< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النهي عن المعاملة:

تطبيقات: - احل الله البيع وحرّم الربا، هل التحريم وضعي أم تكليفي؟

     ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد سلف.

     لا تبعه من مسلم .

     فساد ارجاع المطلقة الرجعية قبل انتهاء العدّة لقوله تعالى: " ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا" بناء على ان النهي عن المعاملة بعنوانها يدل على الفساد.

تطبيقات:

إذن النتيجة: في النهي عن العبادة وفي النهي عن المعاملة، نحن اخترنا انه إذا كان النهي عن العبادة أو المعاملة بعنوانها فتدل على الفساد دلالة يعني عرفا، وإذا كان النهي عنها بعنوان آخر فلا تدل على الفساد.

في المسألة أقوال لعلّه تتعدى العشرة. والمسألة لها ثمار كبيرة، وسنستعرض بعض الثمار، ونذكر ان الكلام في النهي المولوي التكليفي إذا تعلق بالعبادة أو المعاملة وليس النهي الارشادي، لان النهي الارشادي إذا كان يرشد إلى الفساد يكون حجة فيما يرشد اليه، فإذا ارشد إلى الجزئية دلّ على الجزئية، وإذا ارشد إلى المانعية دلّ عليها، وإذا ارشد إلى الفساد دلّ عليه، وإذا ارشد إلى مصلحة فهي. الارشادي يكون إلى ما يرشد اليه.

من التطبيقات:

قوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [1] . حرم الربا نهي عن الربا هل النهي هنا يدل على الفساد أو يقتضي الصحة أو لا هذا ولا ذاك؟. اولا يجب ان ننقح ان النهي هنا تكليفي أو ارشادي وضعي. للوهلة الاولى انها حرمة وضعية بمعنى عدم تشريع الربا وفساده، لانه عندما يقول " احل الله البيع " التحليل تشريعي هنا وليس وجوبا ولا دفع فيه، ليس تكليفيا، بل قال ان البيع مشرع ومباح، بالمقابل " حرّم الربا " إذن التحريم هنا تحريم ارشادي وضعي بمعنى ان الربا فاسد بقرينة المقابلة.

ولكن النهي هنا ظاهرا هو نهي مولوي بدليل قوله تعالى في ذيل الآية: ﴿وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [2] والآية التالية: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [3] ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [4] . التحريم إذا كان مولويا تكليفيا بناء على ان النهي يقتضي الصحة كما ذهب اليه البعض وذهب اليه ابو حنيفة والشيباني، هذا يعني ان الربا صحيح، اما بناء على ما ذهبنا اليه من ان النهي عن المعاملة يدل على فسادها إذا كانت بعنوانها فالربا باطل فاسد.

2) تطبيق آخر قوله تعالى: ﴿وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً﴾ [5] . هل هذه الآية من تطبيقات القاعدة أو لا؟. فإذا كان النهي مولويا كانت من تطبيقات القاعدة، اما إذا كان ارشاديا فلا تكون كذلك، فهل النهي هنا ارشادي او مولوي؟

قد يقال انه ارشادي، يعني هو ارشاد إلى فساد نكاح المرأة التي نكحها الآباء. ويمكن ان يقال ان النهي مولوي بناء على ان النكاح حقيقة في الوطء عن سبب شرعي، هو منقول شرعي اصطلاحي، النكاح اساسا لغوي نقول نكح المطر الارض يعني غلب عليها، ويقولون تناكحت الاشجار يعني التفت على بعضها، ثم نقلت في اللغة إلى الوطء، ثم نقلت في الشرع ولعلّه في اللغة قبلها إلى الوطء عن سبب شرعي. وذلك بقرينة التقابل مع السفاح، والسفاح هو الزنا وهو فعل وليس العقد، النكاح ليس مجرد عقد وان استعمل كثيرا في العقد، كثرة الاستعمال لا تعني انه صار موضوعا له، لا تدل على انه صار حقيقة. بناء على هذا لا تنكحوا يعني لا تطأوا لان هذا ليس بشرعي، وان كان شرعا في عرفكم. والانصاف انه للارشاد إلى الفساد اقرب.

3) تطبيق ثالث في رواية: عبد الله بن جعفر في ( قرب الإسناد ) عن عبد الله بن الحسن، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن حب دهن ماتت فيه فارة قال: لا تدهن به، ولا تبعه من مسلم. [6]

قرب الإسناد كتاب جليل، علي بن جعفر رجل جليل، عبد الله بن الحسن لم يوثق صريحا هو ابن الحسن المثنى (ع) ابن الحسن السبط (ع).

" لا تدهن به " هل النهي هنا تكليفي مولوي، أو نهي ارشادي إلى مفسدة؟ المسألة تكوينية واقعية وليست مسألة اعتبارية.

" لا تدهن " السياق يدل على ان النهي مولوي، فان حرمة بيع الدهن حرمة تكليفية لا شك في ذلك. أو ارشاد إلى المفسدة التي فيه، ارشاد إلى ان هذا نجس. إذن هناك ثلاثة احتمالات: ان يكون " لا تدهن " بمعنى النهي المولوي فيه اثم، ثانيا: ان يكون بمعنى ارشاد إلى المفسدة التي في البيع، ثالثا: ان يكون ارشادا إلى ان الدهن قد تنجس بسب وقوع النجاسة فيه.

" ولا تبعه من مسلم " نهي آخر، هل حرمة البيع تكليفية أو حرمة البيع وضعية بمعنى فساد البيع، يعني ارشاد إلى الفساد. إذا قلنا انه ارشاد إلى الفساد كان البيع فاسدا، إذا قلنا انه تكليفي محض يعني يحرم البيع، هنا تأتي مسألتنا ان النهي عن المعاملة يدل على فسادها أو لا؟ إذا قلنا انه يقتضي الصحة كما هو قول البعض، كان البيع صحيحا. وإذا قلنا يقتضي الفساد يعني فساد البيع، وإذا قلنا يدل على الفساد يعني ايضا ان البيع فاسدا.

4) تطبيق اخير: ارجاع المطلقة رجعيا ضرارا: يقول تعالى: ﴿وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا﴾ [7] . يعني صار الامساك للإضرار محرم شرعا وحرم تكليفا مولويا فان الاعتداء يحرم تكليفيا، وفاعله آثم، وليس مجرد ارشاد إلى مفسدة.

سؤال ثاني: هل متعلق النهي عنوانان أم عنوان واحد؟ فعلى الاول يكون متعلق النهي هو الاضرار والاعتداء، ومعه لا يدل على الفساد لا دلالة ولا اقتضاءا، بل قد تدل على الصحة على بعض الآراء.

اما إذا كان متعلق النهي عنوانا واحدا أي الامساك الاضرار بقصد التعدي.

فيمكن ان يقال بالدلالة على الفساد بناء على ما نقول به، ويكون الارجاع باطلا.

وقد تطبيق الضرار ثلاثة روايات في الوسائل:

وسائل: محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن البزنطي، عن عبد الكريم بن عمرو، عن الحسن بن زياد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا ينبغي للرجل أن يطلق امرأته ثم راجعها وليس له فيها حاجة ثم يطلقها، فهذا الضرار الذي نهى الله عز وجل عنه إلا أن يطلق ثم يراجع وهو ينوي الامساك.[8]

من حيث السند: عبد الكريم بن عمرو ثقة واقفي.

من حيث الدلالة: النهي بعنوانه وليس بعنوان الاضرار، هنا شكلين من الاعتداء اعتداء ككل محرم، وهذا الاعتداء محرّم وقد قال في الرواية: فهذا هو الاضرار.

الرواية الثانية: وبإسناده عن المفضل بن صالح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته ، عن قول الله عز وجل : " ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا " قال: الرجل يطلق حتى إذا كادت أن يخلو أجلها راجعها ثم طلقها يفعل ذلك ثلاث مرات فنهى الله عز وجل عن ذلك. العياشي في تفسيره عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله. [9]

من حيث السند: المفضل بن صالح ابو جميلة محل كلام. وقلنا ان العياشي رجل جليل لكن حذف الاسناد وروايته معتبرة. الحلبي من الثقات.

الرواية الثالثة: وعن زرارة وحمران ابني أعين، ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالوا: سألناهما عن قوله: " ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا " قالا: هو الرجل يطلق المرأة تطليقة واحدة ثم يدعها حتى إذا كان آخر عدتها راجعها ثم يطلقها أخرى فيتركها مثل ذلك فنهى الله عن ذلك. أقول: وتقدم ما يدل على ذلك وعلى نفي التحريم .[10]

من حيث السند الرواية مستفيضة لها عدّة طرق.

من حيث الدلالة: بناء على ان النهي المولوي يقتضي أو يدل على الفساد فصار ارجاع الاضرار والاعتداء " ضرارا لتعتدوا " نهي عن معاملة بعنوانها فدل النهي على فساد هذا الارجاع.

نريد ان نقول ان هناك دلالة لغوية على ان النهي عن المعاملة يقتضي فسادها، يعني ان الحاكم لو نهى عن معاملة ففي عرف الناس لا يعتبره لكن لا مانع من اعتباره بدليل. وقد اوضحنا الامر أكثر من مرّة وخصوصا في بيان المختار، مع تذكير لنقطة مهمة وهي ان النهي يدل على مبغوضية تنفي المصلحة الراجحة فيه، ومع عدم ثبوت مصلحة راجحة لا يصح اعتبار المعاملة، للزوم سبق مرحلة الاقتضاء على الاعتبار عند المشرّع الحكيم.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo