< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النهي عن العبادة او المعاملة هل يقتضي فسادها؟

كان كلام صاحب الكفاية (ره) عندما قسم تعلق النهي بمتعلقه بالعبادة او بالمعاملة على خمسة انحاء، وقال في مقام تقسيم ما هو الذي يدخل في محل النزاع وما الذي لا يدخل في محل النزاع. وذكرنا نحن ان الذي يدخل في محل النزاع ما كان مبغوضا والمبغوضية على ثلاثة انحاء نتصورها: اما مبغوضية ذاتية كالخمر والكذب مبغوض بما هو، واما مبغوضية بواسطة في الثبوت، واما مبغوضية بواسطة في العروض. والمقصود من المبغوضية الذاتية هي ما لم تكن تبعا في الدلالة لاخر، ليس لبغض جزئه او شرطه او وصفه. فلنقل انه المبغوض بالاصالة، كالاعتداء على الناس وعلى الشوارع وعلى الامور العامة، هذه مبغوضة بذاتها. وهناك مبغوضية عرضية بواسطة في الثبوت لكنها بالتبع تؤدي إلى مبغوضية فيها، لكن بحسب ملازمه " الريح اخذة مما تمر به نتنا من النتن أو طيبا من الطيب " " قل لي من تعاشر اقل لك من انت " هو بذاته انسان جيد لكن مع المعاشرة تنتقل اليه الاشياء السلبية. المبغوضية الثالثة بحسب هذا التقسيم المبغوضية بواسطة في العروض هي مجرد امر مجازي، وليس امرا حقيقيا كالمبغوضية الذاتية والمبفوضية بواسطة في الثبوت، بل نقول انه مبغوض لم تسر اليه المبغوضية حقيقة، بل لفظا ومجازا وتعبيرا.

يدخل كل ما فيه مبغوضية حقيقية في محل النزاع سواء كانت بالجزء او الشرط او نفس العبادة او الوصف المفارق او الوصف الملازم، المهم ان تسري المبغوضية إلى الشيء المنهي عنه، حينئذ نستطيع ان نقول: كيف يمكن التقرب بالمبعد؟

اما إذا كانت المبغوضية غير حقيقية، مجازية، تكون مجرد الفاظ.

إذن لا شك في شمول النزاع للمبغوضية الذاتية، وكذا مشمولة للثانية أي المبغوضية الثابتة بواسطة في الثبوت، وذلك للتلبس الحقيقي بالمبغوضية للمنهي عنه وان كان بالتبع، أي ان المنهي عنه مبغوض وان كان سبب المبغوضية جزء المنهي عنه او شرطه او وصفا ملازما له او مفارقا له. فان المبغوضية لما كانت حقيقية كانت داخلة في محل النزاع، واما الثالثة، وهي المبغوضية الثابتة بواسطة في العروض فلا شك في عدم دخولها محل النزاع لان ثبوتها ليس حقيقيا، بل عرضيا مجازيا. وبالتالي هذا هو المناط في الدخول في محل النزاع وعدمه.

النقطة التاسعة: الاصل العملي في المسألة: إذا لم نصل إلى نتيجة، في ان النهي يدل على الفساد أو لا؟ النتيجة لا ندري. فما هو الاصل العملي في المسألة؟

عندنا اصل لفظي وعندنا اصل عملي، ومع وجود الاصل اللفظي لا جريان للأصل العملي.

يقول صاحب الكفاية (ره): لا يخفى انه لا أصل في المسألة يعوّل عليه لو شك في دلالة النهي على الفساد. نعم، كان الاصل في المسألة الفرعية الفساد، لو لم يكن هناك إطلاق أو عموم يقتضي الصحة في المعاملة. واما العبادة فكذلك، لعدم الامر بها مع النهي عنها، كما لا يخفى. [1]

فإذن صاحب الكفاية ماذا يقول؟ يقول ان هناك مستويات.

ونحن قلنا في بداية المسألة ان هناك عدّة عناوين: منهم من قال: اقتضاء النهي الفساد، ومنهم من قال: دلالة النهي على الفساد، وقلنا نحن ان اقتضاء النهي عن الفساد يعني ان المسألة عقلية، ودلالة النهي عن الفساد يعني دلالة لفظية أي دلالة العرف على الفساد. قبل ذلك قلنا ان المسألة نشأت بداية فقهية، اي ان هذا المنهي عنه فاسد او لا؟ هذه مسألة فرعية فقهية، هذا المنهي عنه فاسد أو لا؟ سواء كان عبادة أم معاملة، ثم لما بدأ الاستدلال بالعرف أو بالعقل احتاج إلى كبرى: هل يقتضي النهي الفساد؟ فصار الكلام في الكبرى الدلي، أي في المبدأ التصديقي وليس الكلام في اصل المسألة، فانتقلت المسألة إلى علم الاصول وإلا فهي مسألة فقهية في الاساس، ثم بدأ الاستدلال بها ان العقل يحكم باقتضاء النهي الفساد، فصار الكلام بهذه الكبرى: العقل يحكم باقتضاء النهي الفساد، هذه كبرى غير المسألة الفقهية، بل نستفيد منها لاثبات المسألة الفقهية. لكن ان تستفيد لاثبات المسألة الفقهية شيء وان تصبح مسألة اصولية شيء آخر وعلى أية حال.

فصاحب الكفاية (ره) يقول: في مقام المسألة الاصولية أي إذا كانت المسألة هي: اقتضاء النهي الفساد، نعم العقل اما ان يحكم أو لا يحكم. هو يقول على مستوى المسألة الاصولية ليس لدينا اصل نعول عليه. اما على مستوى المسألة الفقهية أي هذا المنهي عنه فاسد أو لا؟ تأتي أصالة الفساد، اصالة عدم ترتب الاثر.

نعود لكلام صاحب الكفاية (ره): " لا يخفى انه لا أصل في المسألة يعوّل عليه لو شك في دلالة النهي على الفساد " . عبّر هنا بالدلالة، وفي عنوان المسألة عبّر عنها بالاقتضاء. والتعبير يختلف معناه.

ونقول إذا كان المراد من المسألة الاصولية الاقتضاء فالامر كما يقول، اما إذا كان المراد الدلالة العرفية فيمكن القول بان الدلالة هي التي تحتاج إلى دليل.

يكمل: " نعم، كان الاصل في المسألة الفرعية الفساد، لو لم يكن هناك إطلاق أو عموم يقتضي الصحة في المعاملة". من الطبيعي مع وجود الاطلاق وهو اصل لفظي وكذلك العموم هو اصل لفظي، والاصل اللفظي مقدم على الاصل العملي. فإذن في المسألة الفرعية يقول ان اصالة عدم ترتب الاثر بشرط ان يكون هناك دليل على الصحة.

مثلا: الزواج المدني وانا ضد هذا الزواج كآثار لكن كاصل الزواج هو صحيح، نفرق بين العقد وبين آثاره –الاحكام – اما العقد - من جهة نظري القاصر - لو ان اثنين مسلمين اجريا عقدا مدنيا في مكان، هذا الزواج زواج مدني إذا كان باطلا فيجوز تزوجها، فإذا كان صحيحا لا يجوز الزواج منها. تصوري ان هذا الزواج صحيح كعقد، انا ارفض الاحكام والآثار، اما العقد فهو مشمول لعموم " اوفوا بالعقود "، واطلاقات النكاح تشملها، وهي اطلاقات لفظية، كما يقول صاحب الكفاية، فإذا شككت في صحة الزواج المدني كعقد فقد يقال باصالة الفساد لعدم ترتب الاثر. اما ما اشتهر ان العقد لا يكون إلا بايجاب وقبول انا لا اسلم به. العقد عبارة عن توافق بين ارادتين، وارتباط بين ارادتين، سواء كان الرابط نفس المريدين او شخص آخر، فلو فرضنا ان هناك عقد وارادتين بطريقة اخرى " اوفوا بالعقود " بالنتيجة هذا عقد، من قال ان العقد لا يكون إلا بايجاب وقبول؟ نعم العقد يحتاج إلى طرفين ونعم يحتاج إلى ارادتين نسلم بذلك، لكن لا يشترط ان يكون الرابط بين الارادتين نفس المريدين؟ الرابط يمكن ان يكون شخصا واحدا وان كان لا للعقد من طرفين. لذلك نفس العقد صحيح لا اشكال فيه. نحن لا نشترط ان يكون العقد في جامع أو ان يكون العاقد عالما دينيا أو معمما أو غير ذلك.

إذن المسألة ليست في العقد بل المسألة في الآثار انا ضد آثار الزواج المدني لانها جريمة بحق الانسانية، اوروبا ضائعة بسبب الزواج المدني والزواج المسيحي، هم مرضى فلماذا نأخذ نحن نفس المرض، نحن لا نريد ذلك ، انا ضد الاحكام كثير من الاحكام خطيرة جدا، هذه الاحكام انسانيا ظلم للرجل وللمرأة، فلنطالع الزواج المدني واعطيكم استطرادا مثالا على السوء فيه، فمن اسباب الطلاق الغيبة المنقطعة وليس المفقود، لا يحق لها أو له المطالبة بالطلاق إلا بعد خمس سنوات على الاقل، بعد كل هذه الفترة ماذا تصنع الزوجة أو الزوج؟! اريد ان اختصر الموضوع، قولوها بصراحة ايها المطالبون بالزواج المدني انكم تشجعون الزنا، هذا انسان، قولوا لا نريد الشرع او نريد تدمير المجتمع. انا ذكرت مادة واحدة فكيف بالمواد العديدة.

اقول عندما يجعل الانسان نفسه مكان الله عز وجل في التشريع ينحرف، عندما نزعت التشريعات من يد الله والانبياء والرسل ووضع في ايدي البشر وقعت المآسي.

في الزواج المدني قد يقول شخص ان الاصل الفساد كما ذهب كثير من الفقهاء، لكن نقول ان " اوفوا بالعقود " عموم لفظي مقدم على اصالة الفساد، فاصل العقد كعقد صحيح، المشكلة في الآثار والاحكام. هنا تطبق مسألة صاحب الكفاية لو لم يكن اصل لفظي يدل على صحة المعاملة " النكاح سنتي " أي كل نكاح وهذا نكاح عرفا، والنكاح ليس فيه حقيقة شرعية، هو حقيقة لغوية، و " اوفوا بالعقود " هذا عقد، فلا يحق لي ان اتزوج بالمتزوجة مدنيا فلا حق لي عليها.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo