< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/06/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تلخيص ما مضى من مباحث الاصول وبيان رأي السيد الاستاذ ودليله مختصرا.

مقتضى النهي ترك جميع افراد الطبيعة:

هل مقتضى النهي ترك جميع افراد الطبيعة أو ترك بعض افراد الطبيعة؟

هذه مقدمات لنصل إلى بعض المسائل الاصولية، وإلا هي بذاتها انما بحثت لان الاخرين لم يبحثوها، وإلا فهي مسألة لغوية في الاصل. انا عندما اقول: لا تكرم الفاسق، هل يتم الامتثال بترك إكرام جميع الفساق أو يكفي بعضهم؟

ان للطبيعة افرادا عرضية وطولية، فالخمر له افراد ومصاديق، وكل مصداق له ازمنة وامكنة، فهل يقتضي النهي عنها ترك جميع الافراد عرضية كانت أم طولية، بحيث إذا اوجد المكلف المنهي فردا منها في الخارج كان عاصيا أم لا ؟

وإذا كان لا بد من ترك جميع افراد الطبيعة لامتثال النهي فهل هو بحكم العقل أو بحكم العرف، او بسبب اشتمال الطبيعة المنهي عنها على المفسدة، مما يقتضي ترك جميع افرادها؟

نقول: ان مقتضى النهي ترك جميع افراد الطبيعة عرفا.

ولا باس بذكر كلام السيد الخوئي (ره): ان قيام مفسدة بطبيعة يتصور في مقام الثبوت على اقسام:

الاول ان تكون قائمة بصرف وجود الطبيعة، ( بمعنى ان وجود فرد واحد يوجد المفسدة، فلا توجد في الافراد الاخرى) ولازم ذلك هو ان يكون المنهي عنه صرف الوجود فحسب، فلو عصى المكلف واوجد الطبيعة في ضمن فرد ما فلا يكون وجودها الثاني والثالث وهكذا منهيا عنه اصلا. [1]

الثاني: ان تكون قائمة بمجموع افرادها على نحو العموم المجموعي، فيكون المجموع محرما بحرمة واحدة شخصية، ولازم ذلك هو المبغوض ارتكاب المجموع، فلا اثر لارتكاب البعض. [2]

الثالث: ان تكون بعنوان بسيط مسبب من تلك الافراد في الخارج. (اي لازم المطلوب).

الرابع: ان تكون قائمة بكل واحد من افرادها العرضية والطولية.[3] هذا كله بحسب مقام الثبوت.

واما بحسب مقام الاثبات فلا شبهة في ان ارادة كل واحد من الاقسام الثلاثة الاولى تحتاج إلى نصب قرينة تدل عليها، واما إذا لم تكن قرينة في البين على ان المراد من النهي المتعلق بطبيعة هو النهي عن صرف وجودها في الخارج، او عن مجموع افرادها بنحو العموم المجموعي، او عن عنوان بسيط متولد عنها، كان المرتكز منه في اذهان العرف والعقلاء هو النهي عن جميع افرادها بنحو العموم الاستغراقي، وعليه فيكون كل فرد منها منهيا عنه باستقلاله مع قطع النظر عن الآخر.

وعلى الجملة، فلا إشكال في ان ارادة كل من الاقسام المزبورة تحتاج إلى عناية زائدة، فلا يتكلفها الاطلاق في مقام البيان، وهذا بخلاف القسم الاخير[4] ، فان ارادته ولا تحتاج إلى عناية زائدة، فيكفي في ارادته الاطلاق في مقام البيان.[5]

وهذا ما نؤيده [6] ، ولذا ففي مثل قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [7] يحرم ارتكاب جميع الافراد (الميتة) للاطلاق، ولكونه بسبب الاطلاق العرفي امكن التقييد.

الطبيعة توجد بوجود افرادها مسألة عقلية، النهي عن الطبيعة لا يتم إلا بالانتهاء عن جميع افرادها مسألة عرفية. فرق بين حكم العقل وحكم العرف، لذلك بعضهم قال: ان النهي عن الطبيعة يقتضي عدم امتثال جميع افرادها عقلا، هذا الكلام ليس بدقيق. بل نقول: يقتضي عدم ارتكاب جميع افرادها عرفا، نعم انطباق الطبيعة على افرادها هو انطباق عقلي.

انتهينا من هذه المقدمات في النواهي، إذن صيغة النهي تدل على النسبة الزجرية وتتلون بتلون دواعيها. مادة النهي تدل على الزجر وضعا ولازمه الحرمة، أو ان مادة النهي موضوعة للحرمة، النهي عن الطبيعة يقتضي النهي عن جميع افرادها.

غدا ان شاء الله نبحث مسألة اجتماع الامر والنهي.

 


[1] والنهي انما ينهى لاجل مفسدة، فإذا انحصرت المفسدة في اول وجود للطبيعة، أي في اول فرد، فالافراد الاخرى لا مفسدة فيها. هذا وجه متصور.
[2] وهذا الثاني ايضا متصور لكن المفسدة تكون في المجموع كمجموع ايضا يحتاج إلى دليل، عندما اقول لك " لا تكرم العلماء من آل فلان " فإذا اكرمت واحدا، المفسدة لا تتحقق باكرام واحد، بل تتحقق بعدم اكرام الجميع.
[3] عندما اقول: " الخمر حرام " يكون في كل فرد مفسدة، حيثما وجدت الطبيعة وجدت المفسدة لان الاثر للافراد وما له دخالة يجب بيانه في متعلق الحكم. فمتعلق الحكم يدور مدار الغرض سعة وضيقا.
[4] أي ان تكون المفسدة على نحو العموم الاستغراقي في كل فرد فرد تحقق المفسدة.
[6] النهي ظاهر في وجود المفسدة في كل فرد فرد، فلا يتحقق الامتثال إلا بالانتهاء عن جميع افراد الطبيعة. وهذا ما هو ظاهر عرفا، اما الاقسام الثلاثة الاولى فتحتاج إلى بيان وإلى مؤونة بيان زائد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo