< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/02/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تلخيص ما مضى من مباحث الاصول وبيان رأي السيد الاستاذ ودليله مختصرا.

بعد التذكير بمعنى العبادة وانها لا علاقة بمفهومها لا بداعي الامر ولا بقصد القربة ولا طمعا بالجنة إلى آخره انما العبادة امر له مفهوم خاص هو الفعل على نحو تذللي خشوعي، واما الامر بها فهو طلب إلى العبادة وداع اليها، وينفعنا الامر في الاستدلال على تصحيحها. لهذا المفهوم الثمرات الكبيرة في الفقه ويؤدي إلى مؤديات واسعة لكن يحتاج إلى تنقيح. من جملة الثمرات ان اشكال الشيخ الانصاري (ره) يرتفع كليا، ومن جملتها انه هل يمكن التقييد؟، وان النهي عن العبادة هل يقتضي فسادها؟، ونحن قلنا انه لا يقتضي الفساد وان ذهب أكثر الاصوليين إلى اقتضاء الفساد، نعم في النهي عن العبادة سنفصّل بين حالتين: فانه يقتضي الفساد إذا كان النهي متعلقا بنفس العنوان كصوم العيدين، وتارة النهي يتعلق بعنوان ينطبق على العبادة كالصلاة في الارض المغصوبة فانه لا يقتضي الفساد. يبقى الاصل في المسألة، أي لو شككنا أن هذا الامر تعبدي او توصلي، مثلا: تحنيط وتكفينه الميت هل يجب فيه قصد القربة بمعنى انه هل يجب فيه التعبدية أي نيّة التعبد أو لا؟ فلو شككنا ان هذا تعبدي أو توصلي فما هو الاصل؟ هل الاصل التعبدية أو التوصلية. تارة نتكلم على مستوى الاصل اللفظي وتارة نتكلم على مستوى الاصل العملي. الاصل اللفظي أي ان اللفظ ماذا يقتضي؟، الاصل اللفظي أمارة تستوجب ثبوت لوازمها العقلية العرفية والعادية والشرعية، اما الاصل العملي فهو وظيفة وليس امارة، لا تستلزم ثبوت لوازمها العرفية والعقلية والعادية فقط الشرعية. وقلنا في منهجية الاستنباط عند حصول الشبهة الحكمية اولا نبحث عن علم فان لم نجد فعلمي فان لم نجد فاصل لفظي وهو آخر سلم العلميات فان لم نجد فاصل عملي. الاصل اللفظي في المسألة هو التوصلية لان التعبدية تحتاج إلى الفعل مع نية التعبد – بقيد نيّة التعبد -. وفي كل امر، - جزء أو شرط أو مانع أو دافع أو قاطع أو رافع وكل ما نتصوره من القيود - نشك فيه فالاصل اللفظي عدمه. بعد تمامية المفهوم واشك في شرط على مستوى الاصل اللفظي ففي النكاح مثلا: اقول: هذا نكاح واشك في اشتراط العربية فالاصل الاطلاق، أي صحة اطلاق اللفظ – النكاح – على هذا الامر، بالاطلاق اطرد الشرط.لكنهم اشترطوا شرطا، قالوا بان شرط الاطلاق يحتاج إلى امكانية الاطلاق، وامكانية الاطلاق تحتاج إلى امكانية التقييد، فإذا كان لا يمكن أن يقيّد فكيف يمكن ان يكون مطلقا؟!. ولذلك قالوا بان امكان الاطلاق فرع امكان التقييد. وهنا في مسألة التعبدية على حسب تعريفاتهم ان العبادة ما كان الفعل بداعي الامر، وقالوا ان داعي الامر لا يمكن ان يكون قيدا – اشكال الشيخ الانصاري (ره) بانه يستلزم الدور، ولزوم اخذ المتقدم بالمتأخر، او لزوم داعوية الامر إلى داعوية نفسه – فداعي الامر لا يمكن ان يكون قيدا للصلاة التقييد محال للزوم ما ذكره الشيخ الانصاري. فإذا كان التقييد محالا فالاطلاق محال لان الاطلاق فرع التقييد، فإذن كيف اقول الاصل الاطلاق؟ فالاشكال مستحكم. فإذن اصالة الاطلاق في العبادات على مستوى الاصل اللفظي محال فالاشكال مستحكم على ما ذكروه في تعريف العبادة من أن داعي الامر دخيل في مفهومها، أي لا تتحقق العبادة من دون داعي الامر. ولذلك بعضهم فصّل بان العبادة لا تحتاج إلى داعي الامر يكفي طمعا في الجنّة أو خوفا من النار، وعليه لا يتم الاشكال. اما نحن فمرتاحون تماما من كل هذه الاشكالات لان داعي الامر أو الطمع بالجنة أو الخوف من النار أو قصد القربة لا علاقة لها بمفهوم العبادة أو المعاملة، وليست قيودا في المفهوم. وعليه: فالتقييد ممكن لانه ليس جزءا من المفهوم، فلو فرضنا شككنا في قيد فالاصل عدمه. والعبادة ليست بداعي الامر، وقلنا ان الخوف من النار او طمعا في الجنة أو داعي امتثال الأمر هذه دوافع للعبادة. وعليه: بناء ما نذهب اليه من معنى التعبد في قيد العبادية الذي لا دخل له بداعي الامر، يعني ان الاصل عدم التقييد واصالة الاطلاق تجري، لامكان الاطلاق. فلو شككنا نطرد قيد العبادية، فلو شككنا ان تحنيط الميت المسلم أو تكفينه عبادة الاصل الاطلاق ونطرد الشرط والقيد. فالاصل الاطلاق يعني ان الاصل التوصلية. أما الاصل العملي: فلو فرضنا ان الاصل اللفظي لم يجر فما هي الوظيفة العمليّة؟ مثلا: لو شككت ان التحنيط عبادي أو لا فالاصل العملي ما هو؟

المسألة من تطبيقات مسألة الاقل والاكثر الارتباطيين [1] ، فان ذهبنا هناك إلى البراءة كما هو الاكثر، فالاصل في المقام ايضا البراءة والبراءة تقتضي نفي الشرط وعدم لزوم الاتيان به، اشك في التكليف به فالاصل عدمه، وإن قلنا بالاشتغال والاحتياط هناك كما هو مذهبنا فالاصل هنا الاشتغال الذي يقتضي الاتيان بالشرط، والشك ليس في التكليف – الجعل – مثلا: وجوب السورة ليس وجوبا مستقلا حتى اشك به هو مقدّمة داخلية، وقلنا في ابحاث المقدّمة ان المقدمة الداخلية لا جعل لوجوبها، وهنا اشك في الامتثال حينئذ فالاصل الاشتغال.

والسر في ذلك أن الامر متعلق بالفعل بقيد العبادية، ولا ينحل هنا إلى أمرين: أمر بالفعل وأمر بالقيد، لان الامر بالفعل أي المقيّد أمر بمقدمة داخلية، وهذا غير مجعول كما بيّناه في أبحاث مقدمة الواجب، والامر بالقيد ايضا كذلك، فهو ليس مجعولا منفردا، وبذلك لا ينحل إلى أمرين. ولا معنى للقول: " أشك في جعل القيد والاصل عدمه ". لان أصل البراءة يجري عند الشك في التكليف، أي في الجعل، ومعه لا مجال إلا لاصالة الاشتغال كما ذهب إليه المحقق الآخوند (ره)، وذلك لان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، ومع الاتيان بالفعل المقيّد من دون قيد أشك في الامتثال، وعنده لا بد من الاحتياط.

 


[1] الفرق بين مسألة الاقل والاكثر الارتباطيين ومسألة الصحيح والاعم: الصحيح والاعم هو على مستوى الاصل اللفظي اما الارتباطيين فهي على مستوى الاصل العملي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo