< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/05/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تلخيص ما مضى من مباحث الاصول وبيان رأي السيد الاستاذ ودليله مختصرا.

الواجب الكفائي والعيني:

الواجب إما عيني واما كفائي: فالواجب العيني هو الامر الذي توجه فيه الوجوب إلى كل فرد من افراد المكلفين بحيث لا يسقط عنه بامتثال الآخر، ومثاله الفرائض اليومية.

والواجب الكفائي هو الامر الذي توجه فيه الوجوب إلى جميع المكلفين على نحو البدلية في المكلّف، بحيث لو تركه الجميع اثموا جميعا ولو امتثله الواحد لكان الثواب له، ومثاله الصلاة على الميت.

ولا ريب في تحقق الكفائي شرعا وعرفا، إلا ان الكلام في تصويره مما ينفعنا في التطبيقات:

قال المحقق البرجردي (ره) في نهاية الاصول: إن الوجوب مطلقا له إضافة إلى من يصدر عنه، اعني الطالب، واضافة إلى من يتوجه اليه أعني المطلوب منه، واضافة ثالثة إلى ما يتعلّق به اعني المطلوب. والفرق بين العيني والكفائي ليس في المطلوب منه، بل الفرق بينهما في المطلوب، فالمطلوب في الوجوب الكفائي هو نفس الطبيعة المطلقة غير المقيدة بصدورها عن هذا الشخص، بخلاف في الوجوب العيني، فانه عبارة عن الفعل المقيّد بصدوره عن هذا الفاعل الخاص. [1]

إذن كلام السيد البرجردي ان الوجوب الكفائي جوهره ان الله عز وجل يريد نفس الفعل من دون ان يقيد من من يصدر.

ونقول للسيد البرجردي (ره): وهناك إضافة رابعة وهي صدور المطلوب عن احد المكلفين، لا مجرد تحققه لو بمحض الصدف عن غير مكلف، مثلا: انقاذ الغريق واجب ثم اتى الموج وانقذ الغريق، فيسقط الامر لانتفاء موضوعه. وبعبارة اخرى: المطلوب في الواجب الكفائي هو الفعل كفعل أي كطبيعة غير مقيّدة بصدور، او المطلوب هو الطبيعة المقيدة بصدورها من شخص، ونظيره في الفقه زكاة السمك فزكاته واخراجه من الماء حيا لا خروجه، فالخروج هو الفعل غير مقيّد بكونه من شخص، بخلاف الاخراج فهو خروج ناشئ عن صائد. ولذلك نفس الفعل بما هو ليس هو المراد. السيد البرجردي قال انه نفس الفعل، وهذا يحتاج إلى تكميل نقول: الفعل الصادر عن المكلّف فهذا هو الواجب الكفائي، ولعلّ هذا هو مراد السيد الخوئي (ره) بقوله في المحاضرات: ان غرض المولى يتعلّق تارة بصدور الفعل عن جميع المكلفين واخرى بصدوره عن صرف وجودهم. [2]

ولهذا التفريق ثمرة: وهي انه إذا طلب انقاذ الغريق ولم ينقذه احد، لكن موج البحر رماه حيا إلى الشاطئ. فلا شك ان الامر قد سقط بانتفاء موضوعه، ولكن هل يسقط الاثم عنهم او لا؟ وهل تسقط عدالتهم او لا؟ فإذا قلنا ان الواجب الكفائي مجرد انقاذ الغريق فهذا قد حصل باخراج الموج له، أما إذا قلنا يكون الواجب الكفائي هو الانقاذ الصادر عن مكلف، فانهم قد عصوا جميعا.

ان الامر والوجوب يحمل في طياته كونه صادرا عن مأمور، أي عن مكلف، ولذا لا فرق بين التصويرين من هذه الجهة، إذ المامور يجب أن يكون مكلفا بشروط التكليف.

ومن التطبيقات: هل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلوبان عينيان او كفائيان:

مثلا: اذا رأيت احد يكذب أو يتعدى على الطريق أو ان شخصا مسلما يفعل شيئا في الشارع يؤذي سمعة النبي (ص) والمسلمين، يتصرف تصرفات انسان غير مؤمن لا تليق به أو غير ذلك مما فيه اشكال شرعي، هذه فيها اشكالا شرعيا، " كونوا زينا لنا ولا تكونوا شينا علينا " هذا ايضا يجب علي ان انهاه عن هذا المنكر لكن هذا النهي عيني أو كفائي؟ والواجب عيني او كفائي؟

ذهب المحقق الحلي في الشرائع إلى الوجوب العيني، ونقل الشهيد الثاني (ره) انه مذهب الشيخ الطوسي (ره) عملا بعموم الاحاديث والآيات. " لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، او ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم ". [3]

وذهب الشهيد الثاني في المسالك إلى كونهما واجبان كفائيان بدليل قوله تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ ﴾ [4] ، ولان الغرض الشرعي وقوع المعروف وارتفاع المنكر، ولا يظهر تعلق الغرض بمباشر معين، والعمومات غير منافية لذلك، لان الواجب الكفائي يخاطب به جميع المكلفين كالواجب العيني، وانما يسقط بقيام بعضهم به عن الباقي. [5]

ونقول للشهيد الثاني (ره): اما الآية فهي ظاهرة في الوجوب الكفائي، لكنها لا تدل على رفع الامر بالمعروف والدعوة إلى الخير عن الآخرين. الآية القرآنية تدل على انه يجب ان تعمل مجموعة، وهي من باب مفهوم اللقب وليس فيها حصر، واللقب لا مفهوم له. نعم قد تكون مقيّدة للعمومات، بلحاظ ان الأمة – وهي بعض المسلمين – إذا دعت إلى الخير وتحقق، فقد سقط موضوع الأمر بالمعروف، وإذا ارتفع المنهي عنه نهي هذه المجموعة فقد سقط موضوع النهي عن المنكر. غدا نكمل ان شاء الله.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo