< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/07/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النهي عن المعاملة:

    1. لا فرق بين العبادة والمعاملة من جهة البحث.

    2. ان كان النهي متعلقا بعنوان العبادة كصوم العيدين او بعنوان المعاملة كنكاح الشغار وقع فاسدا عرفا لا عقلا.

    3. إذا كان النهي متعلقا بعنوان آخر لم يدل على الفساد لا عرفا ولا عقلا.

اما النهي عن المعاملة فهل يقتضي فسادها او لا؟

قلنا انه إذا كان النهي عن العبادة بحكم العقل لا يدل على الفساد، فما ادراك في النهي عن المعاملة، في العبادة توجد احتمالات الفساد لاحتمال اخذ التقرب أو داعي الامر في مفهومها، في المعاملة لا يوجد شيء من ذلك، فان من استدل على فساد العبادة بانه لا يمكن التقرب بالمبعد لا يمكنه ذلك في المعاملة لانه لا يوجد تقرب اصلا، بل حتى قيل ان النهي عن المعاملة يقتضي الصحة، وقلنا ان هذا الكلام ليس تاما، فرق بين الصحة والوجود.

فإذن النهي إذا كان ارشاديا للفساد فهو يدل على الفساد، اما النهي المولوي فانك تأثم إذا فعلتها لكن إذا فعلتها تقع صحيحة، من قبيل: شرب الخمر حرام، فإذا شربت الخمر فقد وقع شرب الخمرـ نعم كسبت أثما. هذا في الامور التكوينية. لا تشرب الخمر هذا نهي، إذا تعلق النهي بفعل فهذا الفعل يتحقق خارجا، من دون تحققه لا يمكن ان يتعلق به نهي، هذا في التكوينيات. هم قاسوا القصة على التكوينيات لكن في الاعتباريات لا، هناك شيء اسمه صحة وهناك شيء اسمه وجود. وفي الربا قد تحقق الربا خارجا لكن انت اثمت، الآن هل يدل هذا النهي التكليفي على فساد المعاملة الربوية؟ ولذلك في الربا هناك مسألتان: الاولى: هل البيع الربوي فاسد. ثانيا: هل تاثم بالقيام بالبيع الربوي او انه مجرد فساد؟

البيع الربوي هل هو من قبيل بيع الخمر؟ هناك حكمان: اولا: البيع باطل، ثانيا: قد اثمت بعملية البيع بدلالة الحديث: " لعن الله غارسها وعاصرها وساقيها وبائعها وحاملها ومحمولها..." إلى عشرة اصناف. هل كل معاملة كذلك إذا تعلق النهي بها ؟ هي إذا نهي عنها نهيا ارشاديا تدل على الفساد فقط، اما إذا نهي عنها نهيا مولويا تكليفيا فهل يدل على الفساد؟ قلنا ان المعاملة لا وجه لاقتضاء النهي عنها للفساد.

إذن المعاملة عقدا او ايقاعا أو غير ذلك إذا نهي عنها تارة نتكلم في النهي الارشادي فيدل على الفساد من قبيل النهي عن الربا وهنا لا اشكال، وتارة نتكلم في النهي المولوي " لا تفعل " والنهي المولوي يقتضي اثما، هل يقتضي ايضا فسادا او لا؟ نقول: إذا كان هناك ثمة وجه وان كنا لا نسلم به في العبادات وهو انه لا يمكن التقرب بالمبعد، فهنا في المعاملة لا تقرب ولا غير ذلك. ولذلك هناك شبه اجماع من المتأخرين على ان النهي عن المعاملة لا يقتضي الفساد. واكرر النهي المولوي وليس الارشادي، النهي الارشادي إلى الفساد ارشاد إلى الفساد، الكلام في النهي المولوي.

والذي اراه ان النهي عن العبادة او المعاملة كلاهما سواء في عدم اقتضاء النهي الفساد عقلا.

والنتيجة: هناك فرق في المفهوم بين العبادة والمعاملة، لكن من هذه الجهة لا فرق بينهما فالنهي لا يقتضي الفساد عقلا في كليهما.

النهي عن المعاملة: لا وجه لحكم العقل بالفساد إذ لا دخالة في مفهومها.

النهي عن العبادة: كذلك لا وجه لحكم العقل بالفساد لعدم دخالة التقرب في مفهومها كما بينا ولا داعي الامر ولا غير ذلك مما ذكروه.

هذا كله بحسب حكم العقل.

اما بحسب الدلالة والعرف، فلا يبعد ان العرف يراها فاسدة. الدلالة العرفية غير الحكم العقلي، حكم العقل لا يخصص ولا يرفع، اما الدلالة العرفية فيمكن ان تخصص ويمكن ان ترفع. الدلالة العرفية قد تكون بسبب الوضع والاصطلاحات، او ناشئة من حاق اللفظ أو اللوازم العقلية. فلنر عرف الناس، هل النهي عن معاملة يدل على فسادها؟

نقول: نفصل بين النهي المتعلق بالعبادة او المعاملة بعنوانها فتدل ظاهرا عرفا على الفساد، وبين ما تعلق النهي بهما بعنوان آخر فلا تدل.

    1. متعلق النهي عن العبادة او المعاملة بعنوانها:

لا يبعد دلالته على الفساد، وذلك كالنهي عن صوم العيدين. وقد راجعت النصوص المعتبرة في تحريم صوم العيدين، فوجدتها تحرّم وتنهى وتبيّن علّة التحريم من دون بيان الفساد والبطلان.

نعم نقول بالفساد من باب الدلالة العرفية، إذ العرف يرى ان النهي عنهما – المعاملة والعبادة - يدل على بطلانهما إلا ان يقوم دليل على خلاف ذلك، وقد بينا ذلك ورجحنا ان السبب في ذلك هو عدم ثبوت المصلحة الغالبة حينئذ.

من هنا: فإذا تعلق النهي عن العبادة بنفسها او بجزئها او بشرطها فهي تقع فاسدة، لان فساد الجزء يؤدي إلى فساد الكل – إلا بدليل آخر مصحح – ولان فساد الشرط يؤدي إلى فساد المشروط.

اما إذ تعلّق النهي بهما لوصف لازم او مفارق، فان كان الوصف حيثية تعليلية وتعلق حينئذ بنفس العبادة او المعاملة فهو يدل على الفساد، وان كان بعنوان آخر لم يدل على ذلك وكان من باب اجتماع عنوانين على معنون واحد. مثلا: عندما اقول: " لا تصل في مواضع التهمة " أو لا تتوضأ بالماء المغصوب " يوجد عنوانان: عنوان الوضوء وعنوان الغصب.

تارة اجتمع العنوانان في معنون واحد وهو الوضوء بالماء المغصوب. فما هو حكمه؟ هنا النهي كان عن هذه العبادة لكن لا بعنوان العبادة بل بعنوان آخر انطبق عليه، هذا اصبح من باب اجتماع الامر والنهي وهذا لا يدل على الفساد. اما لو كان النهي متعلقا بنفس العنوان كما لو قال: " لا تتوضأ بالماء المغصوب " اي هناك تقييد للوضوء أي صار النهي بعنوانه فدلّ على البطلان.

ولنلاحظ الفرق بين الظهار الذي هو معاملة منهي عنها، او نكاح الشغار مثلا وبين معاملة اخرى، عندما ينهى عن الظهار الذي هو بعنوانه المفروض انه يدل على فساده لولا الدليل على الصحة لوقع الظهار فاسدا، ولكن هناك دليل على صحة الظهار المنهي عنه. الظهار صحيح بسبب الادلة، لو كان الفساد بالاقتضاء العقلي لا يمكن للشارع ان يخالف العقل، لكن لانه دلالة عرفية لا مشكلة في مخالفة العرف. لو حكم العقل باقتضائه الفساد لا ياتي الشرع ويصحح الظهار، لكن لان العرف قال يدل على الفساد امكن للشرع ان يقول ان الظهار صحيح. والنهي عن الظهار بداية يدل على فساده ولكن لما ورد من الشارع دليل على صحة الظهار امكن ذلك .

ولولا الدليل على صحة الظهار لكان باطلا للنهي عنه إذ قد ورد في الحديث: " لا يكون ظهار في يمين ولا في إضرار ولا في غصب، ولا يكون ظهار إلا في طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين. [1]

وهذا ظاهر في وقوع الظهار، أي صحته رغم النهي عنه.

والخلاصة: إذا تعلق النهي بعبادة او معاملة فتارة يكون بعنوانها وتارة بعنوان آخر.

فان كان بعنوانها: فاما ان يكون ارشادا إلى الفساد والبطلان فحينئذ يكون دالا على ما ارشد اليه.

واما ان يكون مولويا فالعقل لا يحكم بالفساد في كليهما، نعم يحكم العرف بذلك، إلا إذا قام دليل على خلافه.

ولذلك فالاحرى ان تعنون المسألة بـ " دلالة النهي على الفساد ".

وإذا كان النهي بعنوان آخر: فلا دلالة للنهي على الفساد، لا عقلا ولا عرفا. وكان من باب اجتماع عنوانين على معنون واحد.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo