< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/08/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المفاهيم

     في عالم الثبوت: قالوا: لا بد من ثلاثة امور ليتم المفهوم: الترتب بين الشرط والجزاء، والعلّية، والانحصار.

     في عالم الاثبات: الترتب سواء كان بالوضع أو بقرينة الحكمة.

     العليّة والانحصار هما بمقدمات الحكمة.

الكلام في مفهوم الشرط، قلنا ان صاحب الكفاية (ره) وغيره يقولون ان المفهوم يتوقف على ثلاثة امور: الترتب، والعلّية، والانحصار، يجب ان يكون هناك بين الشرط والجزاء ترتب بنحو العلّية وانحصار في العليّة.

ثم يقول ان الترتب بين الشرط والجزاء بلا شك ثابت، ومعنى الشرط هو ترتب الجزاء على الشرط، ولعله هو الموضوع له. لكن ان يكون الترتب على نحو العلّة والعليّة على نحو الانحصار يمكن انكارهما وان يكون ذلك محل كلام.

قد يقال بالتبادر انه إذا قلت: اذا جاء زيد فاكرمه علّة وجوب الاكرام هي المجيء، هناك تبادر للعلية والانحصار. وهذا التبادر بعيد لكثرة استعمال الشرط في التلازم من غير العلّة والاتفاقيات.

بعبارة اخرى: لا يبعد عدم هذا التبادر في الاثنين الاخيرين - العليّة والانحصار - لكثرة الاستعمال في غير العلّية.

ثم انه يشكل على نفسه: إن دعوى التبارد وان كانت ليست تامة، ولكن دعوى الانصراف إلى خصوص العليّة العلّة المنحصرة تامة، وذلك لانصراف الكلي إلى اكمل الافراد. [1]

فيجيب (ره): بنفي هذا الدليل على الانصراف كبرويا وصغروبا، اما كبرويا فلان الاكملية ليست موجبة للانصراف.

واما صغرويا فلان كون الانحصار اكملية للعلة فغير مسلم.

إذن الدلالة على المفهوم في مقام الثبوت تتوقف على ثلاثة امور: الترتب بنحو العلّية المنحصرة.

اما في مقام الاثبات: مثلا: إذا جاءك زيد فاكرمه، وإذا خفي الاذان فقصّر، وإذا خفيت الجدران فقصّر إلى اخره. فقد استدل عليه بنحوين: باطلاق الشرط واطلاق الجزاء، يعني انه ليس بالوضع.

اما اطلاق الشرط: يقول الشيخ النائيني (ره) بعد ما ذكر في مقام الثبوت ما ملخصه: ان الترتب بين الشرط والجزاء هو علاقة ثابتة وإلا لو لم يكن هناك ترتب فلا مدخلية للشرط حينئذ في تحقق الجزاء. هذا في الامر الاول.

وفي الامر الثاني أي العلّية: لابد من كون العلاقة بينهما هي العلّية والمعلولية لا مطلق التلازم، وإلا لما اقتضى انتفاء الشرط انتفاء الجزاء، وذلك لان المفهوم: هو انتفاء سنخ الجزاء عند انتفاء الشرط، فإذن انتفاء الشرط يقتضي انتفاء الجزاء، هذا الاقتضاء لا يكون إلا إذا كان على نحو العلّية، لان انتفاء احد المتلازمين لا يستلزم انتفاء الآخر، إلا إذا كان التلازم دائميا بحيث كانا معلولين لعلّة ثالثة منحصرة، مثلا: إذا غلى الماء تبخر. غليان الماء والتبخر علّة للسخونة، الاثنان معلولان لعلّة واحدة، فإذا كانا معلولين لعلّة واحدة انتفاء احدهما يعني انتفاء العلّة الذي يعني انتفاء الآخر.

إلا ان القضية الشرطية لا تدل على هذا الوجه من التلازم، فان العلة لم تكن مذكورة في القضية الشرطية حتى يستفاد منها الانحصار. ثم يذكر الامر الثالث وهو الانحصار ولا بديته في تحقق المفهوم. يعني يسلم بالاول والثالث أما الثاني وهو العلّية فلا يسلم به.

ثم يقول في فوائد الاصول: اما في مقام الاثبات فلا ينبغي الاشكال في الامر الاول، وهو دلالة القضية الشرطية على ثبوت العلاقة بين الشرط والجزاء، بل لا يبعد دلالتها على ذلك بالوضع، فان لم يكن ذلك بالوضع فلا اقل من ظهورها العرفي.

ونقول: هذا امر مسلّم.

ثم يكمل (ره): واما دلالة الجملة الشرطية على كون الشرط علّة للجزاء فلا يبعد دعوى الظهور السياقي في ذلك، حيث ان سوق الكلام من جعل الشرط مقدما والجزاء تاليا هو ان يكون الكلام على وفق ما هو الواقع بمقتضى تبعية عالم الاثبات لعالم الثبوت.

ونقول: ان الظهور السياقي هو مطلق التوقف. وحكاية تبعية عالم الاثبات لعالم الثبوت انما هي عند ثبوت العلاقة بنحو العلّية، والتي لا نسلّم بها كما سنرى ونبيّن.

ثم يقول (ره): واما دلالتها على كون الشرط علّة منحصرة للجزاء فيمكن دعوى ذلك باطلاق الشرط واجراء مقدمات الحكمة لاثبات انحصاره بتقريب انه لو لم يكن الشرط وحده علّة منحصرة لكان على المولى الحكيم الذي فرض انه في مقام البيان ان يقيّد اطلاق الشرط بذكر عدله ليبيّن بذلك ان الشرط علّة منحصرة، وحيث لم يبيّن ذلك يستفاد منه ان الشرط وحده علّة، سواء سبقه شيء آخر أم لم يسبقه، قارنه شيء آخر أم لم يقارنه، وهو معنى كون الشرط علّة منحصرة.

ونقول: بغض النظر عن الدلالة على العلّة ونقدها كما سنرى، فان ما ذكره بالنسبة لاطلاق الشرط صحيح ونسلم فيه، إذ لو كان هناك شرط آخر يتوقف عليه الجزاء لبيّن، ولما لم يبيّن ظهر الانحصار وتمّ المفهوم بمقدمات الحكمة أي بالمعنى العرفي صار الانحصار وصار المفهوم. ولو قال: اطلاق الاشتراط لكان اولى كما سنبيّن.

 


[1] للتذكير: الفرق بين التبادر والانصراف: التبادر هو انسباق اللفظ عند اطلاقه إلى المعنى الموضوع له. اما الانصراف: فهو انسباق اللفظ إلى بعض افراد الموضوع له. التبادر يحتاج إلى الوضع، إلى العلم الارتكازي الاحمالي أو التفصيلي في النفس بالوضع، اما الانصراف فيحتاج إلى قرينة عامة من كثرة استعمال أو كثرة وجود.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo