< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/07/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاقوال في مسألة النهي عن العبادة او المعاملة هل يقتضي فسادها؟

     المناط في كون النهي يقتضي فساد العبادة هو حكم العقل بانه " لا يمكن التقرب بالمبعد ".

     اشتهر ان القربة لها دخالة في مفهوم العبادة.

     بطلان ما اشتهر من دخالة قصد التقرب او قصد الامر او الطمع في الجنة او الخوف من النار في صحة العبادة.

     هذه الامور دوافع للعبادة ولا دخالة لها في مفهومها.

     اشتراط نية التعبد في العبادة.

     المعاملة لا دخالة لهذه الامور اجماعا.

الاقوال في المسألة: تعددت الاقوال فيها إلى عشرة او اكثر، اكثرها الفساد في العبادات دون المعاملات. ولن نخوض كثيرا في الاقوال وتوجيهها والرد عليها، لكن اعتقد انه إذا بينا المختار الذي نعتقد انه هو الصحيح يتبين وجه فساد الاقوال الاخرى.

وملخص ما ذهبوا اليه: ان العبادات يشترط فيها قصد القربة بمعنى ان التقرب دخيل في مفهوم العبادة، والنهي يدل على مبغوضية المنهي عنه، ولما كان المنهي عنه مبغوضا، فكيف يمكن التقرب به؟ إذ لا يمكن التقرب بالمبعد، والمبغوض مبعد. وعليه كان النهي عن العبادة يقتضي فسادها دون المعاملة، لان المعاملة ليس فيها تقرب.

وبناء عليه: يكون النهي عن العبادة يقتضي فسادها بمطلق انحاء المبغوضية في حال سرت المبغوضية التي ليست مجازية بل حقيقية إلى نفس العبادة ولو بالتبع سواء كان النهي عن نفس العبادة او جزئها او شرطها او وصفها الملازم أو المفارق، لانطباق الكبرى على الجميع وهي: كل ما كان مبغوضا لا يمكن التقرب به. وهذا شامل لكل اقسام المبغوضية الحقيقية، سواء كانت بالاصالة أم بالتبع. ويكون القياس على الشكل التالي:

هذه الصلاة مبغوضة (صغرى) وكل مبغوض لا يمكن التقرب به (لانه مبعد) (كبرى). وبناء عليه فالنهي عن العبادة يقتضي فسادها.

اما المعاملة فلا دخالة للقربية في مفهومها، ولذا كان النهي عنها لا يدل على فسادها، إذ لا تكون صغرى للكبرى: كل مبغوض لا يمكن التقرب به، ولذا كان الظهار كمعاملة صحيحا رغم ورود النهي عنه. في الروايات يقول: لا يقع الظهار إلا إذا كان في طهر بشاهدين. هذا يعني ان الظهار يقع ولو كان منهيا عنه.

ونقول: ان القربية وداعي الامر وكل ما له صلة بذلك كالخوف من النار او الطمع في الجنة لا دخالة لها في مفهوم العبادة بل هي دوافع ودواع، وعليه فلا تصدق الكبرى العقلية: لا يمكن التقرب بالمبعد. حينئذ تخرج العبادة عن المناط الاساسي في الافساد وهو انه لا يمكن التقرب بالمبعد.

نعم لا يبعد الدلالة العرفية على الفساد في حال تعلق النهي بالعبادة بنفس عنوانها لا بعنوان آخر، اما إذا كان تعلّق النهي بعنوان آخر وقد اجتمعا في معنون واحد فلا دلالة على الفساد.

وبيان هذا الكلام: ان الموضوع له لفظ العبادة هو الفعل التذللي الخاشع للمعبود على نحو عبادي، من هنا يجب ان يكون الفعل عبادة قبل تعلق الامر به. ولا يتعلق الامر بالعبادة إلا بعد كونها عبادة. والعبادة على ثلاثة اقسام:

     اما ان تكون عبادة ذاتية كالسجود عبادة لشخص أو لشيء ما أو لله تعالى. هذا لا يحتاج إلى دليل على عباديته.

     ان تكون عبادة في بعض الاعراف، كان تذبح القرابين وترمى إلى الاصنام كما في عرف الجاهلية، او ترمى فتاة في نهر النيل كما في عرف المصريين القدماء ايام الفراعنة.

     ان تكون عبادة مخترعة شرعا كالخمس او الزكاة. اعتبار من الشارع وليس عبادة بذاته إذ الزكاة حق كما في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ () لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [1] هذا لا يعني كونها عبادة، بل اعتبار خاص منه في دليل آخر جعلها عبادة ولان الله عز وجل لما جعلها عبادة وجب ان تدفع بنية التعبد لله، فإذا دفعتها لا بنية التعبد لا تقع الزكاة صحيحة بخلاف النكاح الذي ليس عبادة وشرعه الشارع فلو فعل لا بنية التعبد يكون النكاح صحيحا.

وفي الاقسام الثلاثة يجب ان يتحقق معنى العبادية كي يتعلق الامر بها. ومن هنا لا علاقة لداعي الامر في مفهوم العبادة، ومعه يندفع اشكال الشيخ الاعظم الانصاري (ره) بلزوم الدور او الخلف عند اخذ داعي الامر في مفهوم متعلق الامر. [2] ولا دخالة للتقرب فيه، الا ترى ان تقرب شخص لآخر بهدية مثلا لا يسمى عبادة، إلا إذا كان التقرب بنحو عبادي، كذلك الامر إذا فعلت فعلا يحبه شخص آخر طمعا في مغنم ايضا لا يسمى عبادة إلا إذا كان على نحو تعبدي. كذلك داعي الامر الا ترى ان من يعبد الصنم لا يعبده امتثالا لامر الصنم، إذ الصنم حجر غير قابل للامر والنهي.

والدليل على كون معنى العبادة لا دخالة لها في مفهومه لجميع ما ذكر امور منها، نكمل ذلك غدا ان شاء الله.

 


[2] رد اشكال احد الطلبة: انه في القرآن تأتي آيات تامر بالعبادة. الجواب: انه يأتي السؤال: ما هو دور الاوامر حينئذ؟ نقول: انها كواشف على صحة العبادة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo