العالم " طبيعة " العالم " توجد في كل فرد فرد، وارادة بعضها دون الآخر ترجيح بلا مرجح، دلّ المركب " اكرم العالم " على العموم بمقدمات الحكمة لانه يقبح على الحكيم ان يأمر ببعض الافراد دون الآخر فدلّت على العموم والشمول حينئذ، وأيضا هنا في " لا رجل " دلالتها على بعض الاعدام دون الآخر من دون بيان قرينة كذلك ايضا قبيح على الحكيم، كلاهما يحتاج في الدلالة على العموم إلى قبح صدوره من الحكيم، ان دلّ على البعض دون الآخر، يعني بالاطلاق ومقدمات الحكمة، هذا كلام السيد الخميني (ره).

ونقول تعليقا: فرق بين " لا رجلَ في الدار " و " أكرم العالم ". " لا رجل في الدار " الطبيعة لا تنتفي إلى بجميع افرادها عقلا بينما " أكرم العالم " الطبيعة تنتفي بوجود فرد واحد عقلا، نعم يقبح على الحكيم ان يريد بعض الافراد دون الآخر من دون بيان. كلام صاحب الكفاية (ره) متين، فرق بين دلالة " أكرم العالم " على العموم وبين دلالة " لا رجل في الدار " على العموم، كلاهما يدل على العموم لكن " أكرم العالم " تحتاج إلى ضميمة انه يقبح على الحكيم ارادة بعض الافراد دون الآخر لانه ترجيح بلا مرجح، اما هنا " لا رجل " لا نصل إلى هذه مرحلة اساسا لان لا تنتفي الطبيعة إلا بنفي جميع الافراد، هذا عقلا، من الحكيم ومن غيره.

قد يقال: ان " أكرم العالم " طبيعة توجد في فرد وايضا " لا تكرم عالما " طبيعة تنتفي من فرد هذا عقلا، وكلام السيد الخميني يكون متين، لا فرق بينهما في أن الدلالة على الشمول بحاجة إلى قبح صدور ذلك من الحكيم.

لكن نقول: ان " أكرم العالم " فيها " لام " الماهية هناك لحاظ للماهية، بعكس " أكرم عالما " فيها لحاظ افراد في الامتثال. هذا اللحاظ هو الفرق. " اللام " فيها لحاظ الصفة.

 


[2] في جواب سؤال عن الفرق بين حكم العقل وحكم العقلاء ومقدمات الحكمة؟ الفرق بين حكم العقل وحكم العقلاء؟ حكم العقلاء هو ما يسمى بالعقل العملي، اي ان العقلاء إذا اجتمعوا يحكمون بحسن العدل وقبح الظلم وبقبح القتل، هذا الحكم ليس عقلا فرديا هنا عقلاء يحكمون بذلك. ابن سينا سماها بالآراء المحمودة. وفرق بين حكم العقلاء وسيرة العقلاء، السيرة هي مسلك عملي ما تبانوا عليه لأجل حاجات معيّنة مثل العمل بخبر الواحد والعمل بالمشهور. وحكم العقل مثل البديهيات مثل واحد زائد واحد يساوي اثنين، . ومرادنا من حكم العقل ليس الاستحسان والذوق والهوى، المقصود حكم العقل الكلي. وبناء العقلاء يشمل الاثنين معا أي السيرة والحكم. وفرق بين العرف والعادة. العادة مسلك عملي جرى عليه العقلاء لأجل حاجات معيّنة مثل صنع الطعام في المناسبات الحزينة، وإذا بيقت العادات مع انتفاء الحاجة اليها تصبح سببا لتخلف المجتمعات.
[3] وفرق بين امر بالمحال وامر محال. امر محال يعني عقلا محال. وامر بالمحال الحكيم محال عليه ان يأمر به. والامر المحال حتى المجنون لا يفعله، لكن الامر بالمحال المجنون يمكن ان يفعله لكن الحكيم لا يفعله.
[5] قواعد اصول الفقه على مذهب الامامية، اعداد لجنة تاليف القواعد الفقهية والاصولية التابعة لمعجم فقه أهل البيت (ع)، ص176.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo