< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/02/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تلخيص ما مضى من مباحث الاصول وبيان رأي السيد الاستاذ ودليله مختصرا.

الامر بالامر بالشيء أمر بذلك الشيء حقيقة:

ومثال ذلك: " مروا ابناءكم بالصلاة وهم ابناء سبع سنين " هذا امر بالصلاة أو أمر بأمر الابناء؟ امر الابناء طريقي أو له موضوعيه؟ وهذا كما إذا قلت لك:" اتني بماء " فهل هذا يعني ان تأتي انت بالماء عينيا؟ الظاهر أن اطلاق الامر يعني ان الفعل هو المراد واما ان يكون الفعل منك شخصيا – عينيا – فهذا يحتاج إلى دليل. المصالح والمفاسد ظاهرة في الفعل نفسه، عندما اطلب منك شيئا يعني اريد الفعل والعمل الخارجي، اما ان يكون منك شخصيا فهذا يحتاج إلى دليل، وكذلك هنا، الامر بالامر بالشيء امر بذلك الشيء ظاهرا، انا اريد حصول الشيء. ففي الآية الكريمة: " يا هامان ابن لي صرحا " ليس مراد فرعون ان هامان يبني هو شخصيا، المراد ان يوجد الصرح، ولما كان الذي عنده قدرة على البناء هو هامان طلب منه، بعبارة اخرى انا اطلب من الذي يستطيع ان يفعل الفعل. اما ان يكون المراد هو الامر أو ان الفعل منك شخصيا هذه قيود تحتاج إلى دليل، والاصل عند الاطلاق طرد هذه الشروط. ولذلك الامر بالامر بالشيء امر به ظاهرا. إذا لم يدل دليل على أن الامر الثاني يتعلّق به غرض للآمر، فالظاهر عند الاطلاق هو كون الأمر بالامر أمرا به [1] ، لان الظاهر أن غرض الآمر يتحقق بالمأمور به دون الامر الثاني.

الامر بشيء بعد الامر به:

بدون قيد زائد أو سبب آخر ظاهر في التأكيد لا في التأسيس. مثلا: إذا قال المولى " اغتسل " ثم قال المولى مرة ثانية " اغتسل "، كلامنا في المطلقين بدون قيود او شرط زائد، هذا ظاهر في التأكيد أو في التأسيس. [2]

 

إذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدليل الناسخ أو المنسوخ على الجواز:

قالوا ان الوجوب عبارة عن الطلب مع المنع من الترك. قلنا سابقا انه تفصيل غير تام، الوجوب ليس مركبا، بل هو امر بسيط. [3]

جعل الطلب أمر بسيط وليس جعلين، فإذا نسخ ارتفع مدلوله من الوجوب أو غيره، ومع ارتفاعه فلا دليل على ثبوت الرجحان أو الجواز أو الكراهية أو الجواز بالمعنى الأعم، بل كله يحتاج إلى دليل. القضاء إنما يكون بأمر جديد:

مثلا: اذا قلت لك: " اغتسل يوم الجمعة " فهل يغتسل يوم السبت أو لا؟ أو هل يستطيع أن يقضي؟

بعبارة اخرى الاصل وجوب القضاء، أو عدم وجوبه ويحتاج إلى امر جديد. الواجب المؤقت يكون الفعل المأمور به مقيّدا بوقت، فان كان على نحو وحدة المطلوب، وان كان على نحو تعدد المطلوب أي أن المطلوب شيئان: الفعل بما هو، وكونه في الوقت. فحينئذ لا يحتاج القضاء إلى أمر جديد. ومع عدم الدليل على أحدهما، فقد يقال بظهوره على نحو وحدة المطلوب، سواء كان التقييد بدليل متصل أم منفصل، نعم هناك فرق بالآثار.

لكن للتفصيل مجال، لان دليل التوقيت إذا كان منفصلا يكون لدينا ظاهرا أمران: مطلق ومقيّد، [4] ومع كونهما إيجابيين يحمل المقيّد وهو دليل التوقيت على أفضل الأفراد، وحينئذ لا يحتاج القضاء إلى أمر جديد.

ملاحظة: لا يكون امتثالا على هذا القول قضاء، بل هو امتثال للأمر الاول أداء.


[1] في الرد على سؤال احد الطلبة في ان غير الاباء يمكن ان يأمر بالصلاة وان الامر على نحو التربية: الجواب: ان هناك فرق بين الاصول والفقه، كلامنا في الاصول فإذا كان هناك قرينة على ان الامر الثاني بتربية الولد مطلوب فلا يكون هناك اشكال. فعلى المستوى الاصولي الامر بالامر بالشيء أمر به ظاهرا، اما على المستوى الفقهي فهذه المسألة مروا ابناءكم تعني انه يطلب منك ان تعلم ابنك، هذا لو سلمنا بذلك. إذ قد يقال: ان المولى يريد ان يصلي الولد، بان تطلب انت منه ذلك او ان يصلي هو من تلقاء نفسه، لذا لو كان الابن يصلي لما كان للامر الثاني معنى إذ هو طلب تحصيل الحاصل. فإذن الامر الثاني غير مطلوب ولا داعي للأمر. ولهذه المسألة ثمرة لو كان الامر بالشيء أمر بذلك الشيء هذا يعني أن ذلك الشيء صار صحيحا، ان الله تعالى لا يأمر بما هو ليس بصحيح، حينئذ استطيع ان استأجر الصبي للصلاة وتكون صلاته صحيحة ولا يكون الامر مجرد تربية، ولذا يستطيع ان يقضي عن ابيه، أو أن يستأجر للصلاة، نعم هي غير واجبة عليه هذه مسألة اخرى.
[2] قلنا ان الاسلام دين الفطرة، هناك بعض الروايات ان الامام الصادق (ع) سئل كيف اعرف الحلال من الحرام. فال: انظر ما في قلبك. هنا كانما يشير إلى أن الاصل في الاوامر الارشاد وليس التأسيس.
[3] ملاحظة: الكثير من الاصوليين يفصل الالفاظ، فاذا فصل سقط في الكثير من الامور، مثلا: في استعمال اللفظ في أكثر من معنى قلنا ان المفصل في هذه المسألة هو انه إذا كان الاستعمال مرآة فلا يجوز استعمال اللفظ في أكثر من معنى، وان كان علامة يجوز ان يكون اللفظ علامة لاكثر من معنى. بعض القدماء مثلا صاحب المعالم (ره) قال في التثنية والجمع يمكن استعمال اللفظ في أكثر من معنى اما في المفرد فلا. قالوا ان السبب في ذلك أن التثنية بقوة الفردين المعطوفين، كما لو قلت اشتري لي عينين، يعني عين وعين اللفظ الاول اريد به الباصرة والثاني النابعة. هذا التفصيل جعل الكثير من العلماء والفقهاء ينزلقون. وسنرى هذه المسألة في شبهة عدم التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، نحن سنقول انه يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، والسبب في ذلك انهم قالوا في " اكرم العلماء إلا الفساق " ان هذا بقوة " اكرم العلماء العدول ولا تكرم العلماء الفساق " وزيد ليس معروفا انه فاسق او عادل، يدور الامر بين حجتين، إذن لا يجوز اجتماع التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. وقع الخلل عندما قالوا ان " اكرم العلماء إلا الفساق بقوة اكرم العلماء العدول ولا تكرم العلماء الفساق. عندما قالوا إن التعبير الاول بقوة التعبير الثاني وقع الاشكال. انا مع القدماء بالقول بجواز التمسك بالعام بالشبهة المصداقية، وليس التعبير بقوة بعضهما. والامثلة كثيرة على ذلك.
[4] ذكرنا ان الامران المطلق والمقيّد، والعام والخاص، إذا كان احدهما سلبي والاخر ايجابي يحمل المطلق على المقيّد، اما إذا كان كلاهما ايجابيين المعروف عند الاصوليين ان المطلق لا يحمل على المقيّد والعام لا يحمل على الخاص، يبقى العام عاما والخاص خاصا، والخاص يكون حينئذ بيان لميزة فيه كأن يكون الافضل. كما في النحو العطف مثلا: اكرم العلماء وزيد. زيد عالم انما بيناه لتميزه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo